هجرة السوريين إلى أوروبا: من مافيا الهجرة إلى التحقيق في دول اللجوء

فؤاد وصل إلى ألمانيا عبر تركيا بهوية مزورة وآلاف اليوروات

TT

لم يجد فؤاد نجار (35 عاما) من جدوى البقاء في بلده سوريا، فقرر أن يطرق أبواب الهجرة إلى أوروبا، إلى أن رست به الطائرة في ألمانيا مع كل ما رافق الرحلة من معاناة. فبعد مضي أكثر من 3 سنوات على بداية الأزمة وتحمله جميع الظروف الصعبة، وتنقله اليومي بين منزله وعمله في إحدى الشركات بمدينة حلب وتعريض حياته للخطر، عقد العزم على المغادرة تاركا وراءه زوجته وابنته ليا (4 سنوات).

لم يأتِ قرار ابن حلب من فراغ. الأوضاع كانت تزداد سوءا يوما بعد يوم، والأسباب متعددة. كل صباح كان يودع عائلته على أمل اللقاء الذي قد لا يتحقّق. «العودة إلى المنزل مساء أو في اليوم التالي مرتبطة بتطور الأوضاع الأمنية خلال النهار»، يقول فؤاد الذي كان يعيش لحظات الموت يوميا خلال تنقلاته، فقد تعرّض أكثر من مرة لأعمال قنص نجا منها بأعجوبة. وكان حين يبدأ الطيران الحربي بشن غاراته وخصوصا في فترة المساء، يضطر عندها مع عدد كبير من زملائه لقضاء ليلتهم في عملهم، خوفا على سلامتهم.

«لكن في الفترة الأخيرة بات الوضع أمنيا واقتصاديا سيئا لدرجة لم أعد أقدر على تحمله»، يقول فؤاد لـ«الشرق الأوسط». ويضيف: «الشركة التي كنت أعمل فيها خفضت الأجور، عازية السبب إلى تدني تصريف الإنتاج الذي يعتمد بشكل كبير على الأسواق العربية. إذ عمدت إلى اتخاذ قرار بدفع الأتعاب عن كل يوم عمل، وليس مرتبا شهريا ثابتا، رغم أن القوة القاهرة كانت السبب بتغيّب الكثيرين عن العمل».

حالة المواطنين السوريين المتشابهة في توقهم إلى الهروب من المعاناة اليومية التي يعيشونها، وبالتالي بحثهم عن طوق نجاة، حوّلتهم لقمة سائغة في أيدي «مافيات الهجرة». ورغم علم فؤاد بكل هذه الأمور، فإن هدفه بات بالدرجة الأولى إيجاد الطريقة المثلى والمضمونة للوصول إلى أوروبا، وإن كان الأمر يتطلب دفع مبالغ مالية مرتفعة.

أرشده أحدهم إلى أحد المهربين. عقد معه أكثر من جلسة تعرّف خلالها على الأساليب المعتمدة، واضعا إياه أمام حقيقة أن بعضها غير مضمون. وضع اسمه على لائحة طالبي الهجرة، على أن يستكمل جميع الأوراق المطلوبة لإنجاز الملف الخاص به، ويقوم المهرب من جهته بتأمين «بطاقة الهوية». وهنا بيت القصيد حسبما يؤكد «فؤاد»، لأن هناك عدة أنواع من الهويات، لا سيما أنه يجب أن تتشابه الصورة مع ملامح طالب الهجرة، التي عادة ما تكون مسروقة أو تعود إلى أحد الأشخاص المتوفين أو مزورة. مع العلم أن تكلفة الهجرة تتراوح بين 5 و7 آلاف يورو، وقد تصل إلى 10 آلاف إذا كان الشخص لا يتقن اللغة الإنجليزية. إذ إنه، وفي هذه الحالة، وفق ما يشير إليه فؤاد، يلجأ المهرب إلى أساليب عدة، منها مثلا تأمين فتاة من إحدى دول أوروبا الشرقية، على أن يتظاهر المهاجر بأنها صديقته ويريد أن يمضي معها عطلة في إحدى الدول الأوروبية فتتكفل من جهتها بجميع الأعمال الروتينية المطلوبة من المغادرين في المطارات لتفادي تعرضه لأي إرباك قد يفضح أمره. كما أن هناك طريقة أخرى، بحسب ما خبره فؤاد، وهي الاستحصال على بطاقات وهويات ذوي الاحتياجات الخاصة، تباع بطريقة سرية وعبر وسطاء مقيمين في البلدان الأوروبية إلى المهربين، لتُستخدم في عمليات التهريب. وكي يؤمنوا كل متطلبات الهجرة غير الشرعية في هذه الحالة، يعملون على تأمين الكراسي المتحركة الخاصة بذوي تلك الاحتياجات، وكل ذلك من ضمن «التسعيرة» الموضوعة لإتمام ترتيبات السفر.

