تعيين مهندس الاستراتيجية الأميركية تجاه «داعش» وإيران نائبا لوزير الخارجية

أوباما اختار بلينكين خلفا لبيرنز.. وكلف لينش لتصبح أول امرأة سوداء تتولى حقيبة العدل

أوباما يستمع إلى لينش التي اختارها لتخلف هولدر (يسار) على رأس وزارة العدل في البيت الأبيض أمس (أ.ب).. وفي الإطار أنتوني بلينكين (رويترز)
TT

عين الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مساء أول من أمس، أنتوني بلينكين الذي يشغل منصب نائب مستشارة الأمن القومي ويوصف بكونه أحد مهندسي الاستراتيجية الأميركية تجاه تنظيم «داعش» وإيران، في منصب نائب لوزير الخارجية، كما اختار المدعية العامة في نيويورك، لوريتا لينش، لحقيبة العدل، لتصبح بذلك أول امرأة سوداء في تاريخ الولايات المتحدة تتبوأ هذا المنصب. وجاء هذان التعيينان بعد اجتماع أوباما مع قادة الكونغرس، أول من أمس، إثر الهزيمة القاسية التي مني الديمقراطيون بها في انتخابات التجديد النصفي الأسبوع الماضي.

وقالت الرئاسة الأميركية في بيان، إن «أوباما اختار أنتوني بلينكين ليتولى منصب المسؤول الثاني في الخارجية خلفا لويليام بيرنز، الدبلوماسي المخضرم الذي تقاعد. ولا يزال تعيين بلينكين بحاجة إلى مصادقة مجلس الشيوخ، شأنه في ذلك شأن سائر المناصب الرفيعة في الإدارة». ونقل بيان البيت الأبيض عن أوباما قوله إن بلينكين هو «بالتحديد نوع الشخص الذي نريد رؤيته يمثل الولايات المتحدة في الخارج».

بدورها أشادت مستشارة الأمن القومي، سوزان رايس، بمساعدها السابق الذي عرف كيف «يصوغ توافقا في الآراء حول مجموعة واسعة من الملفات الحساسة». وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن بلينكين هو أحد مهندسي الاستراتيجية الأميركية ضد تنظيم «داعش»، وكذلك المفاوضات مع إيران حول ملفها النووي.

وفاز بلينكين بمنصبه الجديد على حساب ويندي شيرمان، كبيرة المفاوضين الأميركيين في المفاوضات الجارية مع إيران، وبصفتها مديرة الإدارة السياسية في وزارة الخارجية، وبالتالي المسؤولة الثالثة في هرمية الوزارة، فقد عينت شيرمان الاثنين الماضي في منصب المساعد الأول للوزير كيري، ولكن بصفة مؤقتة؛ إذ إن لقبها هو «المساعدة المؤقتة لوزير الخارجية». وأفادت تقارير إعلامية متخصصة، أن معركة حامية دارت بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية لتعيين بلينكين، المحسوب على الرئاسة، في هذا المنصب على حساب شيرمان التي حصلت على دعم واضح من وزارتها، وأشاد وزير الخارجية، جون كيري، بنائبه الجديد الذي «تسري الدبلوماسية في عروقه»، وبحسب وزارة الخارجية، فإن شيرمان ستتولى في آن واحد منصبي نائبة الوزير المؤقتة ومديرة الإدارة السياسية، أي المركزين الثاني والثالث في الوزارة، حتى يتسلم منها بلينكين مهام منصبه الجديد عام 2015.

وفي تعيين ثان، اختار أوباما، أمس، المدعية العامة في نيويورك، لوريتا لينش، لتصبح وزيرة للعدل خلفا لإريك هولدر (استقال من منصبه في سبتمبر/ أيلول الماضي). ووصف أوباما، أمس، لينش بأنها «صارمة ونزيهة»، وقال إنه يأمل في أن يوافق مجلس الشيوخ دون إبطاء على تعيينها، وكان هولدر قد عينه أوباما في المنصب عام 2008 وبات حينها هو الآخر أول رجل أسود يتولى وزارة العدل.

يذكر أن لينش (55 سنة) مجازة في الحقوق من جامعة هارفارد العريقة، وقد بدأت مسيرتها المهنية في مكتب للمحاماة في نيويورك قبل أن يتم تعيينها في مقاطعة شرق نيويورك، وبين عامي 2002 و2007 عملت مستشارة خاصة للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا، وكان وزير العدل السابق عينها في 2010 في لجنة مستشاريه، ثم أصبحت رئيسة لهذه اللجنة في 2013، كما تشغل مقعدا في لجنة التنوع في الوزارة نفسها.

