أوباما يبحث مع الرئيس الصيني «ملفات حساسة».. ولم يبد دفئا عند لقائه بوتين

بعد حضوره «قمة آبيك» ببكين.. الرئيس الأميركي ينتقل إلى ميانمار للمشاركة في مؤتمر «آسيان»

بوتين يتوسط أوباما وتشي خلال «قمة آبيك» ببكين أمس (أ.ب)
TT

يعقد الرئيسان الأميركي باراك أوباما والصيني تشي جينبينغ اليوم في بكين جلسة محادثات رسمية تطغى عليها ملفات سياسية مثل التجسس الإلكتروني والنزاعات البحرية في المنطقة وأخرى اقتصادية. وتأتي هذه المحادثات في إطار زيارة رسمية يؤديها أوباما إلى بكين على هامش مشاركته في قمة «منتدى التعاون لدول آسيا والمحيط الهادي (آبيك) المنعقدة في العاصمة الصينية.

وعشية المحادثات، حضر أوباما عشاء أقامه على شرفه جينبينغ مساء أمس في مقر إقامته بالقرب من القصر الإمبراطوري المعروف أيضا باسم «المدينة المحرمة» والذي يعد أحد المعالم التاريخية في بكين. وقال أوباما في تصريحات خلال العشاء إنه يعتزم «إدخال العلاقات بين البلدين إلى مستوى جديد»، مضيفا أن «العالم بأسره سيستفيد إذا تعاونت الولايات المتحدة مع الصين». أما جينبينغ فقال بعد ترحيبه بضيفه إن التقارب بين الدولتين يحدث تدريجيا.

وعشية القمة الرسمية، شدد مسؤول أميركي كبير أمس على أن الولايات المتحدة ستكون «واضحة للغاية» في مواقفها إذا انتهكت الصين الأعراف الدولية في ما يتعلق بالأمن الإلكتروني وغيره من المواضيع. وقال بن رودس، نائب مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، إن التجسس الإلكتروني والخلافات البحرية وعددا كبيرا من المواضيع ستطرح خلال المحادثات بين الرئيسين الأميركي والصيني. وأضاف رودس وهو أحد كبار مساعدي أوباما في البيت الأبيض للصحافيين: «نحن نرحب برغبة الصين التي تظهر بادية للعيان هنا في مؤتمر (آبيك) للقيام بدور في المجتمع الدولي يتناسب مع موقعها السياسي والاقتصادي ومكانتها كأكبر دولة في العالم من حيث الكثافة السكانية». وأضاف: «في الوقت عينه سنكون واضحين جدا عندما نعبر عن اعتقادنا أن أعمال الصين تخرج في الواقع عن الحدود التي نؤمن بأنها أعراف دولية ضرورية تحكم العلاقات بن الدول والسبل التي نحل بها الخلافات».

ووصل أوباما إلى الصين لإظهار التزام الولايات المتحدة مجددا بـ«محور» آسيا الاستراتيجي الذي ينظر إليه بشكل واسع على أنه محاولة لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد. غير أن عددا من حلفاء واشنطن الآسيويين تساورهم الشكوك في قدرتها على أن تكون لاعبا فاعلا في المنطقة في الوقت الذي تنشغل فيه بمواجهة تنظيم داعش وانتشار وباء إيبولا والصراع في أوكرانيا. وأشار رودس إلى أنه يتوقع أن يناقش أوباما وجينبينغ أيضا مسألة تنظيم داعش على الرغم من أن مسؤولا أميركيا آخر قال إنه من غير المتوقع أن تنضم بكين إلى التحالف الدولي الذي يقاتل التنظيم المتشدد.

