أزمة دستورية جديدة في ليبيا والبرلمان يتجه لعدم الاعتراف بقرار حله

مجلس النواب السابق يعتبره نصرا له.. والتيار المتشدد يحتفل ويؤكد تأسيسه لدولة القانون

ليبيون يحتفلون بعد قرار المحكمة الدستورية العليا في ليبيا بحل مجلس النواب المنتخب إثر جلسة بالعاصمة طرابلس أمس (رويترز)
TT

عمقت المحكمة الدستورية العليا في ليبيا عمليا من حدة الصراع السياسي والجدل القانوني بين البرلمانين؛ الحالي والسابق، بعدما قضت بحل مجلس النواب المنتخب، إثر جلسة عقدتها بالعاصمة طرابلس، أمس، وأعلنت خلالها قبول الطعن في عدم دستورية الفقرة (11) في الإعلان الدستوري، وباعتبار «مجلس النواب المنتخب كأن لم يكن، وكل ما صدر عنه من قرارات وإجراءات هو في حكم العدم».

وقضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية لجنة 17 فبراير (شباط)، وما ترتب عليها من آثار، التي انبثق عنها انتخابات مجلس النواب الليبي، الذي يعقد جلساته بمدينة طبرق في (شرق ليبيا)، وقدم بعض أعضاء المجلس، من المحسوبين على التيار المتشدد، طعونا على المجلس واتهموه بمخالفة النص الدستوري، الذي يقضى بعقد جلسات المجلس في مدينة بنغازي، وأن تتم مراسم التسليم والتسلم بمدينة طرابلس.

وينص الإعلان الدستوري على أن «المقر الدائم للبرلمان الليبي في مدينة بنغازي»، لكن 21 نائبا من أصل 184 نائبا قاطعوا جلسات البرلمان في طبرق، معتبرين أن انعقاد الجلسات فيها يعد «مخالفة دستورية».

وخرجت مظاهرات في مدينتي غريان ومصراتة في غرب البلاد، تعبيرا عن الابتهاج بهذا الحكم الذي يراه الكثير من الليبيين، بمثابة مرحلة جديدة في الصراع السياسي بين مجلس النواب المنتخب وغريمه المؤتمر الوطني العام (البرلمان) السابق والمنتهية ولايته.

ونقلت وكالة الأنباء المحلية عن صالح المخزوم، النائب الثاني لرئيس المؤتمر، تعهده للشعب ولمن وصفهم بالثوار المرابطين في الجبهات بتحمل المسؤولية إلى أن يصل الجميع إلى حل مرض تتفق عليه جميع الأطراف في ليبيا.

ويضفي حكم المحكمة على ما أصدره البرلمان السابق من قرارات في الفترة الماضية القريبة، بما فيها حكومة الإنقاذ الوطني برئاسة عمر الحاسي باعتبارها «قرارات مشروعة ونافذة منذ تاريخ صدورها».

كما عبر عبد الحكيم بالحاج، أحد قادة الجبهة الإسلامية المقاتلة الليبية سابقا ورئيس حزب الوطن، عن سعادته بالحكم، واعتبر أنه «يؤسس لدولة القانون في ليبيا، وأنه علينا استثمار الحكم لإعادة بناء ليبيا، وأن ننظر إليه على أنه خارطة طريق جديدة».

وطلب بالحاج في تصريحات لقناة تلفزيونية، محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، من مجلس النواب المنتخب احترام قرار المحكمة، كما طالب المجتمع الدولي باحترام القرار والسيادة الليبية. لكن أعضاء في مجلس النواب المنتخب، الذي يتخذ من مدينة طبرق بأقصى الشرق الليبي مقرا له، قالوا في المقابل لـ«الشرق الأوسط»، إن «الحكم لا يحظى بأي شرعية نظرا للتهديدات التي تعرض لها قضاة وأعضاء المحكمة التي تعرض مقرها في طرابلس لحصار من ميليشيات مسلحة محسوبة على الجماعات المتطرفة».

وكان مقررا أن يصدر المجلس بيانا رسميا في هذا الخصوص، لكنه تأخر بسبب الجلسة الطارئة التي عقدها، ولم تسفر عن تبنى أي موقف معلن تجاه قرار المحكمة الدستورية التي تعتبر أعلى جهة قضائية في ليبيا.

