«كيدزانيا».. دنيا العيال في القاهرة تقتحم موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية

حين يقترن المرح مع المران على مصاعب الحياة

العاملون والأطفال يؤدون رقصة أمام مسرح مدينة «كيدزانيا»
TT

«عملت بكل جد، وفي كل الوظائف المتاحة. عملت طبيبة، وحتى عاملة في مطعم (بيرغر).. تعبت جدا.. وكل ذلك من أجل أن أحقق حلمي في أن أفوز بتصفيفة شعر جيدة، وزيارة إلى مركز التجميل، مكافأة حقيقية لنفسي على كل ما بذلته من تعب خلال الأسبوع»، هكذا تحدثت علياء وأمارات الجدة ترتسم على وجهها، مشهرة ما حصلت عليه من مال خلال يومها الشاق.

علياء، التي تتكلم بنبرات تفوق سنوات عمرها الـ8، قالت بفرحة كبيرة لوالدها الطبيب: «الآن فهمت بحق لماذا تعود إلى البيت مجهدا.. لك كل الحق، فعلا العمل طبيبا هو أمر صعب للغاية».

كلام علياء جذب «الشرق الأوسط» للتحدث مع والدها خلال وجودهما مع شقيقها الأصغر سليم في مدينة «كيدزانيا» للأطفال، التي تقع في ضاحية التجمع الخامس شرق القاهرة. ويقول والدها الدكتور أحمد عبد الله: «أحرص على إحضار علياء وسليم إلى المدينة كل فترة، حين يسمح الوقت. المكان هنا لطيف جدا لأنه يزرع في الأطفال بذرة الاعتماد على النفس، وليس كأماكن الأطفال الأخرى التي يقتصر النشاط فيها على مجرد اللهو فقط، وإن كان مهما، إلا أن الطفل هنا يجد اللهو ممزوجا بجانب من الواقع، ويعطيه فكرة عن المستقبل».

ورغم حداثة عهد «كيدزانيا» القاهرة في منظومة فروعها حول العالم، إذ احتفلت المدينة بعيدها الأول في شهر 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فإن المدينة نجحت في تحقيق إنجاز ضخم وتحقيق رقم قياسي عالمي جديدا في موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، حيث سجل 20 ألف طفل مصري أكبر صورة في العالم حين تجمعوا في صورة واحدة بالمدينة، حملت عنوان «تمكين أطفال مصر»، على هامش احتفال المدينة بعيدها الأول.

و«كيدزانيا» التي يحمل اسمها أكثر من 15 مكانا حول العالم، مكان مختلف بحق. فمنذ الولوج إلى المكان، يلحظ الزائر أن مكتب التذاكر يشبه مكاتب السفر الموجودة بالمطارات، وهو ما يؤهل الزائرين من الكبار والأطفال إلى السفر إلى عالم خيالي، الكلمة الأولى فيه للأطفال. تتكلف تذكرة الدخول للطفل 130 جنيها مصريا (نحو 20 دولارا)، فيما تتكلف تذكرة دخول البالغ 85 جنيها.

وفور شراء تذاكر الدخول، يحصل الطفل على صك بـ50 جنيها من عملة «كيدزانيا» الرسمية الخاصة؛ «الكيدزوس»، وهي عملة وهمية يقوم الطفل بالحصول عليها من أول مكان ينبغي له زيارته، وهو بنك المدينة.

وفي البنك، الذي يحمل شعار بنك عالمي حقيقي، لا يسمح بالدخول إلا للأطفال وحدهم، وهي خطوة أولى في مجال تركهم للاعتماد على ذاتهم. وهناك يستبدل الطفل الصك بالمال، مع إمكانية أن يفتح حسابا لدى البنك، والحصول على بطاقة ائتمانية ليستخدمها في عمليات التداول أو السحب النقدي من ماكينات السحب الآلي داخل المدينة.

