الحكومة العراقية تستميل عشائر الأنبار.. و«داعش» يبطش بأبنائها

زعيم من البونمر: طلبنا من العبادي ونائبه مساعدتنا.. لكن دون نتيجة

TT

بينما تسعى الحكومة العراقية إلى استمالة العشائر السنية للتحالف معها ضد «داعش»، نفذ التنظيم الإرهابي عمليات قتل جماعية بحق العشائر التي حملت السلاح ضده لبث الخوف في نفوسها لئلا تساند الحكومة.

وفي حين قد يؤدي قتل المئات من أبناء عشيرة البونمر في محافظة الأنبار على يد «داعش» إلى زعزعة ثقة العشائر بحكومة حيدر العبادي، يؤكد شيوخ وخبراء أن محاولات التنظيم المتطرف لبث الرعب في صفوف العشائر قد تؤدي إلى نتائج عكسية وتحضها على قتال أوسع ضده.

وأقدم التنظيم الذي عرف بممارساته الدموية بحق معارضيه، على قتل ما بين 250 و400 شخص بينهم نساء وأطفال، بحسب مصادر محلية.

وبات التنظيم يسيطر على غالبية أجزاء محافظة الأنبار (غرب) رغم الضربات الجوية للتحالف الدولي بقيادة واشنطن الباحثة كذلك عن مساهمة العشائر السنية في القتال إلى جانب القوات العراقية.

وأكد العبادي خلال لقاءات عقدها مؤخرا مع زعماء عشائر في عمان وبغداد وآخرها مع وفد من عشيرة البونمر الأربعاء، استعداد حكومته لدعمهم.

ويقول المتحدث باسم العبادي رافد جبوري لوكالة الصحافة الفرنسية إن رئيس الحكومة «يؤمن بأن دور العشائر أساسي ورئيسي في قتال الإرهاب». ويضيف أن «الاتصالات مع شيوخ العشائر مستمرة. واستقبل رئيس الوزراء على الأقل 5 وفود عشائرية خلال أسبوعين من الأنبار (غرب) والموصل (شمال) وصلاح الدين (وسط)، ودارت بينهم أحاديث صريحة».

وتعهد العبادي خلال تصريحات متلفزة خلال أحد هذه اللقاءات، بتوفير الدعم الذي تطالب به العشائر لتمكينها من الاستمرار في قتال التنظيم الذي يسيطر على مناطق واسعة في العراق وسوريا.

وقال خلال استقباله وفدا من الأنبار «مطالبتكم بالسلاح والعتاد، نحن مستعدون» لتوفيرها، وذلك بحسب لقطات بثتها قناة «العراقية» الرسمية.

إلا أن تنظيم داعش الذي يسيطر على مناطق واسعة في شمال العراق وغربه منذ يونيو (حزيران)، شرع منذ نهاية الشهر الماضي، بتنفيذ سلسلة من عمليات القتل الجماعي بحق عشيرة البونمر.

وقاتل أبناء هذه العشيرة التنظيم لأسابيع قبل أن يسيطر على مناطق وجودهم. وينضوي الكثير من أبناء البونمر في الشرطة، كما كانوا جزءا من «الصحوات» السنية التي قاتلت تنظيم القاعدة في الأعوام الماضية.

وتداولت مواقع (جهادية) على شبكات التواصل الاجتماعي صورا قالت إنها تظهر «القصاص من صحوات البونمر»، بدت فيها 30 جثة على الأقل ممددة جنبا إلى جنب وسط طريق، وحولها بقع من الدم. وظهر الكثير من الضحايا معصوبي العينين، وقد وثقت أيديهم خلف ظهورهم.

ويقول الشيخ نعيم الكعود أحد زعماء عشيرة البونمر لوكالة الصحافة الفرنسية «طالبنا رئيس الحكومة حيدر العبادي ونائبه صالح المطلك بأن يقدموا المساعدة لعشيرتنا (قبل وقوع عمليات القتل)، دون أي نتيجة».

إلا أن النائب غازي الكعود وهو أحد زعماء العشيرة وكان في عداد الوفد الذي التقى العبادي الأربعاء، أكد لوكالة الصحافة الفرنسية أن رئيس الوزراء وافق على «تسليح مقاتلي عشيرة البونمر والعشائر المجاورة لها التي ما زالت محاصرة وتقاتل داعش»، الاسم المختصر الذي يعرف به التنظيم.

وتلقي عمليات القتل وعدم قدرة الحكومة على منعها أو دعم العشائر لتفاديها، بظلالها على جهود بغداد للإفادة من مقاتلي العشائر في مواجهة التنظيم الذي تعد مناطق سيطرته ذات غالبية سنية. وتأمل السلطات العراقية أن تشارك العشائر إلى جانب قواتها في قتال «داعش» في مناطق سيطرته، والحؤول دون استحواذه على مناطق أخرى.

ويرى خبراء أن ما جرى لعشيرة البونمر قد يعرقل هذا المسعى إلا أنه في الوقت نفسه يضع العشائر أمام خيار وحيد هو القتال دفاعا عن نفسها. ويقول كاوه حسن، الباحث الزائر في مركز كارنيغي الشرق الأوسط، إن ما جرى مع البونمر «سيعقد بالتأكيد جهود الحكومة (العراقية) والولايات المتحدة لضم عشائر أخرى إلى القتال ضد التنظيم».

يضيف هذا الباحث المقيم في هولندا أن التنظيم «يريد أن يقول للسنة إن الحكومة ضعيفة وغير قادرة على حماية السنة المناهضين لداعش، الجيش فاقد للمعنويات، والضربات الجوية لا تحقق نتيجة». ويتابع أن «الإرهاب وحملة الإبادة بحق عشيرة البونمر تشكل عاملا رادعا للسنة، لكن السؤال الأهم هو إلى متى» يستمر هذا الردع.

ويقول مدير نشرة «إنسايد إيراكي بوليتيكس» المختصة بالسياسة العراقية نايثانيال رابكين إنه «نبأ سيئ للجانب الحكومي أن يتعرض مؤيدوه لمجازر». رغم ذلك «يبدو أن البونمر لا تزال تقاتل في مناطق أخرى من الأنبار وثمة تقارير هذا الأسبوع تشير إلى أن الحكومة قدمت سلاحا إلى الآلاف من أبناء هذه العشيرة وغيرها»، بحسب رابكين الذي يضيف أن «وحشية (ما جرى) قد تساهم في إقناع عشائر أخرى موالية للحكومة بأن الاستسلام ليس خيارا في مواجهة داعش».

ويقول الشيخ عمر العلواني وهو من شيوخ عشيرة البوعلوان إن البعض، حتى من أبناء العشائر كانوا «يظنون أن الحرب تجري لنصرة أهل السنة، لكنهم تأكدوا أن ما يجري مجزرة بحق أهل السنة».

ويتحدث عن «توحد جميع العشائر في الأنبار ضد الجريمة التي راح ضحيتها أطفال»، مشيرا إلى عودة عدد من أبناء العشائر الذين كانوا نزحوا إلى كردستان العراق، إلى الأنبار مؤخرا، ليحملوا السلاح ضد المتطرفين. ويضيف أن «هدفهم الانتقام لهذه المجزرة البشعة».