الطريق إلى «داعش»

«تزكية» من أحد المشايخ أو القيادات الأصولية مفتاح الوصول الآمن إلى قلب التنظيمات الإرهابية في سوريا

منذ تأسس «داعش» يدأ الاصوليون يتدفقون من مناطق مختلفة من العالم
TT

التجنيد يبدأ إلكترونيا، أسابيع طويلة يقضيها الشخص على مواقع التواصل الاجتماعي القريبة من «داعش» أو «جبهة النصرة» ثم السفر إلى تركيا، وتحديدا إلى أنطاكية، حيث معبر حدودي يسمح بالدخول إلى سوريا، ومساحات واسعة من الأسلاك الشائكة تسهّل المرور إلى الداخل السوري. ولا يختلف الوضع عما كان عليه في الشريط الحدودي بين باكستان وأفغانستان، حيث معبر طورخم الحدودي الذي عبر منه الآلاف من الأفغان العرب في طريقهم إلى الداخل الأفغاني في سنوات الحرب ضد الروس، وفيما بعد اتخاذ «القاعدة» ملاذا آمنا في كابل وقندهار حتى هجمات سبتمبر (أيلول) 2001. بالإضافة إلى وجود 600 كيلومتر من الحدود بين البلدين، لا تحظى بأي رقيب أو جندي حراسة، وبعد العبور من طورخم هناك مقبرة شهيرة للأفغان العرب، ما زالت موجودة حتى اليوم، شاهدة على الذين قتلوا هناك في سنوات القتال ضد الروس، يتخذها الأفغان اليوم للتبرك بالزيارة.

ويبدو أن التجارب المتكررة في أفغانستان مرورا بالعراق ووصولا إلى سوريا للجماعات الأصولية أكسبتها تنوعا ملحوظا في أدوات التحقق من أجندة من يريد الانخراط للقتال في صفوفهم بساحات سوريا المشتعلة بالتطرف، منذ نحو 3 أعوام، إذ يشترط «داعش» على من يريد الالتحاق بصفوفه من المهاجرين الجدد وجود تزكية من رجال دين معتمدين لديها في السعودية أو الأردن أو تونس أو مصر أو بريطانيا، لإقفال الطريق أمام الجواسيس. ويظهر أن لـ«داعش» رجال دين معتمدين في عدد من الدول العربية، أو ممن سبقت له المشاركة في معارك تنظيم القاعدة، وما يتبعه من تنظيمات ضد السوفيات في أفغانستان، أو الأميركيين في العراق، ليوقعوا على تزكيات الراغبين في الانضمام إلى تنظيمهم المتطرف في سوريا، على رغم محاربة الأنظمة العربية لمنهجهم المتطرف في القتل والتكفير. أحد قادة التيار الأصولي في بريطانيا أكد لـ«الشرق الأوسط» أن البريطانيين الذين التحقوا بـ«داعش» هم الذين يقدمون التزكيات للمهاجرين الجدد إلى تلك التنظيمات، بسبب عدم وجود مشايخ محليين مرتبطين بتلك التنظيمات، إضافة إلى أن أغلب الذين سافروا كانوا يبتعدون عن المساجد قبل السفر خوفا من الأمن والإبلاغ عنهم. وقد يكون «الجهل.. الفقر.. البطالة»، تدفع الكثير من الشباب إلى التفكير في الهجرة، وربما تدفعهم الأقدار إلى الارتماء في أحضان الجماعات المتطرفة التي تستغل الوازع الديني لديهم لترسم في مستقبلهم صورا مظلمة، وتاريخا قد لا يستطيع أكثرهم أن يواجه به أحفاده في المستقبل.

من جهته، يقول الإسلامي المصري ياسر السري (أبو عمار المصري) مدير «المرصد الإسلامي» بلندن، وهو هيئة حقوقية تهتم بأخبار الأصوليين حول العالم لـ«الشرق الأوسط»، إن السبب الحقيقي في سفر كثير من الشباب الأوروبي هو التهميش الذي يتعرض له المسلمون في الغرب، وهو الدافع الأساسي لذهابهم إلى هناك، مشيرا إلى أن الشباب الذي ذهب من قبل والتحق بالتنظيمات سواء «النصرة» أو «داعش» هو نفسه اليوم الذي يقدم تزكيات لوافدين جدد لتلك المنظمات. وأوضح أيضا أن «السبب العقدي (أي بدافع الدين والعقيدة) يدفع الشباب للذهاب إلى هناك لنصرة أهلهم في الدين». وتحدث أيضا عن الدعاية الناجحة التي يقدمها الأسرى من الغربيين لدى «داعش»، من خلال أشرطة الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تتحدث عما يحققه الإسلاميون من نجاحات على الأرض.

