مفاوضات «النووي الإيراني» تحت مقصلة الوقت والتلويح باتفاق مؤقت آخر

باريس تؤكد وجود مسائل مهمة يتعين حلها ووزير خارجيتها جاهز للسفر لفيينا

إيرانية تمر من أمام حائط مليء بصور للصفحة الاولى لأحدى الصحف الإيرانية بمناسبة المعرض السنوي للصحافة الإيرانية (أ.ف.ب)
TT

مع اقتراب موعد بدء المفاوضات الماراثونية بين القوى العالمية وإيران لإيجاد صيغة مقبولة لحل أزمة الملف النووي الإيراني، هيمنت أمس أجواء من التشاؤم حول إمكانية الأطراف (السداسية الدولية وإيران) على الوصول إلى تفاهم مرضٍ بحلول الموعد النهائي في 24 نوفمبر (تشرين الثاني).

ورغم الإصرار الذي يبديه الطرفان الرئيسيان واشنطن وطهران في الوصول إلى تسوية، فإن مراقبين تحدثوا عن إمكانية الاكتفاء باتفاقية مؤقتة أخرى تقوم على التخفيف المحدود للعقوبات الذي تم الاتفاق عليه قبل عام فيما يسعيان لحل خلافاتهما العميقة خلال الشهور المقبلة.

وتتفق الأطراف جميعها على أن الفشل ممنوع، لكن لا أحد يتحدث عن طريق معبد نحو النجاح. وبدأ مؤخرا البحث عن آليات جديدة لإنقاذ المفاوضات، أو فتح مسارات بديلة، ومن بينها البحث عن إيجاد اتفاق مؤقت آخر شبيه بالاتفاق الذي أبرم بين السداسية الدولية وإيران نوفمبر 2013.

ونقلت «رويترز» عن مسؤولين غربيين وإيرانيون قولهم «يمكن أن نرى إطار اتفاق نهائي بحلول 24 نوفمبر لكن ربما ليس الاتفاق نفسه». وذكر مسؤولون غربيون وإيرانيون أن فشل المحادثات مستبعد لأن كل الأطراف تريد إنهاء النزاع المستمر منذ 12 عاما.

وشهدت العاصمة العمانية مسقط جولتين من المفاوضات الأولى ثلاثية عقدت خلالها 4 جلسات وجمعت وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف وممثلة الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، واستمرت يومين. أعقبتها جولة موسعة للسداسية الدولية وإيران على مستوى المديرين السياسيين، وحضور منسقة «السداسية» كاثرين أشتون وتضم مجموعة 5+1 (الدول الـ5 الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا).

وأعلنت روسيا التي قطفت أولى الثمار النووية بعقدها اتفاقا لبناء مفاعلين نوويين جديدين لمحطة بوشهر الإيرانية في عقد يفسح المجال لبناء 6 مفاعلات أخرى، على لسان سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي وهو أحد أبرز المفاوضين الروس أن التوصل إلى اتفاق بين المجموعة الدولية وإيران أصبح «في متناول اليد»، رغم وجود «فجوات عميقة» فيما يتعلق ببعض القضايا.

وفي ذات السياق تحدث الوزير المسؤول عن السياسة الخارجية في سلطنة عُمان يوسف بن علوي عن «تقدم ملموس»، وأنه لمس رغبة حقيقية من جميع الأطراف للتوصل إلى نهاية سعيدة لهذا الملف الشائك.

من جانبها، قالت فرنسا أمس إنه لا تزال هناك مسائل مهمة يتعين حلها تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني معربة عن أملها في التوصل إلى اتفاق بحلول 24 نوفمبر. وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في مؤتمر صحافي مع نظيره الإيطالي باولو جنتيلوني «آمل أن نتمكن من إنجاز اتفاق لكن لا تزال هناك مشكلات رئيسية يتعين حلها»، مضيفا: «لا يمكنني عمل أي توقعات في الوقت الحالي. أعتقد أننا سنكون في يوم 24 قادرين على تقييم الموقف»، وأضاف الوزير أنه خصص يومين وليلتين للذهاب إلى فيينا إذا اقتضى الأمر لختام المحادثات مع إيران التي من المقرر أن تجرى في الفترة بين 18 و24 نوفمبر.

وفي إشارة إلى الاتفاق المؤقت الذي تم التوصل إليه في جنيف قبل عام ونصف على بدء المحادثات الحالية قال مسؤول إيراني كبير لـ«رويترز» «الأرجح أن يتم التوصل إلى نسخة أكثر تفصيلا من اتفاقية جنيف بما يكفي لمواجهة الركود في إيران وأيضا تمديد المحادثات».

وقال بعض الدبلوماسيين إن مجرد تمديد المفاوضات ممكن، وذكر مسؤول إيراني كبير أنها قد تمتد حتى مارس (آذار) من العام المقبل. وجرى تمديد المحادثات بالفعل لمدة 4 أشهر في يوليو (تموز). وأصر دبلوماسي غربي كبير مقرب من المحادثات على أن القوى العالمية الست ما زالت تفعل كل ما هو ممكن للتوصل إلى اتفاق شامل متماسك هذا الشهر كما هو منشود. وقال المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه «يمكنني أن أنفي تماما أن الطموحات خلف الأبواب المغلقة أكثر تواضعا.. يبذل الجميع جهدا كبيرا جدا للالتزام بيوم 24 نوفمبر».

