ألمانيا: محاكمة لبنانيين وأفغاني بتهمة الانتماء إلى «داعش»

الاستخبارات أدرجت التنظيم على لائحة الجماعات الإرهابية الخطيرة

TT

في سجن شتامهايم بمدينة شتوتغارت حيث تمت محاكمة عناصر من الألوية الحمراء الألمان قبل 39 سنة لاقترافهم أعمال إرهابية يسارية، يعيد التاريخ نفسه، حيث شهدت المحكمة نفسها أول من أمس محاكمة 3 متهمين بالإرهاب والانتماء إلى تنظيم داعش وتوفير دعم له.

والمتهمون هم شقيقان لبنانيان وألماني من أصل أفغاني، تتراوح أعمارهم ما بين الـ24 و38. وفي أول جلس،ة وقف المتهم الرئيسي إسماعيل عيسى وعمره 24 سنة (والدته سورية ووالده لبناني) وكان يلبس ملابس أنيقة مع رابطة عنق وحليق الذقن. ولدى دخوله القاعة، ابتسم للمصورين وحيا الحاضرين وبعضهم من أصدقائه وعائلته، وكان يرد على أسئلة الادعاء العام والقاضي بكل هدوء. وإلى جانب إسماعيل وقف في قفص الاتهام شقيقه عز الدين (34 سنة) والألماني الأفغاني الأصل محمد صبحا أ، وعمره 38 سنة، وألقت الشرطة القبض عليه وكان بصحبة إسماعيل في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2013 بناء على معلومات بأنهما كانا في طريقهما إلى سوريا من أجل القتال. وحسب بيان الادعاء العام، فإن إسماعيل قد انضم إلى تنظيم داعش في الفترة ما بين شهري أغسطس (آب) وأكتوبر (تشرين الأول) عام 2013، وكان مقاتلا نشيطا في سوريا وتلقى دورات تدريبية على استخدام السلاح ثم عاد إلى ألمانيا من أجل شراء معدات ضرورية في المعارك مثل أجهزة رؤية ليلية وملابس تمويهية وغيرها.

وخلال قراءة لائحة الاتهام، كان إسماعيل عيسي يبتسم ويهز رأسه دائما كأنه ندم، وحسب أقواله تم التغرير به، إذ إنه سافر إلى سوريا من أجل تقديم خدمات إنسانية، بعد أن أقنعه شخص من الجيش السوري الحر خلال رحلة إلى العمرة، بضرورة السفر إلى سوريا وتقديم المساعد ضد المجرم بشار الأسد وحماية حياة إخوته وأخواته. وقال محامي دفاعه ستيفن هولوخ، إن موكله اعترف بالكثير من التهم، إلا أنه لم يستعمل السلاح ويطلق النار، بل زود المقاتلين بالمواد القتالية. وخلال استجوابه في السجن الاحترازي، أكد أنه عاد إلى صوابه وتخلى عن الإرهاب ويريد أن يبدأ حياة جديدة مع زوجته وأطفاله وعمله. وحسب معلومات الجهات الأمنية الألمانية، فإن إسماعيل قد ترعرع في مدينة شتوتغارت وسط 5 إخوة وترك المدرسة باكرا دون إكمال دراسته، ولم يكن لديه عمل ثابت وكان يتعاطى المخدرات. وبعد فشل زواجه بلبنانية وإقامته بالسويد، عاد إلى ألمانيا ثم بدأ يتردد على مسجد ابن الوليد في منطقة باد كانشتاد في شتوتغارت، وأصبح متطرف المعتقد.

وفي الـ16 من شهر أغسطس (آب) عام 2013، سافر إلى مونشنغلادباخ وأقام لدى سفين لاو، وهو سلفي ألماني متطرف، وهناك حضر نفسه لرحلة القتال المقدس، واعترف بأنه كان حاضرا عندما صور سفين رسالة فيديو نشرت على مواقع «داعش» للدعاية للتنظيم. وقبل مغادرته إلى سوريا، كتب رسالة وداعية في حال قتل في المعارك، ثم سافر من دوسلدوف جوا إلى مطار كازياتيب التركي، حيث التقى هناك رجل اتصال اسمه أبو فاس يقيم بقرية حدودية، بقي عنده أسبوعين فتم تفحص أوراقه الثبوتية كمقاتل ألماني، بعدها سمح له بالعبور إلى المنطقة المطلوبة، ولقد هرّبه رجل أوصله إلى منطقة كيليس بعد الحدود الخضراء، وفي سوريا أخضع للاستجواب من قبل قائد، بعدها سمح لها بالبقاء.