وتحمل «كيدزانيا» شعارا رئيسيا، هو «اعمل، اكسب، العب»، حيث ينبغي على الطفل مزاولة نشاط ما من أجل أن يربح مزيدا من «الكيدزوس» لشراء المنتجات والحصول على الخدمات الترفيهية. ويتيح المكان مجموعة متنوعة من النشاطات الممتعة والمثيرة في محيط المدن الحقيقية. ومن بينها نشاطات مهنية، مثل الطب، وإطفاء الحريق، والطهي، والإذاعة، والتلفزيون، والعمل الصحافي برعاية شركات عالمية حقيقية، بما يسمح للأطفال بالإبداع والتعلم الذي يسفر عن نتائج حقيقية.

ومدينة «كيدزانيا»، التي تبدو مدينة متكاملة بما تضمه من مستشفى ومراكز للحريق والإسعاف والشرطة ومسرح للأنشطة، صممت بحجم أقل قليلا من الطبيعي ليناسب الطفل، هناك أكثر من 100 نشاط، حيث كل مرفق يقدم أنشطته بعدد من مستويات الصعوبة، لملاءمة قدرات واهتمامات كل طفل، بعد تدريبه على المهارات الأساسية لممارسة العمل، مما يجعل الأطفال في متعة حقيقية دائمة.

أما الكبار، فيمكنهم الجلوس في عدد من المطاعم والمقاهي المنتشرة في أرجاء المكان، كما أن هناك استراحة مخصصة للعائلات وذوي الأطفال، حيث يمكنهم مشاهدة التلفاز أو الدخول عبر مجموعة من الشاشات إلى فضاء الإنترنت لتمضية الوقت، بينما يستمتع أطفالهم باللعب المفيد.

وانطلقت فكرة «كيدزانيا» للمرة الأولى في المكسيك عام 1999. ويقول خافيير لوبيز، الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة «كيدزانيا»، إن الفكرة الأساسية نبعت لديه من خلال مراقبة تصرفات وأفكار الأطفال، حيث اكتشف أن «أفضل الألعاب بالنسبة للصغار تتمثل دائما في تقليد الكبار»، ولذا قام بتأسيس المدينة الأولى في مكسيكو سيتي، ثم توالت الافتتاحات للمدن الشقيقة حول العالم.

وقال مؤتمن دعادر، محافظ «كيدزانيا مصر» إن «(كيدزانيا) من المؤسسات المهمة التي ترعى وتكفل حقوق الأطفال»، معربا عن سعادته بتسجيل أطفال مصر رقما قياسيا جديدا، بتسجيل 20 ألف طفل أكبر صورة في العالم، لافتا إلى أن «هذه الصورة الكبيرة التي تم تصويرها باستخدام أعلى تقنيات التصوير ستُمكن كل شخص من الحاضرين من تقريب الصورة وتكبيرها ليرى نفسه بنقاء وجودة عالية، ويضعها ويشاركها على صفحة التواصل الاجتماعي الخاصة به».

وأشار دعادر في تصريح إعلامي على هامش الاحتفال بعيد المدينة الأول في مصر إلى أن الهدف من هذه الصورة هو تعليم الأطفال مبادئ كثيرة، من أهمها «التضامن في صوت واحد، والوحدة تحت هدف واحد وصورة واحدة وجائزة واحدة، والقيادة وتحقيق الأهداف.. حيث إن كل طفل حضر الاحتفال هو حامل لقب في موسوعة (غينيس) العالمية، وكل طفل هو بصوته قائد لحقوق الأطفال».

وعند قدوم لحظة الانصراف من المدينة، تتشبث علياء بيد والدها مطالبة بالبقاء مزيدا من الوقت، فيشرح لها أن موعد الإغلاق قد حان.. ويقول ضاحكا لـ«الشرق الأوسط»: «المشكلة الحقيقية أن الأطفال لا يريدون المغادرة، ويريدون القدوم هنا كل أسبوع.. وهو أمر مرهق ماديا للغاية، إذ لا تقل الكلفة الإجمالية للزيارة عن 500 جنيه، وربما يكون هذا هو العيب الوحيد في المدينة».