وقال دبلوماسي غربي إنه لم يتضح بعد إذا كان فريق التفاوض الإيراني بقيادة وزير الخارجية محمد جواد ظريف ونائبه عباس عراقجي يملك تفويضا لتقديم شكل التنازلات المطلوب لإبرام اتفاق. وتابع: «لا نعلم إن كان - الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي - سيسمح لهم بالتوصل إلى شكل الاتفاق الذي نريده». ورغم استبعاد الحديث عن قضايا سياسية وإقليمية، فإن إيران أبدت استعداداها للمساعدة في الجهود الدولية لهزيمة تنظيم داعش داخل سوريا والعراق وربطت هذا العرض بتنازلات محتملة في المحادثات النووية لكن مسؤولين غربيين رفضوا الفكرة. كما لوحت رسالة أوباما لخامنئي بالعرض نفسه.

إلى ذلك تحدث أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني عن رغبة إيران في التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة على قاعدة الرسائل المتبادلة بين الرئيس أوباما والمرشد الأعلى علي خامنئي، وقال شمخاني «إن إيران أجابت على رسالة الرئيس أوباما إلى المرشد الأعلى للثورة» مضيفا: «متفائلون بالتوصل إلى اتفاق نووي إذا تم الالتزام بما ورد في رسالة أوباما وبالرد الإيراني عليها».

وأبرز النقاط الشائكة في المحادثات هي عدد أجهزة الطرد المركزي التي يمكن السماح لإيران بامتلاكها ووتيرة رفع العقوبات خاصة على صادرات النفط وقطاعي البنوك والتأمين.

وفي هذا الإطار، تريد الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا ألا يتجاوز عدد أجهزة الطرد المركزي لدى إيران عدة آلاف لكن إيران تريد امتلاك عشرات الآلاف منها قيد التشغيل. وتملك إيران حاليا نحو 19 ألف جهاز بينها 10 آلاف جهاز قيد التشغيل. ومن الأفكار المطروحة نقل بعض اليورانيوم الإيراني المخصب إلى روسيا لتخزينه. وقال مسؤولون إيرانيون إنهم منفتحون من الناحية النظرية لهذا الاقتراح، كما قال مسؤولون غربيون إنه قد يكون خطوة على الطريق الصحيح.

وذكر مسؤول أميركي كبير أن معظم الملحقات التقنية للاتفاق استكملت وأنهم يعملون حاليا على الوثيقة السياسية.

ويشكل عنصر الوقت ضغطا على الأطراف وخاصة الأميركيين والإيرانيين، فالرئيس الأميركي يخشى أن تتضاءل قدرته في التأثير على الكونغرس الذي ينتظر أن تحتله أكثرية جمهورية لديها ما يكفي من الشك بشأن هذه المفاوضات، كما تخشى إيران تأثر قدرة الإدارة الأميركية على التوصل لاتفاق بنتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس. ويسيطر الجمهوريون حاليا على مجلسي النواب والشيوخ في الولايات المتحدة ويتبعون نهجا أكثر صرامة إزاء الشأن الإيراني بالمقارنة مع الحزب الديمقراطي.

وفي هذا السياق، وجه العضوان في مجلس الشيوخ الأميركي اللذان يقفان وراء العقوبات المتعددة ضد إيران، أول من أمس تحذيرا جديدا بشأن اتفاق نووي محتمل بين مجموعة 5+1 وإيران والذي سيتعين عليه أن يفكك بالكامل أي برنامج غير شرعي على حد رأيهما.

وقال السيناتور الديمقراطي روبرت ميننديز رئيس لجنة الشؤون الخارجية وزميله الجمهوري مارك كيرك في بيان مشترك «نعتبر أن اتفاقا جيدا ينبغي أن يفكك، لا أن يرسخ، البرنامج النووي الإيراني غير المشروع، ويمنع إيران إلى الأبد من بلوغ عتبة دولة تملك السلاح النووي». وعمل السيناتوران ميننديز وكيرك معا منذ 2011 لصياغة مجموعات متنوعة من العقوبات الاقتصادية ضد طهران والعمل على إقرارها في مجلس الشيوخ، ويعود آخرها إلى نوفمبر 2012. وفي إشارة للخلافات المستعرة بين الحزبين الكبيرين في واشنطن، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني: «على الدول ألا تقحم مشاكلها الداخلية في المحادثات»، وأضاف: «إن هذا الأمر ليس منطقيا أو قانونيا وينبغي على جميع الدول الأعضاء في مجموعة (5+1) أن تولي الاهتمام للمصالح بعيدة الأمد للدول والمنطقة».

وردا على تأثير الجمهوريين على الملف النووي الإيراني، أكد رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإسلامي علاء الدين بروجردي في تصريح لوكالة أنباء «فارس» الإيرانية «لقد تقدم الجمهوريون خندقا وسيطروا على مجلس الشيوخ ومن الطبيعي أن يتحركوا بهذه القوة إلى الأمام». وأضاف: «تدرك أميركا جيدا أهمية مكانة إيران في المنطقة ودورها في محاربة الإرهاب، وبناء عليه فإن هذه المسألة بالذات تعتبر من النقاط المشجعة لهم». وقال إن أي اتفاق بين الإيرانيين والمجتمع الذي سيحتاج إلى مصادقة مجلس الشورى الإيراني، لافتا إلى أنه «وفقا للمادة 77 من الدستور فإن أي اتفاق يتم إبرامه يجب المصادقة عليه في المجلس»، وأضاف: «لو تضمن الاتفاق النهائي مع مجموعة (5+1) موضوع البروتوكول الإضافي فإن تدخل المجلس سيكون ملزما».