في غضون ذلك، يقول أحد الذين ذهبوا إلى الداخل السوري عدة مرات لـ«الشرق الأوسط»: «التزكية من علماء التيار الأصولي لا تعني أنها مكتوبة، بل ربما حديث هاتفي من أحد الدعاة أو السلفيين أو أحد قادة التيار الأصولي المشهود لهم بحسن الظن، إلى أحد مسؤولي (داعش) بـ(الأمان) للشخص المنتظر وصوله، والتزكية أشبه بضمانة للمشاركة في قلب التنظيمات الأصولية، سواء (النصرة) أو (داعش) دون إضاعة الوقت في التدقيقات الأمنية».

وتكون التزكية، حسبما تنشره مواقع ومنتديات جهادية أصولية شرطا أساسيا لتجنب الشاب الراغب في الالتحاق بصفوف «داعش» الامتحان الذي تتراوح مدته بين 3 أشهر وعام كامل، إذ يوضح أحد منسقي «داعش» في صفحة جهادية على الإنترنت، أن التزكية تكون برسالة خطية من المزكي، أو بتنسيق هاتفي، بحسب الأوضاع الأمنية في كل بلد، بيد أنه شرح آلية الاختبار؛ بأنها من طريق الزجّ المباشر بالمتطوع في الصفوف الأمامية بساحات القتال المشتعلة، أو تنفيذ عملية انتحارية، ليقيس المنسق مدى ولاء الشاب القادم من خارج سوريا، الذي يطلقون عليه «المهاجر»، في ساحات القتال.

ويقول «و.أ»، أحد الإخوة العرب، عاش في أنطاكية، وتنقل إلى الداخل السوري عدة مرات، لـ«الشرق الأوسط»: «هناك فنادق صغيرة في أنطاكية لاستضافة القادمين الجدد، ويمكن العبور إلى الداخل السوري، عبر المنفذ الحدودي، رسميا، أو عبر الأسلاك الشائكة، وهناك مساحات معينة معروفة لأهل أنطاكية على الحدود تسمح بالمرور عبر الأسلاك الشائكة دون رقيب، والسلطات التركية، لا تمانع في دخول العرب إلى سوريا، ولكنها تعتقل على الفور أي شخص من (داعش)، بناء على معلومات أمنية مسبقة».

ويضيف: «هيئة القادمين الجدد تدل عليهم»، موضحا في حديثه الهاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «لقد نصحت مواطنا مصريا منذ عدة شهور كان يسير في حواري أنطاكية، ولحيته طولها أكثر من قبضتين، وزوجته تجري خلفه بالنقاب، أن يغير قليلا من هيئته، حتى ييسر الله أمره».

وأكد «و.أ» أن الذاهبين إلى «داعش» وإخوته، مثل «جبهة النصرة» أو التنظيمات الأخرى العاملة في الداخل السوري، لا بد أن يكون لديهم تزكيات من أحد المشايخ أو قادة التيارات الأصولية المعروفين في الدول العربية، ومن الأفضل أن يكون لديه أكثر من تزكية، حتى يثق فيه عناصر «داعش» أو «النصرة» ويضيف: «التزكية» هي المفتاح لمرور آمن إلى قلب تلك التنظيمات. وبسؤاله عبر الهاتف في مقره بمدينة أنطاكية، عن نوع التزكية؛ مكتوبة أم شفاهية، فقال إنها على الأغلب تكون شفاهية، عبر الهاتف، لدى قيادات «النصرة» أو «داعش»، قبل وصول الأخ المهاجر.

ويشير «و.أ» إلى أن هناك تقديرا مبالغا فيه في أعداد المقاتلين الأجانب في صفوف «داعش»، ولكنه لا ينفي أن التونسيين يتصدرون أعداد العرب الموجودين في التنظيمات المتطرفة في الداخل السوري، وعودة إلى «التزكية»، يقول إن جماعة «الشريعة من أجل بلجيكا» كانت المصدر الرئيسي في تزكيات الذاهبين إلى داخل سوريا من الجانب البلجيكي.

ويقول أحد الذين انتقلوا إلى صفوف تلك التنظيمات، عبر مصدر أصولي وسيط في أوروبا لـ«الشرق الأوسط» عن خطوات السفر إلى التنظيم المتطرف: «أولا: التوكل على الله والاستخارة؛ الكتمان العام بأن لا تخبر أحدا (الزوجة والأصحاب والأبوين) ولا مانع من إخبارهم بعد الوصول والانتهاء من معسكر التدريب، ثم الاهتمام بالأمن عند السفر، ومحاولة تجنب السفر المباشر، بل محاولة الذهاب عن طريق عدة دول»، وأكد أن السفر المفرد أفضل وأنجع وآمن.

ويضيف المصدر الأصولي: «ملابسك وهيئتك يجب أن تبتعد عن تدينك. التزم الصمت، ولا تكثر من الكلام».

