شخصيات من الأحساء: نمثل بيئة للتعايش الوطني.. ونبتة الإرهاب لا غراس لها

التلاحم الوطني فوت الفرصة على قوى الظلام للإيقاع بين أبناء الوطن الواحد

صورة شهيد الواجب تركي الرشيد محاطة بأكليل من الورد أثناء تشييع جثامين ضحايا حادثة «الدالوة» التي راح ضحيتها 7 من أبناء القرية (تصوير:عيسى الدبيسي)
TT

مثلت الجريمة التي ارتكبها الإرهابيون في قرية الدالوة بمحافظة الأحساء، والتي راح ضحيتها 11 من أبناء القرية وأبناء المحافظة ومن رجال الأمن، على بشاعتها، حالة من التلاحم بين أبناء الوطن الواحد في محافظة الأحساء على وجه الخصوص، وعلى مستوى الوطن بشكل عام، مما عزز اللحمة الوطنية في وجه الجماعات المتطرفة والإرهابية.

في أعقاب هذه الحادثة، وفي يوم تشييع ضحايا أبناء القرية الـ7 الذين قضوا في الجريمة البشعة، التي شهدت أضخم تشييع في تاريخ القرية، شارك فيه أبناء المحافظة وأبناء المنطقة الشرقية، ومن مختلف المناطق، تناقش «الشرق الأوسط» حالة التعايش بين أبناء الوطن، خصوصا أن الجريمة التي ارتكبها الإرهابيون كانت تهدف إلى جرّ السعوديين إلى المنزلق الطائفي، إلا أن السعوديين فوتوا هذه الفرصة على قوى الظلام.

وقد أدان الحادث مختلف المستويات القيادية والشعبية والدينية، في حين أصدر أبناء الطائفة الشيعية بيانات أكدت كلها على أن الإرهاب لا دين ولا مذهب له.

* الجبر: التعايش خيارنا

* يقول الدكتور يوسف الجبر مستشار قانوني والرئيس السابق لنادي الأحساء الأدبي، إن التعايش في منطقة الأحساء يعني فيما يعنيه بشكل أدق قبول رأي وسلوك الآخر القائم على مبدأ الاختلاف واحترام حرية الآخر وطرق تفكيره وسلوكه وآرائه الثقافية، فهو وجود مشترك لفئتين مختلفتين، وهو يتعارض مع مفهوم التسلط والأحادية والقهر والإقصاء.

وقال الدكتور الجبر: «لو ابتدأنا من ميزان العدل الذي هو المرجع في تحرير الأحكام، ومنها الأحكام الثقافية، فإن منطق العدل يدلنا على أن البيئة التي نعيش بها ملك مشترك بين الجميع، وليست ملكا لأحد دون الآخر. فليس لأحد أن يصادر حق غيره في الحركة والتنفس والاتجاه ما دام أنه سلوك لازم له وخاص به»، وأضاف: «هذا واقع معيش في محافظة الأحساء».

ويتابع الدكتور الجبر أن الحقيقة التاريخية تحكي أن الاختلاف موجود، وسيظل قائما بين الفئات التي تتشارك البيئة نفسها، وقد أشار القرآن الكريم لذلك بقوله تعالى (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم).

واعتبر أن خطورة عدم فهم مبدأ التعايش أنه إذا لم يحسن استغلاله فتكون نتائج المخالطة غير مأمونة العواقب، كما نراه في مواقف الصراع الفكري والعنف الثقافي في بعض المجتمعات.

وأشار إلى أن التعايش يقوم على مرتكزات راسخة ومبادئ ثابتة لا جدال حولها، وهي المواطنة وقيم الجوار وحقوق الإنسان. وهي مبادئ مكفولة بدستور كل الدول. وهذه الكفالة تقتضي توفير أدوات التعايش وعناصر الاحترام المتبادل، ومن جهة أخرى، فإن العلاقة التفاعلية في وسط التعايش تبنى على الاستفادة المتبادلة، والمنافع المشتركة، فكل إنسان بحاجة لغيره، ولا يمكن لمجتمع أن ينعزل عن العالم، وهو ما يدفع للتفكير العادل والتأمل العاقل بحق كل إنسان بالحياة والبقاء ونيل كل حاجاته.

وشدد الدكتور الجبر على أن القيم المشتركة هي نقطة محورية لبناء التعايش، وكل ما نحتاجه لتفهم هذه الحقيقة هو مناقشتها مع الأجيال قبل تأسس القناعات العميقة، ونشر الوعي في المجتمع بضرورة هذا المبدأ الحضاري، وختم بأمنية أن يتجاوز الجميع مفهوم التعايش، فالأليق بلغة التحضر هو مصطلح التسامح أو التآلف.