وأعلن المجلس عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أنه عقد جلسة تشاورية لإصدار بيان ردا على حكم المحكمة العليا، مشيرا إلى أنه «سيتم نشر هذا البيان فور التوافق عليه بين النواب داخل الجلسة».

واستبق فرج بوهاشم، الناطق الرسمي باسم المجلس، بيانه المرتقب، بإعلان اعتزام المجلس اللجوء إلى القضاء الدولي، للطعن في قرار المحكمة العليا، معتبرا أن «الهدف الرئيسي منه ضرب المؤسسة العسكرية التي تقاتل المسلحين في البلاد».

وقال بوهاشم إن المجلس المنتخب «يدرس الأجواء التي عقدت خلالها جلسة المحكمة، بالإضافة إلى تداعيات حكمها في ضوء تلقي عدد من قضاة المحكمة تهديدات من قبل الميليشيات المسلحة التي تسيطر على العاصمة طرابلس».

وقال شهود عيان لـ«الشرق الأوسط»، إن «ميليشيات مسلحة حاصرت مقر المحكمة العليا، صباح أمس»، بينما ترددت معلومات قبل صدور الحكم عن تنحى اثنين من قضاة المحكمة قبل الحكم، مساء أول من أمس.

وأثارت دستورية انعقاد مجلس النواب المنبثق عن انتخابات 25 يونيو (حزيران) الماضي، والمعترف به من المجتمع الدولي، اعتراض نواب وميليشيات أعادوا تفعيل البرلمان المنتهية ولايته؛ مما أغرق البلد في فوضى على مستوى المؤسسات. واعتبر أحد النواب المقاطعين للبرلمان أنه لم يحترم الدستور الذي نص على إحياء حفل «انتقال السلطة» في طرابلس بين البرلمانين؛ الجديد والسابق.

ويشار إلى أن غالبية النواب الذين يقاطعون البرلمان يدعمون ما يسمى بعملية «فجر ليبيا» المكونة من عدة ميليشيات إسلامية، التي شكلت حكومة موازية معروفة بتعاطفها مع الإسلاميين.

والبرلمان المعترف به من المجتمع الدولي الذي يهيمن عليه مناهضو الإسلاميين، يتخذ من طبرق مقرا له منذ انتخابه، ويعتبر أنه لا يمكن ضمان أمنه في بنغازي، معقل المجموعات الجهادية ومسرح أعمال عنف يومية.

ويرى مراقبون أنه من المتوقع أن «يؤدي قرار الدستورية إلى زيادة التعقيدات السياسية في ليبيا، التي تشهد أعمال عنف وفوضى دستورية غير مسبوقة، علما بأن الأمم المتحدة رعت عدة اجتماعات منذ نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، بين نواب متخاصمين بهدف التوافق على شرعية البرلمان الجديد.

في غضون ذلك، شددت الأمم المتحدة على أهمية التوصل إلى توافق سياسي في ليبيا بعد قرار المحكمة العليا الليبية الذي كانت تعول المنظمة الدولية عليه للدفع باتجاه إجماع سياسي يجنب ليبيا المزيد من القتال. وفي بيان من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أمس، قالت الأمم المتحدة، إن البعثة «تنكب حاليا على دراسة قرار الدائرة الدستورية في المحكمة العليا عن كثب». وبينما يجري أعضاء البعثة مشاورات وثيقة مع أطراف مختلفة في العملية السياسية الليبية ودول مهتمة في الشأن الليبي، لم تظهر نتائج فورية من تلك المشاورات.

وأضاف البيان، أن «في هذه اللحظة الحرجة، تدعو البعثة جميع الأطراف إلى إعلاء المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار». وطالبت البعثة جميع الأطراف بـ«الامتناع عن اتخاذ أي إجراء من شأنه تصعيد حالة الاستقطاب القائمة أو يؤدي إلى مزيد من التدهور في الأوضاع الأمنية». وامتنعت البعثة عن تحديد موقفها من قرار المحكمة العليا، مشددة بالعمل على «الترتيبات السياسية بخصوص المرحلة الانتقالية»، والتي يتشاور فيها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة برناردينو ليون مع الأطراف السياسية المختلفة في البلاد.