غلاء عقارات لندن يدفع المستثمرين والسكان إلى مدن مجاورة

وحدات من 4 غرف بثمن غرفة صغيرة في العاصمة

TT

ربما ذاعت الأخبار أن مدينة الضباب التي جذبت المستثمرين العقاريين من كل بقاع العالم، بدأت في فقدان المسار الصاعد للأسعار، أو الارتفاع الصاروخي كما سماه البعض، ليهدأ الارتفاع المستمر لشهرين متتاليين، ولكنها أيضا ليست علامة لفقدان أي من عقارات وسط المدينة لزخمها، فهي لا تشهد خسائر، ولا يقل الطلب على عقارات جديدة.

فقد شهدت المبيعات، موجة ارتفاع قياسية مدار السنوات القليلة الماضية، في ظل توافد عدد كبير من أثرياء الشرق الأوسط، خصوصا من البلدان التي لا تزال «غير مستقرة» كسوريا واليمن وغيرها من الدول.

وضغطت أيضا عمليات الهجرة الكبيرة داخل منطقة اليورو على العقارات؛ حيث توافد عشرات الآلاف من البلغار والروس والبولنديين والأوكرانيين إلى لندن التي تعد مركزا كبيرا للوظائف، حتى إن كانت غير متخصصة، ولكن عوائدها أعلى من بلدانهم، كما هو الحال في مدن كبيرة أخرى في بريطانيا.

وأدت هذه العوامل لارتفاع العقار بشكل عام، وفي لندن بشكل خاص، بحسب آراء عدد من العقاريين وأصحاب مكاتب عقارية في لندن؛ حيث أصبح شبه مستحيل لأصحاب الدخل المتوسط شراء عقارات بيت الأحلام في لندن، ولا حتى شقة صغيرة، لصعوبة الاقتراض، وقلة المعروض.

لذا كانت أبرز الحلول على الطاولة هي التمدد في البحث، فالكثير من الخليجيين والجنسيات الأخرى المهاجرة بدأوا البحث عن عقارات في مناطق قريبة من لندن وفي الوقت ذاته بأسعار مقبولة.

ورأى البعض أن منطقة مثل شمال ضواحي لندن الكبيرة، مثل مدينة بيدفورد، أصبحت ملاذا لأصحاب الدخل المتوسط، خصوصا أن تتوفر وسائل المواصلات التي تقلهم إلى وسط لندن، أو وجهات أخرى بسهولة تامة، وسجلت تلك المناطق مبيعات قوية بشراء عقارات من منازل وشقق؛ حيث تبدأ الأسعار من 100 ألف دولار إلى 300 ألف دولار، وهي أسعار مناسبة للكثير من الشرائح التي تبحث عن عيش مريح، فأسعار العقار وسط لندن أصبحت مبالغا فيها قياسا بأسعار العواصم الأوروبية الأخرى.

وأوضحت نتائج مبيعات العقارات الشهرية في بريطانيا أن وسط العاصمة البريطانية لندن لا يحتوي على أي عقار يقل عن نصف مليون دولار، وتصل أسعار شقة مكونة من غرفة وصالة في مناطق مثل ماي فير ونايتس بريدج إلى أكثر من 5 ملايين دولار.

وببقاء لندن، ووسطها خصيصا، الأكثر تفضيلا لدى الكثير من بقاع العالم الغنية، وكثير منها خليجية، باتوا يشترون في وسط لندن، خصوصا في ظل الزحام والتوافد الكبير من قبل الأسر الثرية من كل بقاع العالم، ليتوقع البعض أن لندن ستكون بعد فترة بسيطة للأثرياء فقط، في ظل تصاعد أسعار العقارات خصوصا في مناطق الوسط.

كما أن أسعار العقارات في المدن الساحلية مثل برايتون وبورسميث وبليموث وغيرها من المناطق السياحية الآسرة مناسبة جدا، وتبدأ من 200 ألف دولار، في حين أن بعض الخليجيين الذين يبحثون عن عقارات أرخص قيمة، يتوجهون ناحية مدن مثل مانشستر وليفربول وغيرهما.