وقال: «خذ معك مبلغا يكفيك، وضع في بالك مطبات الطريق والتكاليف التي لم تحسب لها حسابا». وأوضح: «طبعا ملابسك وهيأتك يجب أن تبتعد عن تدينك ولا تنسَ تبديل صورة الجواز في حال تناقض الشكل الأصلي، ولا مانع أن تأخذ معك سجائر، لا تتقرب ولا تتحدث إلى الدليل إلا في الحاجة، ولا تعطه جوازك وما يثبت هويتك إلا عند الاضطرار».

وعن تعليمات «داعش» للوصول الآمن إلى مراكزها في الداخل السوري قال المصدر: «التزم الصمت ولا تكثر من الكلام ولا داعي أن يعرف أحد أي شيء عنك سوى إنك مهاجر من الشام أو المغرب الإسلامي أو مصر أو الغرب، وهكذا دون إعطاء معلومات وتفاصيل دقيقة عنك، وحاول أن تتكلم بالفصحى عند مقابلتك للمسؤول عن استقبال المهاجرين، عندها تستطيع إجابته عن استفساراته وإعطائه المعلومات التي يحتاج دون خوف».

ويضيف المصدر: «يجب أن تكون عندك خطة محكمة وسبب معقول لزيارتك للبلاد التي ستمر وتسافر إليها، وأجوبة جاهزة للرد على أسئلته، واستفسارات مكتب الجوازات والجمارك، ويُفضل إن كنت قادما للسياحة مثلا أن تحجز لك فندقا أو رحلة سياحية مرتبة من مكتب للسفريات ولا تنسَ الأوراق التي تثبت ذلك».

وتحدث المصدر عن النقطة الأهم في رحلة السفر إلى «داعش» وإخوته من التنظيمات الإرهابية. وهي «التزكية»، مشيرا إلى أن كل الجبهات تحتاج إلى تزكية، وهي أن يكون لديك شخص أو شيخ معروف للإخوة ليزكيك، ويُفضل أن تجهز عددا من التزكيات.

في حال لم يكن لديك تزكية، فيجب عليك أن تصبر على اختبارات الإخوة الأمنية؛ فبعض الجبهات ترفض قبول المهاجرين دون تزكية، والبعض يوافق، بشرط اجتياز الاختبارات الصعبة. وبعد الالتحاق بالإخوة، حاول أن تحتفظ ببعض المال، فقد تحتاج مستقبلا للزواج أو لأي لوازم خاصة.

وكذلك الصبر على الإخوة وأخطائهم، والصبر على مصاعب الجهاد، ولا تكن كثير الشكوى والتذمر، والزم الأذكار، وقراءة القرآن والصلاة.

ورغم الأدبيات التي يدافع عنها كثير من الإسلاميين في بريطانيا، في فضل الذهاب إلى سوريا، باعتبار الشام أرض الملاحم المقدسة، يقول الإسلامي المصري الدكتور هاني السباعي مدير مركز المقريزي للدراسات بلندن لـ«الشرق الأوسط» إن السبب الأول في ذهاب الشباب المسلم إلى سوريا «عقدي»، وفي الأثر: «إذا فتحت عليكم مصر فتحت عليكم الشام». ويضيف: «الشام في آخر الزمن هي المأمن بعد الله عز وجل للمسلم في الفتن». وإغراءات كثيرة أو «غسيل مخ» يضمنها التنظيم لشبابه المهاجرين أو المقاتلين الأجانب الجدد، أهمها الجلوس مع النبي (صلى الله عليه وسلم) في الجنة، والزواج بـ«الحور العين»، وهذا في الآخرة، أما في الدنيا، فيضمن «داعش» لأعضائه المسكن والمأكل والملبس والزوجة لكل عضو منضم إلى جماعتها من خلال التنظيم الإرهابي، من استغلال آبار النفط وإتاوات الفدية.

وذ أن س «داش»، دأ الأصوليون دون من طق من ن ام، هدف ام إيه، د ان ن ل اف ادو واهته، ث م هد ا اهاد ن ل وود ظم هادي م ن ددي ات بهذا ال، و «ادة»، اتي نت تمثل ار اهاد ن ل، و د ارت ار ا وهها اف ادو د «داش»، م وف دق ان إ اظم، ث أرت درات ددة إ ور رب ن أف ل شهر إ ادود اور ن أل ال إ ب اظم. ووع اون اذن ون في وف «داش»، ن ن وا ون إ ظت رة دود، ل «ادة د ارب ا»، م اوا هان أل اق ـ«داش»، أو ر ن ات ا اهاد، أو ن ن ظت . وم «داش» دده اري وادي، اذي ول إ در أنه أ ل اد ن ل ظري ار اهادي، و رأهم أو د اد، اذي وف ر اظم نه «دد اطرف واف»، وهو دو أنه ور ر ظم م ر ن ارات الأصولية ارى ال ددا، أن ك ارة ، ن ا ار، ق رات ار طر، ا ر، رؤها، أر إنا».