هل الناقد جزء من العمل الفني؟ (2)

محمد رُضــا

TT

انتهينا في الأسبوع الماضي إلى سؤال قد يطرحه صاحب العمل الإبداعي على الناقد، فحواه أن الناقد ليس له الحق في التدخل في عمله والحكم عليه، وذلك من باب أنه لم يشترك به أصلا ولا هو من صلب العمل عليه.

وقد يطول النقاش؛ إذ ينبري النقاد بالرد على ذلك بما يؤيد حقّـهم في إبداء الرأي في أي منتوج أو فعل فني طالما أنهم معنيون بالفن والإبداع والثقافة معا. لكن من خلال هذا النقاش الطويل تبرز حقائق مختلفة ومتباينة لا بد من الإشارة إليها.

قبل كل شيء الناقد ليس جزءا من العمل الفني أو الإبداعي، كما هو حال الممثل أو مدير التصوير أو مهندس الديكور أو الريشة في يد الرسام والكمان بيد العازف، لكنه جزء من العمل الفني بوصفه جزءا من التيار الثقافي الذي ينتمي إليه جنبا إلى جنب العمل الفني.

في السينما عموما، يحق للمخرج تحقيق فيلم هادف أو فيلم ترفيهي غير هادف، لكن بصرف النظر عن أي اختيار انتمى إليه أو تبنّـاه فإنه جزء من هذا التيار الثقافي الشامل الذي هو ليس على لون معيّـن ولا يمكن توجيهه حسب رغبة فريق ضد آخر خشية السقوط في فاشية الرأي. والحال ذاتها بالنسبة للناقد؛ إذ ينتمي بكتاباته وباهتماماته إلى البحر الثقافي الذي يعيشه ويعيشه المجتمع ككل.

قس على ذلك مختلف الإبداعات.

المسألة الأخرى هي أن الناقد عليه أن يعرف أكثر عما يقوم بالكتابة فيه لكي ينتمي فعلا - وبجدارة - إلى العمل الفني ومحيطه الثقافي.

لا يستطيع أن يعرف أقل مما يعرف المخرج في الإخراج ولا الكاتب في الكتابة ولا الممثل في التمثيل، وإذا لم يعرف كيف يحكم على الموسيقى فهذه كارثة (الكارثة الكبرى هي أن يحكم عليها وهو لا يدري كيف) وإذا لم يعرف شيئا يذكر عن التصوير فإن عليه عدم ذكره، ولو أنه، عاجلا أم آجلا، سيقع في أزمة إذا ما كان عليه قول شيء بخصوص التصوير أبعد من مجرد «وكان مدير التصوير موفقا في اختيار اللقطات» (وهي كلمة لا تعني شيئا في حد ذاتها).

نلحظ في النقد الغربي عموما أن نقاد الفنون الأخرى كالرسم أو النحت أو التأليف الموسيقي، يعرفون كثيرا جدّا عن كل فن وعن تاريخه وأساليبه، وإلا لوجد نفسه مدعاة لسخرية الجميع. ومعرفة التاريخ في كل شيء هو أهم من معرفة الحاضر. لا يستطيع الناقد أن يكتب عن مسرحية «عطيل» دون معرفة الفارق بين النسخة الحديثة التي يكتب عنها والنسخ السابقة التي تم تقديمها، وعليه بالتالي أن يكون قرأ شكسبير ويعرف تماما كيف يقارن بين «عطيل» وبين باقي مسرحياته وأين تلتقي وأين تختلف.

الكتابة النقدية في السينما (كونها أكثر الفنون جمعا للفنون) شائكة أكثر في هذه الناحية، ولا يستطيع أحد ممارستها على نحو صحيح من دون ذلك الإلمام الشاسع بتاريخها، وبما أنها متّصلة بالفنون الأخرى، كما بالإبداعات الأدبية والأحداث التاريخية والشخصيات الواقعية، فإن عليه، فوق كل المهارات التي عليه استحواذها، أن يلم بها جميعا. إذا ما فعل، وقليل منا يفعل، فإنه قد يتجاوز المخرج إلماما ومعرفة، وبالتالي يصبح هو الجزء الصلب من العمل الإبداعي.

بل سيحق له تماما ودائما اعتبار نفسه جزءا من الفيلم أو من العمل الموسيقي أو المسرحي أو الأدبي حسبما انتمى هو.

لذلك كلّـه فإن الناقد يستطيع أن يكون عشبة طفيلية على جدار الفن والثقافة، أو أن يكون شجرة تظللهما. إما أن يستخف بمهنته ويحوّلها إلى وسيلة مادية تشبه الفيلم التجاري الهابط، أو أن لا يكف عن طلب العلم وتحصيل الثقافة فيما خصّ نفسه به، وبذلك يتحوّل إلى شجرة من شجرات المعرفة بدوره.