«الشهيد» في معرض جديد لأحمد نوار بالقاهرة

حول لوحاته إلى ساحة معركة واستفاد من خبرته بوصفه vقناصا محترفاc

مجموعة جديدة من أحدث أعماله الفنية تحت عنوان «الشهيد» يدفع من خلالها بخلاصة خبراته السابقة في عالم التصوير والرسم والغرافيك
TT

ببريق معدني متوهج تستقبلك لوحات الفنان أحمد نوار في معرضه المقام حاليا بقاعة «أفق واحد»، بساحة متحف محمد محمود خليل وحرمه بالقاهرة، الذي يضم مجموعة جديدة من أحدث أعماله الفنية، تحت عنوان «الشهيد» يدفع من خلالها بخلاصة خبراته السابقة في عالم التصوير والرسم والغرافيك، وقناعاته بقيم مصرية استقرت في الوجدان العام إرثا وطنيا أصيلا، ليجسد في ظلالها المنزلة الرفيعة للشهيد الذي يضحي بروحه فداء لوطنه.

يلعب نوار على أوتار التجريد مفسحا لأعماله رحابة في الزمان والمكان، وحيوية فنية تتجلي في الانسجام الشديد بين اللون والخط والنغمة والتكوين والإيقاع، بحيث يصبح لكل منها معانٍ رمزية وفكرية مفتوحة على صورة الشهيد، وما يماثلها في غبار اللحظة الراهنة.

افتتح المعرض مساء أول من أمس (الأربعاء) الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة، يرافقه الدكتور أحمد عبد الغني رئيس قطاع الفنون التشكيلية، بحضور لفيف من الشخصيات العامة والرسمية ونجوم الحركة الثقافية والفنية والأدبية في مصر. ويستمر المعرض حتى 5 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

وعن المعرض قال الفنان د. أحمد عبد الغني: «إن قطاع الفنون التشكيلية يشرُف بإقامة المعرض الثالث للفنان الكبير دكتور أحمد نوار بقاعة (أفق واحد)، التي يُنسب له الفضل في تأسيسها إبان رئاسته للقطاع، فهو من عيون حركة الفن النشطة في مصر منذ ستينات القرن الماضي وحتى الآن، فنان متميز ومحرك إبداعي متفرد يُدير مؤسسات أكاديمية وأخرى ثقافية بكفاءة وقدرات استثنائية تدعو للإعجاب، منذ أسس كلية الفنون الجميلة بالمنيا والمتحف الملحق بها، الأول من نوعه في صعيد مصر، وأدار المركز القومي للفنون التشكيلية، وحوّله في عهده إلى قطاع، كما أعاد تنظيم مجموعة متحف الفن المصري الحديث، ومشاريع أخرى تحفل سيرته الذاتية بها».

وفي لوحات المعرض، ينقل نوار تجربة الحرب التي عايشها عن قرب قناصا مقتدرا، إلى اللوحة، عبر إدراك حسي شفيف، وبحيوية عين القناص يلتقط زوايا المنظور وينوعها فوق السطح، حتى إن شكل الصورة يبدو مشرَّبا بالكثير من روائح الحرب وآلتها الجهنمية التي لا تشبع من حصد أرواح الشهداء، كما تتحول كثير من اللوحات إلى ما يشبه ساحة معركة. وهو ما يعني أن ذاكرة الفنان لا تزال حية، وأن رحم الصورة لم ينفد، وهو رحم مثقل بهموم الوطن على كل الأصعدة.

يؤكد هذا المعنى الدكتور عبد الغني، لافتا إلى أن أعمال نوار تتحدث عن نفسها وتؤكد تفرد تجربته وتحولاتها الرائعة التي تمس القضايا السياسية والاجتماعية التي يعيشها الوطن في كل مراحل تحولاته، فمعارضه نوعية بالغة التميز تقدم دوما رؤى ومضامين تتخطى القيمة الجمالية والتقنية المتفردة التي تتميز بها أعماله الحداثية إلى البحث في المعنى والدلالة لتحرك جدليات التفكير لاستنباط القصد الترميزي لتسمح بالتأويل والاستدلال، باختزالية تجمع بين المكون المجرد والعضوي بتلاحم يصنع تفردا في الطرح والتناول».

وتتمتع لوحات المعرض بملمس صرحي، يتدفق في إيقاعات متعددة، من اللون والخط والضوء، تتفاعل فوق السطح، في مستويات مسطحة متوازية، تبرز سطح الصورة، وتربطه بالخلفية المنسابة في مساحات لونية سلسة وصريحة، كما تربطه بالضوء النابع من نسيج التكوين نفسه في اللوحات.

وتكشف لوحات المعرض عن خبرة نوار العميقة بالواقع والفن معا، فكلا الاثنين يتلاقح في عجينة قوية وراسخة، يتواءم فيها البعد المادي والروحاني للحياة، ويشكلان الهاجس الداخلي الأول للرسم.. وكما يشير الفنان إيهاب اللبان مدير قاعة «أفق»، فإن مشوار نوار الفني منذ سنوات إبداعه الأولى وحتى الآن يعكس قدرات فنية ونقدية متفردة تخلق وعيا ثقافيا وجماليا شديد الخصوصية، حيث يتحرك منهجه الإبداعي من خلال 3 محاور رئيسية: محور التجريب، محور التراث والمعاصرة، ومحور ثالث ارتبط خلاله بقضايا عصره وهموم وطنه، التي تظهر ملامحها بقوة في أعماله الفنية على مدار تاريخه.

ولفت اللبان إلى أن انفتاح نوار على الغرب واحتكاكه المباشر بالمحافل الدولية متعددة الثقافات، أسهم في إنضاج وبلورة تجربته الجمالية، وترسيخ ملامحها الخاصة، فكان مشواره الطويل نتاجا منطقيا لهويته الثقافية والعقائدية.

ويذكر الناقد الفني محمد كمال في ختام دراسته النقدية المطولة حول تجربة المعرض أن «تصاوير نوار مرتبطة بطاقة النفس وعزيمة البدن، بدءا من أنين التراب، مرورا بزفير النار، وميلاد النور، والبرد والسلام، ونهاية بموسيقى عرس الشهيد المحتشد بتجليات الفرحة والبهجة على أنغام العقل والروح معا».