من ناحية أخرى، توقف مراقبون سياسيون لـ«المشاعر السلبية» التي برزت بين الرئيس الأميركي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركتهما في قمة «آبيك» ببكين، ذلك أنه لم يكن بينهما من قبل أي تقارب شخصي، وتصاعدت التوترات خصوصا بشأن دور روسيا في الأزمة الأوكرانية. وأفادت التقارير بأنه بعد افتتاح القمة في مركز المؤتمرات المترامي الأطراف المطل على بحيرة خارج بكين، سار الرئيس الصيني جينبينغ وإلى جواره كل من أوباما وبوتين، دون أن يكلف أي منهما نفسه جهد الابتسام. سمع بوتين وهو يقول بالإنجليزية مخاطبا أوباما عن قاعة الاجتماعات المزخرفة «إنها جميلة، أليس كذلك؟». فرد أوباما بفتور وفقا لصحافيين شهدوا الواقعة قائلا في اقتضاب: «نعم». وتوقف الزعماء الثلاثة بعدها عند مقعد جينبينغ على رأس المائدة، فمد بوتين يده وربت على كتف أوباما. ولم يلتفت أوباما تقريبا ثم جلس الاثنان إلى يمين ويسار جينبينغ. ثم شوهد أوباما وبوتين وهما في نقاش وخلفهما مترجم بينما كانا يدلفان إلى قاعة لالتقاط الصورة الرسمية للقمة. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض برناديت ميهان «في 3 مناسبات على مدار اليوم استغرق مجموعها ما بين 15 و20 دقيقة كانت لدى الرئيس أوباما فرصة للتحدث مع الرئيس بوتين. حديثهما شمل إيران وسوريا وأوكرانيا». وبدوره، قال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين «لقد تحدثا باقتضاب عدة مرات اليوم»، لكنه لم يقدم أي تفاصيل.

وبعد قمة «آبيك»، يتوجه أوباما إلى ميانمار للمشاركة في حدث دولي آخر، يتعلق بقمة رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) الإقليمية. ومن المقرر أن يجتمع أوباما الذي يتابع عن كثب المرحلة الانتقالية التي بدأت في ميانمار، مع الرئيس ثين سين في نايبيداو والزعيمة المعارضة أونغ سان سو تشي في رانغون، وذلك قبل سنة من استحقاق الانتخابات التشريعية الحاسمة في هذا البلد.

ويلتقي قادة الدول العشر الأعضاء في آسيان والرئيس الأميركي، اليوم وغدا، في العاصمة نايبيداو التي تتولى الرئاسة الدورية لهذه المنظمة الإقليمية. وتعد هذه الزيارة الثانية التي يقوم بها أوباما إلى هذا البلد الخارج من نصف قرن من الحكم العسكري والعزلة الدبلوماسية. وقبل بضعة أيام من هذا اللقاء دعت المعارضة الحائزة جائزة نوبل للسلام الأسبوع الماضي الولايات المتحدة إلى مزيد من التيقظ، معتبرة أن واشنطن تبدو «متفائلة كثيرا» في ما يتعلق بالإصلاحات التي شرعت بها الحكومة. لكن الانتقادات كثيرة بشأن تباطؤ الإصلاحات. وفي هذا السياق قالت سوزان رايس مستشارة أوباما لشؤون الأمن القومي قبل الزيارة: «إن الولايات المتحدة تقر بالتقدم الذي أنجزته بورما، لكنها تلحظ أنه ما زال هناك تحديات حقيقية وأن خطوات خاطئة حصلت في عملية الانتقال».

وفي الواقع، فإن السجالات الدائرة حول تعديل الدستور وأعمال العنف الدينية بين البوذيين والمسلمين وانتهاكات حرية الصحافة، تسيء إلى حصيلة الإصلاحات المنجزة منذ 3 سنوات. وقبل سنة من موعد الانتخابات التشريعية ما زال الدستور يمنع أونغ سان سو تشي من أن تصبح رئيسة. وذلك يسمم أيضا الجدال السياسي في وقت تقوم الزعيمة المعارضة بحملة ناشطة من أجل تعديله. وتبدو الفرص كبيرة أمام الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، الحزب الذي تتزعمه سو تشي، للفوز في الانتخابات التشريعية أواخر عام 2015 ما يفتح الطريق أمام زعيمة المعارضة لرئاسة البلاد. لكن ذلك يتطلب تعديلا للدستور الذي صاغه الفريق العسكري الحاكم السابق وهو يتهم بأنه أعده خصيصا لقطع الطريق أمام سو تشي التي كان زوجها بريطانيا. وسيناقش برلمان ميانمار مختلف التعديلات الدستورية في الأيام المقبلة. وقال باتريك فنتريل المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض: «بالنسبة لميانمار والمجتمع الدولي فإن مصداقية الانتخابات ستكون رهنا بموقف أونغ سان سو تشي من التصويت». لكن الصعوبات السياسية ليست الوحيدة التي تواجهها الدولة المارقة سابقا في الوقت الحاضر. فثمة مسائل كثيرة تثير بلبلة في البلاد في المرحلة الانتقالية مثل تنامي التيار البوذي المتطرف أو المساس بالحريات، وبخاصة حرية الصحافة. ففي الأشهر الأخيرة تم سجن صحافيين وناشطين، كما قتل الجيش صحافيا أثناء اعتقاله في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.