* الجبران: موطن التنوع

* بدوره يقول الدكتور صادق الجبران، أحد وجهاء محافظة الأحساء، إن البيئة الأحسائية بيئة متنوعة أنتجت مجتمعا متنوعا ينتمي إلى المذاهب الإسلامية الـ5، وهذا التنوع طبيعي وليس مصطنعا، فالأسر متداخلة، وهناك المئات من الأسر الأحسائية لها أبناء من جميع مكونات الوطن.

ويقول الدكتور الجبران إن المجتمع الأحسائي مجتمع فلاحي، وعلى امتداد المحافظة هناك مزارع يملكها سنّة في قرى شيعية، ويوكل لهم إدارتها والعناية بها والعمل فيها، والعكس بالعكس. ويشير إلى أن هذا الأمر كان معمولا به، وكان ظاهرا في الماضي عندما كانت المزارع مصدر الرزق الوحيد، واستمر هذا الأمر بشكل طبيعي وكما هو معتاد حتى الآن.

ويشير إلى نقاط التقاء واسعة وكبيرة بين الطائفتين الكريمتين في المحافظة، مدللا على ذلك بالأوقاف المنتشرة في المحافظة؛ فهناك المئات من الأوقاف لطائفة يديرها أبناء طائفة أخرى، حيث يعهد لهم إدارتها بكل ثقة وما زالت هذه الأوقاف تُدار من قبلهم.

ويتابع الدكتور الجبران قائلا إن هناك مناطق مختلطة واسعة في المحافظة، وحدثت بعض الوحشة والتحسس بين الطرفين لسبب سياسي، وليس لأسباب دينية أو اجتماعية، فقد كانت المدارس قديما، وهي في الغالب مدارس دينية، تستقبل خليطا من الطلاب، ولا يوجد طالب درس في مدارس الأحساء إلا ومر على شيخ أو معلم من المذهب الآخر.

ويورد الدكتور صادق الجبران في هذا الصدد قصة الشيخ عبد اللطيف العفالق أحد علماء المذهب الحنبلي في الأحساء، وكان مفتي الملك عبد العزيز في الأحساء قبل توحيد جهة الإفتاء، وكان كاتب الشيخ العفالق وأمينه على الفتاوى السيد ياسين الموسوي الشيعي الجعفري.

ويشير الجبران إلى أن أمهات كثيرات كن يدرسن القرآن كن يدرّسن لطلاب من طوائف مختلفة، ولم يكن ذلك مستغربا لدى المجتمع كانت هذه الأمور تمارس بشكل اعتيادي، ويضيف: «ليس لدى ابن الأحساء تلك الصورة المرتبكة والمغلوطة عن الآخر».

وشدد الجبران على أن التطرف والتشدد ليس لهما مذهب أو دين، وأن التطرف والتشدد موجودان في كل المذاهب والأديان.

* الغدير: ضد الفرز

* وفي موضوع التعايش في الأحساء على وجه الخصوص يقول باسم الغدير (رجل أعمال من أبناء الأحساء)، إن «الأحساء نموذج حقيقي للتعايش بين أبناء الوطن، ولا توجد بين أبنائها التصنيفات الموجودة في المناطق الأخرى، وكلهم موجودون في العزاء الذي تعيشه المحافظة هذه الفترة، وهناك تآخٍ وتآلف بين الطرفين، وما يحز في النفس أن هذه المثالية في التعايش قد جرحت، ولكن ما يبعث على الطمأنينة أن من قام بالحادثة جميعهم من خارج الأحساء».

ويؤكد الغدير على أن أبناء لا يوجد بينهم فرز مذهبي، وكل أهل المحافظة بينهم الاحترام متبادل، والكل يشارك في المناسبات الاجتماعية، فالأحسائيون - نسبة إلى محافظة الأحساء - لا يعرفون مسألة إلغاء الهوية للآخر، فهناك احترام للخصوصية والهوية.

* الرمضان: رمز التجانس

* بدوره، يقول مهدي الرمضان إن الأحساء تميزت بالتجانس والتعايش بين المذاهب الإسلامية، وما حدث في «الدالوة» عزز هذا التعايش وزاد من اللحمة الوطنية، وأثبت أن أبناء المحافظة بعيدون كل البعد عن التطرف الطائفي، وكان التلاحم في أوضح صورة في تشييع القتلى في الجريمة الإرهابية، وزيارة المسؤولين لأبناء القرية، وعلى رأسهم الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية، وأمير المنطقة الشرقية الأمير سعود بن نايف بن عبد العزيز، التي أعطت انطباعا ورسالة قوية بأن القيادة السعودية لا تفرق بين أبنائها، وأن الجميع متكاتفون مع قيادتهم، وكان هذا هو الرد الحاسم على المتطرفين والإرهابيين.