وفي مدينة أتما، انضم إلى مجموعة «مهاجرون من حلب»، وهي نموذج قتالي لـ«داعش»، ومعظم أفرادها من أوروبا أو القوقاز. وفي شهر سبتمبر (أيلول)، كان سيلتقي الأمير عبد الله الشيشاني وهو قائد المجموعة. ويقول أيضا إنه بقي في معسكر لتنظيم داعش 30 يوما لكي يكون جاهزا للقتال، وتنكر كلاجئ واختفى في معسكر جبلي، وهناك تعلم استعمال الكلاشنيكوف والقتل وحضر دورات دينية وآيديولوجية متطرفة. وفي أكتوبر (تشرين الأول) عام 2013، أتى إلى منطقة بالقرب من حلب، فشعر بأنه اقترب من هدف، حيث شارك في القتال، لكن أصيب في معركة بجروح في معصمه فأرسله أميره الشيشاني إلى ألمانيا. إلا أن الادعاء العام يرى في الحقيقة أن قيادة «داعش» أرسلت إسماعيل لشراء ما تحتاجه من لوازم ضرورية لقتالها بالمبلغ الذي جمعه شقيقه عز الدين وكان 10 آلاف يور، ووضع المشتريات في سيارة «فورد» اشتراها، وتمكنت الاستخبارات الألمانية التي كانت له بالمرصاد من إلقاء القبض عليه في الـ23 من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2013 على الطريق السريعة في منطقة غريبينغ وصدر بحقه مذكرة توقيف، وعثر في سيارته على ساعات يد وأجهزة إضاءة ليلية وملابس مرقطة عسكرية ولائحة كتبت بخط اليد تحمل أسماء 10 رجال وقياسات ملابسهم».

وعن طريق الـ«واتس آب»، كان يتصل بقائده في سوريا الذي كان يملي عليه الأوامر. وتشير لائحة الاتهام أيضا إلى أن إسماعيل عيسى كان على اتصال متواصل بالسلفي الألماني الأصل سفين لاو الذي أعطاه 250 يورو لتغطية مصاريف إقامته بسوريا. لذا، فالسؤال المطروح الآن: ما الدور الحقيقي الذي لعبه اللبناني في شبكة الإرهاب وخلال الدعاية لـ«داعش» في ألمانيا؟ هذا ما ستوضحه مجريات المحاكمة في الأسابيع والأشهر المقبلة، لكن السجن لمدة 10 سنوات قد يكون مصير إسماعيل، أما شقيقه وصديقه الأفغاني فإن الحكم سيكون خفيفا لأنهما لم يسافرا إلى سوريا أو يشاركا في القتال، بل ساعدا إسماعيل في جمع الأموال وشراء مستلزمات لـ«داعش. وبعد قرار وزير الداخلية الألماني اعتبار تنظيم داعش تنظيما إرهابيا ووضعه على لائحة الإرهاب، اتخذت دائرة الاستخبارات الاتحادية الخطوة نفسه مطلع هذا الأسبوع وعدته منظمة إرهابية عالميا، حتى إنه أخطر من تنظيم القاعدة من حيث الاستراتيجية والآيديولوجية. كما أكد غرهارد شندلر، رئيس هذه الدائرة، أن «داعش» أصبح أكثر التنظيمات تنظيما وتسليحا، فهو يؤهل مقاتليه على أفضل وجه من أجل القتال، وهذا ما ثبت في المعارك التي خاضوها في الفترات السابقة وحتى الآن. كما أنه يمتلك أفضل مفاتيح الإرهاب وأشملها بدءا من الهجمات الإرهابية التقليدية وحتى العمليات المخطط لها بعناية وشمولية. وهذا ما يفرقه عن غيره من التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، وهو ينتهج العنف الدموي الخال من كل إنسانية ولا يعتمد على الأسر، بل القتل بأبشع الوسائل والأشكال كالصلب والرجم العلني والإعدام الجماعي.