مشاورات «التوافق الوطني» في الجزائر تسبب انقسامات داخل أكبر حزب إسلامي

أبدى معارضته لها بحجة أنها لا تقدم جديدا

TT

تواجه «حركة مجتمع السلم» الجزائرية، التي تعد أكبر حزب إسلامي في البلاد، انقساما داخليا بسبب مشاركة عضوين من مجلس شوراها في لقاء يتعلق بمسألة «التوافق الوطني»، التي تطرحها «جبهة القوى الاشتراكية»، بعد أن نظمت قيادة الحزب لقاء مع مسؤولي «الاشتراكية»، وأبدت معارضتها للمسعى بحجة أنه «لا يقدم جديدا» زيادة على التعاطي معه على أنه «مخادعة من النظام».

وثارت ثائرة رئيس «مجتمع السلم» عبد الرزاق مقري عندما سمع بأن أبو جرة سلطاني، رئيس الحزب سابقا، وعبد الرحمن سعيدي نائب الرئيس سابقا، قد تنقلا إلى مقر «جبهة القوى الاشتراكية» مساء الخميس، للقاء سكرتيرها الأول محمد نبَو والمشرفين في الحزب قصد الترويج لمشروع «التوافق الوطني» الذي لا يعرف مضمونه بشكل دقيق.

وقال مقري في بيان بخصوص هذا اللقاء: «تنقل السيدان سلطاني وسعيدي إلى مقر جبهة القوى الاشتراكية استجابة لدعوة قيادتها للمشاورات المتعلقة بمبادرتها السياسية، وبعد تأكدنا من صحة الخبر نؤكد للرأي العام أن المعنيين قاما بهذه الخطوة دون استشارتنا، وأنه لم يتخذ أي قرار في مؤسسات الحركة في الموضوع، وأن عملهما لا يمثل الحركة لا من قريب ولا بعيد، ولا علاقة له بقرارات المؤسسات، وأن مؤسسات الحركة ستنظر في الموضوع». وقد فهم من كلام مقري أنه عازم على محاسبة القياديين.

يشار إلى أن مؤتمر الحزب الذي عقد في مايو (أيار) 2013 انتخب مقري رئيسا خلفا لسلطاني، فيما هزم سعيدي في سباق الخلافة، وقد كان مقرَبا من الشيخ محفوظ نحناح مؤسس الحركة وزعيمها التاريخي، الذي توفي في 2003 وخلف وراءه صراعات داخلية حادة تسببت في انقسام الحزب في وقت لاحق.

وصرح سلطاني للصحافة في نهاية لقائه مسؤولي «القوى الاشتراكية» بأن «مبادرتهم السياسية تتقاطع مع مبادئ وأفكار الشيخ نحناح»، ويعني ذلك أن رفضها من طرف قيادة «مجتمع السلم» غير مبرر، في نظره.

ويعد هذا التصريح استهدافا مباشرا لمقري وأعضاء «المكتب التنفيذي» للحزب، الذين درسوا المبادرة ووجدوها، حسب رأيهم، لا تقدم شيئا جديدا قياسا إلى ما تعرضه «التنسيقية الوطنية للحريات والانتقال الديمقراطي»، وهو أكبر تكتل سياسي معارض تشارك فيه «مجتمع السلم»، إلى جانب إسلاميين آخرين وأحزاب علمانية وليبرالية.

واللافت أن قطاعا من الإسلاميين أعلنوا تأييدهم مبادرة «التوافق الوطني»، التي تريد «القوى الاشتراكية» ترجمتها إلى مؤتمر كبير تحضره المعارضة والسلطة للاتفاق على «التغيير». وقد وافقت «أحزاب الموالاة» على المسعى، وأهمها حزب الأغلبية «جبهة التحرير الوطني»، واشترطت على أصحابه «عدم التشكيك في شرعية بوتفليقة كرئيس».

وعرف الحزب الإسلامي الكبير في يونيو (حزيران) الماضي ظرفا عصيبا، وذلك عندما أبدى سلطاني رغبة في تلبية دعوة رئاسة الجمهورية للمشاركة في استشارة أطلقها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بخصوص مسودة تعديل الدستور، فيما كانت قيادة الحزب قد رفضت الدعوة. ولكنه اضطر إلى كتم رغبته في النهاية، تحت تهديد مقري بإنزال عقوبات تأديبية ضده. وتعرض سلطاني نفسه، لما كان رئيسا للحزب (2003 - 2013)، لمعارضة شديدة من طرف قياديين بارزين بسبب دخوله الحكومة وزير دولة، فانشق نائب الرئيس آنذاك عبد المجيد مناصرة عن الحزب وأسس مع الكثير من القياديين «حركة التغيير». وقد عرف الحزب الناشئ صراعات حادة أفضت إلى خروج مؤسسين منه، فأطلقوا «حركة البناء الوطني». كما انشق القيادي عمر غول في 2012 عن «مجتمع السلم» معلنا بقاءه وزيرا في الحكومة، لما قررت القيادة سحب وزرائها من الطاقم الحكومي إيذانا بفك ارتباطها بالسلطة وانتقالها إلى المعارضة، فأسس حزبا سماه «تجمع أمل الجزائر»، وهو يعد حاليا من أبرز المدافعين عن بقاء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الحكم، وسط ضغط تمارسه المعارضة لرحيله عن الرئاسة بسب المرض الذي يعانيه.