وجاء تعيين بلينكين ولينش بعد اجتماع أوباما مع قادة الحزبين الرئيسين في الكونغرس وطلبه منهم التعاون بسرعة بشأن القضايا المحلة في الميزانية. وقال البيت الأبيض في بيان إن أوباما «حدد 3 أهداف حتى نهاية السنة، خلال لقائه مع هاري ريد ونانسي بيلوسي الزعيمين الديمقراطيين في مجلسي الشيوخ والنواب، ونظيريهما الجمهوريين ميتش ماكونل وجون باينر، وهذه الأهداف هي: التصويت على 6.18 مليار دولار من الاعتمادات العاجلة لمكافحة فيروس (إيبولا) في الخارج وداخل الولايات المتحدة. والتصويت على قانون مالي لإنهاء السنة المالية 2015 بعد ديسمبر (كانون الأول) المقبل، موعد انتهائها، حتى 30 سبتمبر (أيلول) 2015. أما الهدف الثالث فهو التصويت على 5.6 مليار دولار لتمويل العملية العسكرية ضد الجهاديين في العراق وسوريا». وكان أوباما أعلن، الأربعاء الماضي، أن بإمكان الحزبين التوصل إلى تفاهم على أمرين هما البنى التحتية ودعم الصادرات، كما دعا إلى إقرار إصلاح نظام الهجرة طبقا للنموذج الذي أقره مجلس الشيوخ العام الماضي، لكن الجمهوريين في مجلس النواب رفضوه.

وبشأن الهجرة، أكد أوباما عزمه على العمل بمرسوم حتى نهاية العام في غياب إصلاح لقوانين الهجرة وحلول لملايين المقيمين بطريقة غير مشروعة في البلاد. لكن باينر حذر خلال الغداء من أن مبادرة كهذه «ستقضي على كل فرصة لإصلاح الهجرة، وستجعل التعاون بين الكونغرس والبيت الأبيض في مجالات أخرى يمكن التفاهم بشأنها، أصعب». كما طلب باينر من أوباما أن يقدم بنفسه إلى الكونغرس نص السماح باللجوء إلى القوة ضد جهاديي تنظيم «داعش»، حسب الأصول.

وبعد صدمة انتخابات التجديد النصفي وإجرائه التعيينين الأخيرين، سيتوجه أوباما إلى آسيا، ويلتقي غدا الاثنين في بكين نظيره الصيني تشي جينبينغ على خلفية توتر حول عدد من القضايا، وذلك في إطار جولة آسيوية تشمل أيضا ميانمار وأستراليا. وسيسعى أوباما خلال جولته هاته إلى تبديد الانطباع بأن تسلسل الأزمات الدولية (مع تنظيم «داعش» والنزاع في شرق أوكرانيا وفيروس «إيبولا») أبعدته عن المنطقة.

فخلال انعقاد قمم منتدى آسيا ـ المحيط الهادي (أبيك) في بكين ورابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) في نايبيداو ومجموعة الـ20 في بريزبين بأستراليا، وإجراء لقاءات ثنائية وإلقاء خطاب مهم حول دور الولايات المتحدة في هذا الجزء من العالم، سيتعين على أوباما هذه المرة السعي إلى إقناع محاوريه بأن سياسة «إعادة التوازن» أو سياسة «محور آسيا» التي تشكل الركن الأساسي في سياسته الخارجية، ليست سوى صيغة.

ويتوقع إرنست باور من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن أن «تكون رحلة صعبة بالنسبة للرئيس» الأميركي، وقال: «عندما ترى بلدان جنوب شرقي آسيا قدومه ستتساءل: من هو باراك أوباما بعد هذه الانتخابات؟ وستسعى إلى رؤية إن كان يملك الإرادة، والرأسمال السياسي، لتنفيذ التزاماته».

وهذا الأسبوع سخرت صحيفة صينية رسمية بشأن الحصيلة الهزيلة و«الخطاب الفارغ» للرئيس الأميركي، وكتبت «غلوبال تايمز» المقربة من الحزب الشيوعي الصيني في مقالة افتتاحية: «أوباما يقول دوما نعم نستطيع، مثيرا تطلعات كبيرة لدى الشعب، لكنه أنجز عملا تافها ولم يقدم شيئا تقريبا لأنصاره».

وعلى هامش قمة «أبيك»، سيلتقي أوباما للمرة الأولى الرئيس الإندونيسي الجديد جوكو ويدودو قبل تكريس يوم ونصف لإجراء محادثات مع نظيره الصيني، ويؤكد البيت الأبيض أنها ستكون «محادثات صريحة ومعمقة»ـ لا سيما أن الملفات الشائكة كثيرةـ فالقرصنة المعلوماتية والخلافات على الأراضي بين الصين وجيرانها الآسيويين في بحر الصين الجنوبي ما زالت مصدر خلافات حادةـ وقد عبرت سوزان رايس عن «قلقها العميق إزاء مصير المدافعين عن حقوق الإنسان».

وأثناء زيارته الثانية إلى ميانمار التي خرجت في 2011 من نصف قرن من الحكم العسكري سيلتقي أوباما الرئيس ثين سين في نايبيداو ثم يجتمع مع زعيمة المعارضة أونغ سان سوتشي في رانغون، ومع اقتراب الانتخابات التشريعية المرتقبة في 2015 في هذا البلد دعت الأخيرة الولايات المتحدة (المتفائلة جدا) إلى إعادة النظر بشأن الإصلاحات الجارية.

والمفارقة هي أن نتيجة الانتخابات التشريعية الأميركية لمنتصف الولاية، قد تسهل مهمة الرئيس الأميركي حول موضوع أساسي يتعلق بالمفاوضات حول الشراكة عبر الهادى، أي اتفاقية حرية التبادل التي قد تضم 12 بلدا بينها الولايات المتحدة واليابان، لكن من دون الصين. وأكدت سوزان رايس أنها «أولوية مطلقة للولايات المتحدة»، مشددة في الوقت نفسه على وجوب عدم توقع أي إعلان عن اتفاقية أثناء هذه الجولة.