ويكمل فؤاد حديثه، معتبرا أنه كان من المحظوظين، لأنه استطاع، وبفترة قياسية، لم تتعد الـ3 أسابيع، الانتقال من تركيا إلى ألمانيا.

وهنا يشرح: «أكثر الرحلات من سوريا باتجاه أوروبا تمر بتركيا عبر تسليم المهاجرين إلى قبطان القارب الذي تعود إليه مهمة تحديد الوقت المناسب للانطلاق إلى إحدى الجزر اليونانية، لتجنب إلقاء القبض عليهم من قبل خفر السواحل. وعند الوصول إلى إحدى الجزر اليونانية يقوم أحد الأشخاص التابعين لتلك الشبكات بإرشادنا إلى مراكز الشرطة لكي نسلم أنفسنا، على أن يغادر مباشرة خوفا من أن يُكتشف أمره».

أما عن رحلة وصوله إلى ألمانيا، يقول فؤاد إن إتقانه اللغة الإنجليزية سهّل له المهمة قليلا. ويضيف: «انتقلت من تركيا (بودروم) بواسطة قارب صغير إلى جزيرة (كوس) اليونانية في رحلة استغرقت نحو نصف ساعة، ومن هناك إلى العاصمة اليونانية أثينا بواسطة قارب يتسع لنحو 50 شخصا، وحصلت هناك على إذن للبقاء لمدة 6 أشهر. خلال هذه الفترة تسلمت الهوية المزورة وبطاقة السفر إلى إيطاليا (ميلانو) بعدما دفعت مبلغ ألفي يورو، وحجزت بنفسي تذكرة الرحلة إلى ألمانيا (ديسلدورف) حيث وصلت بسلام، وأنتظر منذ 3 أشهر الحصول على إقامة اللجوء».

ويلفت فؤاد إلى أن قدومه من بلد أوروبي يسهّل عليه هجرته، لا سيما أن هناك كثيرا من المحاولات التي لا تنجح بسبب الإجراءات الأمنية المشددة المتبعة من السلطات في الدول الأوروبية، ولا سيما اليونان وإيطاليا وبلغاريا التي ينتقل عبرها المهاجرون السوريون إلى السويد والنرويج وألمانيا والدنمارك بشكل أساسي، إذ يضطر السوري إلى تكرار التجربة مرات عدة، ودفع مبالغ مضاعفة بالتالي.

وبعد وصوله إلى ألمانيا، تقدّم فؤاد بطلب اللجوء إلى «المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين» الذي يقوم بدراسة أهلية الوافدين وأحقيتهم في الحصول على اللجوء. وخضع لغاية الآن إلى مقابلتين؛ إحداهما كانت بمثابة تحقيق وتنفيذ ما يُسمى بتحديد الهوية والتقاط الصور وأخذ البصمات، على اعتبار أنه أتى بصفة لاجئ، ولا يملك الأوراق الثبوتية. وهو الآن بانتظار حكم المحكمة في طلب لجوئه لكي تمدد إقامته ويُسمح له بالعمل. وهو الأمر الذي يأمل أن يحصل خلال أشهر قليلة، ليتسنى له فيما بعد استكمال الإجراءات اللازمة، وتحضير جميع المستندات المطلوبة للحصول على تأشيرة ما يعرف بـ«لمّ الشمل» لعائلته. ويضيف: «علها تتحقق هذه الأمنية وأعود لأغمر ابنتي بالحب مجددا، وأعيش حياة هادئة بعيدا عن هاجس الموت والخوف الذي لم يعد يفارقني لنستعيد حياتنا العائلية مجددا».

وتجدر الإشارة إلى أن السلطات الألمانية تخضع جميع الداخلين إلى أراضيها بطريقة غير شرعية إلى تحقيق مطول، خاصة أن الكثيرين منهم يعمدون إلى إتلاف أوراقهم الثبوتية، وهذا ما يصعب على السلطات المعنية مهمة الحصول على المعلومات الصحيحة، التي تكون إحداها تحديد العمر الحقيقي للمهاجرين، فيعتمد حينها على الأشعة السينية للعظام في اليد والصدر و«عظمة الترقوة».