شاشة الناقد: تقنية أوديسا وإنسان سولاريس

ماثيو ماكونوفي يمشي فوق زحل في «بين النجوم»
TT

أدوار أولى: ماثيو ماكونوفي، آن هاذاواي، جسيكا شستين تقييم الناقد:(4*) (خمسة من خمسة).

ينطلق «بين النجوم» على الأرض. الرحلة ذاتها إلى الأجواء الفضائية لا تبدأ سريعا، بل تتهادى بعد أكثر من ثلث ساعة على بداية الفيلم. نولان ليس مستعجلا للإبهار ولرحلة الغد وتلوين الشاشة بظلام المحيط الفضائي. لديه ما يؤسسه قبل ذلك على الأرض.

إذن، نحن على الأرض: السنة غير محددة، لكنها في المستقبل المنظور. الأكسجين انخفض وما عادت الحياة سهلة. بانخفاضه وارتفاع نسبة النيتروجين، يقول الفيلم، يعاني الناس كما المحصولات الغذائية. ما عاد ينفع زراعة أي شيء باستثناء الذرة وحتى هذه لن تعيش طويلا. النهاية مخيفة، لكن كوبر (ماثيو ماكونوفي) ربما ما زال لديه أمل ما. هو رب أسرة صغيرة تتكون من ابنه الشاب (تيموثي شالمت) وابنته الصغيرة ميرف (ماكنزي فوي) وأبيه دونالد (جون ليثغو) تعيش في الوسط الأميركي الذي يزداد قحلا. هنا في هذه الفترة من الفيلم يبني نولان أرضيته ليس للحكاية وحدها، بل للعلاقات الإنسانية الحميمة بين أفراد الأسرة الواحدة.

وهذه الحالة الإنسانية المتجددة لا تنضوي بمجرد انتقال كوبر (الذي كان ملاحا سابقا) إلى الفضاء، بل ترتكز عليها وتتوسع: كوبر الآن بمعية أميليا (آن هاذاواي) العالمة الفضائية ابنة العالم المسن براند (مايكل كاين) الذي بعث بملاحيه هذين، وباثنين آخرين، إلى الفضاء البعيد لاكتشاف كوكب آخر يمكن أن يكون صالحا لحياة الإنسان على الأرض.

الرحلة خطرة وهي تحط على أكثر من كوكب وفوق كل كوكب شروط حياة مختلفة. هناك، مثلا، تلك البحيرة الهادئة والجميلة، لكن فجأة هناك أمواج بارتفاع جبال تتقدم إليها. تتقدم إلينا. تعصف بنا وتقتل أحد الملاحين قبل أن تهرب المركبة بجلدها. لكن مخاطر الفضاء، والتي يعود إليها الفيلم في ساعته الأخيرة، ليست وحدها التي يعايشها كوبر: لقد مرت سنوات كونية على رحلته خلالها كبرت ابنته وأصبحت جسيكا شستين وكبر ابنه وأصبح سايسي أفلك، لكنه ما زال هو، وتبعا لفوارق الحياة والزمان بين الأرض والفضاء صغيرا كما بدأ، وبل إذا ما عاد إلى الأرض (وأنا لن أقول هنا إذا كان سيعود أم لا) سيكون شابا وابنته عجوزا.

المخرج كريستوفر نولان يأخذ من فيلم ستانلي كوبريك الإبهار التقني في «2001: أوديسا الفضاء» والهم الإنساني من فيلم أندريه تاركوفسكي في «سولاريس» ويعالجهما مضاعفين. لا تعرف ما تتوقع على أي صعيد ولا يشتتك الفيلم بين المغامرة الخيالية العلمية وبين البوح الإنساني الرائع الذي يربط بين شخصيات الأرض وشخصيات الفضاء. يتوه قليلا قبل ربع ساعة من نهايته، لكنه يعود إلى خطه المستقيم سريعا من بعد، لكن توهانه ذاك ليس نتيجة ضعف أو ركاكة، بل مجرد مد خط إضافي كان يمكن تجاوزه (المشهد الذي يرى فيه كوبر ابنته من وراء عالم مواز بـ5 أبعاد).

العائلة أساسية بالنسبة لأبطال نولان. كل آلام بطله باتمان ناتجة عن فقدانه حنان الأب. في «تمهيد» بطله ليوناردو دي كابريو يتطلع للعودة إلى عائلته. هنا يريد ماثيو ماكونوفي العودة إلى ابنته التي تتهمه بأنه تخلى عنها وعن أهل الأرض عندما قبل بمهمة قد لا يعود منها. في الفضاء الخارجي، هناك ما يتبلور بينه وبين شريكته في الرحلة، لكنك لا تستطيع أن تقول إنها قصة حب ولو أنها قد تنتهي كذلك.