وبهذا الارتفاع، فإن متوسط أسعار المنازل في العاصمة لندن يكون قد ارتفع بنسبة 17 في المائة، مقارنة بما كان عليه في الوقت نفسه من العام الماضي، ليصل إلى مستوى 435 ألف جنيه إسترليني (730 ألف دولار).

وبهذه الأسعار المرتفعة أصبحت أسعار المنازل في لندن خارجة عن متناول يد غالبية سكان المدينة العاديين، حيث إن عملية التمويل المصرفي لأي منزل تحتاج لدفعة أولى متوسطها 87 ألف جنيه إسترليني، على أن موافقة أي بنك على التمويل تحتاج إلى دخل مالي لا يقل عن 100 ألف جنيه سنويا، وهو ما يعني أن الغالبية الساحقة من سكان لندن أصبحوا غير قادرين على شراء مساكن لهم.

ونقلت جريدة «التايمز» البريطانية عن المديرة التنفيذية لحملة «لندن أولا»، البارونة فالانتاين، قولها إن «الأرقام تؤكد أننا أصبحنا بحاجة ماسة لحل مشكلة الإسكان والتعامل مع الارتفاع المفرط في الأسعار».

وأضافت: «لندن تعاني من ضعف في المعروض من العقارات، ونحتاج لبناء نحو 50 ألف منزل جديد في العاصمة سنويا، ونحن حاليا نقوم ببناء نصف ذلك».

ولفتت مصرف «نيشن وايد» في تقريره إلى ارتفاع أسعار المنازل في بريطانيا بنسبة 11 في المائة في أغسطس (آب) مقارنة بالعام الماضي، وأوضح روبرت غاردنر، كبير الاقتصاديين بـ«نيشن وايد»، أن التوقعات «غير مؤكدة بدرجة كبيرة».

وبينما تزايدت احتمالات ارتفاع أسعار الفائدة، ومع احتمالية تراجع الطلب في ظل النمو الضعيف لمعدل الأجور، قال غاردنر «من المحتمل أن تؤدي التوقعات الاقتصادية المتفائلة إلى تقديم دعم متواصل».

وأشارت «هوم تراك» إلى انخفاض عدد المشترين الجدد ممن يجرى تسجيلهم لدى وكلاء العقارات بنسبة 0.9 في المائة هذا الشهر في كل من إنجلترا وويلز. وقد ارتفع عدد العقارات المعروضة للبيع بنسبة 0.1 في المائة عقب تحقيق مكاسب بنسبة 1.6 في الشهر الماضي.

وقال دونيل «المؤشرات تشير إلى فقدان الزخم»، مضيفا: «نحن نتوقع التحول المستمر إلى سوق البائع في مواجهة طلب أقل يتأثر بالأسعار».

وفي تقرير منفصل، أشارت «جي إف كي نوب» (G f K NOP Ltd) إلى ارتفاع مؤشر ثقة المستهلك بمعدل 3 نقاط إلى نقطة واحدة هذا الشهر، بما يتماشى مع قراءة شهر يونيو (حزيران)، التي كانت القراءة الأعلى منذ مارس (آذار) 2005. وقد ارتفع أيضا معدل توقعات البريطانيين بالنسبة لأوضاعهم المالية الشخصية خلال العام المقبل، وكذلك تقييمهم لآفاق تحسن الاقتصاد.

وقال نيك مون، المدير التنفيذي للبحوث الاجتماعية في «جي إف كيه»: «يبدو الأمر كما لو أننا في مرحلة جديدة من الاستقرار النسبي»، مضيفا: «ليس هناك ما يضمن إلى متى سيستمر هذا الوضع المستقر، ومن الممكن أن تؤدي موجة من الأخبار الاقتصادية الجيدة أو السيئة إلى تسجيل ارتفاع أو انخفاض ملحوظ، ولكن يمكن أن يبقى الوضع على ما هو عليه لبعض الوقت».