سياسيون يبرزون رسائل الملك محمد السادس الجريئة للأمم المتحدة وواشنطن بشأن نزاع الصحراء

وصفوا خطابه بأنه حاسم و«جاء في وقته»

العاهل المغربي الملك محمد السادس
TT

وصف محللون وسياسيون الخطاب الذي ألقاه العاهل المغربي الملك محمد السادس، في الذكرى الـ39 للمسيرة الخضراء، بأنه خطاب ثوري تميز بجرأة كبيرة في طرحه لقضية الصحراء، والرسائل المباشرة التي وجهها للأمم المتحدة والدول الكبرى خاصة الولايات المتحدة، إذ طالبتها بموقف واضح من النزاع بعد أن ظهرت خلال السنوات الأخيرة مؤشرات على رغبة بعض الأطراف في تغيير مسار الحل التفاوضي وتهميش مبادرة الحكم الذاتي.

وفي هذا السياق، قال محمد عامر، القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض والوزير السابق، لـ«الشرق الأوسط»، إن الخطاب الملكي بوضوحه ولغته الحاسمة جاء في وقته، لأن ملف الصحراء بدأ يدخل في دهاليز على حساب مصالح المغرب، ولهذه الأسباب وجه العاهل المغربي رسائل متعددة وواضحة للمنتظم الدولي، مفادها أن المغرب لا يمكن أن يقدم تنازلات أكثر مما قدم حتى الآن. وأضاف أن المنتظم الدولي يريد حلا سياسيا لقضية الصحراء، وأن هناك إجماعا لأعضاء مجلس الأمن بشأن الحل السياسي الذي يقتضي تقديم تنازلات من قبل الطرفين.

وقال عامر إن الملك محمد السادس وجه رسائل إلى المنتظم الدولي، وهي أنه إذا كان مبعوث الأمين العام كريستوفر روس يفكر في حلول أخرى، فإن المغرب لن يقبل بحل آخر خارج الحكم الذاتي، الذي أقر المنتظم الدولي نفسه على أنه مبادرة واقعية وذات مصداقية. وأوضح في هذا السياق أن العاهل المغربي وجه رسالة جريئة أيضا للولايات المتحدة، مشيرا إلى أن «المغرب عندما قبل بالحل السياسي لنزاع الصحراء كانت أميركا هي التي طلبت منه تقديم مبادرة الحكم الذاتي، وقد عدتها آنذاك مبادرة جدية ويمكن أن تشكل أساسا للتفاوض». لكن لا يعقل، يضيف عامر «بعد هذه السنوات أن تأتي أميركا للمطالبة بتوسيع مهمة (مينورسو) لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء قبل أن تتراجع عن ذلك». وأوضح أن الغرض من هذا المطلب كان تهميش مبادرة الحكم الذاتي ليتحول الحديث عن قضية أخرى هي حقوق الإنسان، علما بأن المغرب أنجز إصلاحات كبيرة في هذا المجال مقارنة مع البلدان المجاورة، مضيفا أنه «على أميركا أن تتحمل مسؤوليتها لأن المغرب يمكنه أن ينسحب من هذه المفاوضات، ولن يسمح لموظفي الأمم المتحدة بأن يدخلوه في نفق لا أحد يستطيع التكهن بنهايته». وأضاف عامر أن الملك وجه أيضا رسائل إلى المغاربة لكي يستعدوا لمواجهة كل الاحتمالات.

ويبدو أن خطاب الملك محمد السادس، كما يقول مصدر مطلع لـ«الشرق الأوسط»، جاء كرد فعل على ضغوطات كثيرة تعرضت لها الرباط في الآونة الأخيرة، خاصة من واشنطن، مفادها أنه على المغرب إفساح المجال لمبعوث الأمين العام إلى الصحراء كريستوفر روس، ليمضي قدما في تنفيذ أجندته المتعلقة بحل النزاع خارج إطار الحكم الذاتي، وهو ما رفضته الرباط لأن إفساح المجال لروس معناه أنها هي من يعرقل مسار التسوية، بينما الأمور بالنسبة لها واضحة وضوح الشمس، محملة الجزائر مسؤولية حل النزاع الذي طال أمده. ونظرت الرباط دائما بتوجس إلى مهام الدبلوماسي الأميركي روس الذي سبق له أن شغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى الجزائر، وهذا المعطى وحده كفيل بزيادة وتيرة التوجس المغربي.

وفي هذا السياق، قال عبد الفتاح البلعمشي، رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية، لـ«الشرق الأوسط»، إن الملك محمد السادس وجه رسائل مباشرة، من دون استعمال لغة دبلوماسية، وبأفكار واضحة تعبر عن قلق المغرب تجاه التدبير الأممي لنزاع الصحراء وغياب الفهم الحقيقي لهذا النزاع من قبل المنتظم الدولي، بالإضافة إلى الدور الحقيقي الذي تلعبه الجزائر في هذه القضية. وأضاف أن الملك محمد السادس انتقد أيضا في خطابه منطق الندية الذي تتعامل به الأمم المتحدة مع النزاع، والنظر إليه على أنه نزاع بين دولتين عضوين داخل هيئة الأمم المتحدة، في حين «نحن أمام نزاع ذي طبيعة خاصة بين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وبين حركة انفصالية».

وأوضح البلعمشي أن خطاب الملك محمد السادس أعاد قراءة قضية الصحراء قراءة جديدة، وأراد من خلاله القول بأن «السيل بلغ الزبى، وأن صبر بلاده بدأ ينفد، وهذا ما عبر عنه عندما قال إن المغرب عندما ينضبط للقرارات الأممية، فهو يعبر عن حسن نية ولا ينبغي أن يفهم موقفه على أنه تراجع عن حقه الشرعي والتاريخي». ولفت البلعمشي إلى أن الملك محمد السادس طرح قضية الصحراء في خطابه في بعدها الإقليمي الشامل، والمرتبط بالإكراهات الأمنية في منطقة الساحل والصحراء، مذكرا بأن المغرب «لن يقبل أنصاف الحلول، وأننا أمام سنة حاسمة لهذا الملف». وقال البلعمشي إن الملك وجه أيضا رسائل داخلية لبعض الأطراف التي تستغل الوضع في الصحراء لتحقيق مكاسب سياسية وتكريس الريع في المنطقة.