واشنطن: لن نعتذر عن «تعذيب الإرهابيين».. ولن نكرره مستقبلا

مصدر في الخارجية قال لـ «الشرق الأوسط» إن مجرد الأسف «يدخلنا في تعقيدات قانونية»

إحدى البوابات الرئيسية لمعتقل غوانتانامو الأميركي (أ. ب)
TT

رفضت الخارجية الأميركية الاعتذار عن سنوات تعذيب المتهمين بالإرهاب منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، لكنها أكدت أن التعذيب لن يتكرر.

وقال مصدر في الخارجية الأميركية، لـ«الشرق الأوسط»، إن الاعتذار «ستكون له تعقيدات قانونية، منها رفع قضايا من أعداد لا تحصى من الناس من حول العالم، يطالبون باعتذارات وتعويضات مالية». وأضاف المصدر أن «مجرد قرار الخارجية الأميركية بالتعهد بالالتزام بقوانين الأمم المتحدة ضد التعذيب يجد انتقادات من جهات معينة في الكونغرس في هذا الوقت بالذات». ويشير ذلك إلى انتقادات من قادة جمهوريين في الكونغرس للرئيس باراك أوباما بأنه يتساهل مع الإرهاب. بالإضافة إلى نتيجة الانتخابات الأخيرة التي جعلت الجمهوريين يسيطرون على كل الكونغرس، مما ينذر بمشاكل أكثر لأوباما.

وقال المصدر إن هناك فرقا بين أن يقول شخص إنه «آسف» لما فعل، وبين أن «يعتذر» عما فعل. وكرر بأن هذه «تعبيرات قانونية معقدة». وكانت جين بساكي، المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، تحاشت، أول من أمس، موضوع الاعتذار. لكنها كررت تعهد الولايات المتحدة بعدم تكرار عمليات التعذيب. وقالت عن استجواب الوفد الأميركي من قبل لجنة التعذيب التابعة للأمم المتحدة في جنيف «خلال هذا الاجتماع، صاغ وفد الولايات المتحدة تغييرات وتوضيحات للمواقف القانونية في ما يخص الاتفاقية. وعلى النقيض من المواقف التي اتخذتها حكومة الولايات المتحدة في الماضي، نحن أكدنا أن التزامات الولايات المتحدة بموجب المادة 16، التي تحظر المعاملة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة، ستطبق في أماكن خارج الولايات المتحدة تسيطر عليها حكومة الولايات المتحدة باعتبارها الجهة الحاكمة». وأضافت، في إشارة إلى التزام جديد بأن القاعدة العسكرية الأميركية في غوانتانامو تقع تحت سيطرة الحكومة الأميركية، وحيث يتعرض متهمون بالإرهاب إلى ما يقولون إنه تعذيب «أكد وفدنا في جنيف هذا الالتزام».

وفي إجابة عن سؤال من صحافي، خلال مؤتمرها الصحافي اليومي، عما إذا «قال الوفد الأميركي إننا آسفون»، تحاشت بساكي إجابة مباشرة، وقالت «اعترف الوفد بأننا، بعد هجمات 9 سبتمبر، للأسف، لم نرتفع إلى مستوى قيمنا». لكن، رفضت بساكي أن تقول «نحن آسفون». ولم تفرق بين أسف على التعذيب، وأسف على خرق القيم الأخلاقية الأميركية.

لكن، في وقت لاحق، وأمام مزيد من أسئلة الصحافيين، قالت «نحن اعترفنا بأننا نتأسف على ما حدث في الماضي»، لكنها لم تستعمل كلمة «أبلوجايز» (اعتذار)، وكررت كلمة «ريغريت» (أسف). وكررت الحرص على عدم تكرار التعذيب في المستقبل.

وفي إجابة عن سؤال آخر عن «هل يعني الاعتذار (أبلوجاي) تقديم تعويضات للذين تضرروا»، قالت بساكي «لم يكن هذا جزءا من النقاش» (في جنيف).

وكان المصدر قال، أول من أمس، لـ«الشرق الأوسط»، إن الولايات المتحدة «لا تقدر على إنكار تجاوزات حدثت في الماضي. لكن، في الوقت الحاضر، لا توجد أي تجاوزات». وعن تعذيب المعتقلين الأجانب خارج الولايات المتحدة، قال المصدر إن الدبلوماسيين في جنيف تسلموا تعليمات واضحة بأن هذا لا يحدث في الوقت الراهن «بما في ذلك في غوانتانامو». هذه قاعدة عسكرية أميركية في كوبا، لا تقع تحت سيادة كوبا، وتقول الولايات المتحدة إنها تقع خارج حدودها.

وكانت لجنة الأمم المتحدة في جنيف استجوبت دبلوماسيين أميركيين حول التزام بلدهم بمعاهدة مكافحة التعذيب الأساسية، خاصة بعد نشر سلسلة من الانتهاكات، وبعد اعتراف مسؤولين أميركيين بوجود «هفوات» منذ هجمات 11 سبتمبر عام 2001.

وكان أليسيو بروني، من إيطاليا، وواحد من المحققين الدوليين، قال للوفد الأميركي هناك إنه «يجب أن يجيب إجابات واضحة» على اتهامات «واضحة». وأشار إلى أمثلة، منها: «ريدنشان» (تسليم وكالة الاستخبارات المركزية متهمين بالإرهاب إلى استخبارات دول أخرى لتعذيبهم). ومثل حجز متهمين بالإرهاب في «بلاك سايتز» (مواقع سوداء سرية في دول أجنبية). ومثل «وحشية» معاملة المعتقلين في قاعدة غوانتانامو.

وحسب قانون الأمم المتحدة، تعتمد لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب على عشرة خبراء مستقلين، وتراجع سجلات جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وعددها 156 دولة، وهي التي صدقت على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، والتي تحظر «المعاملة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة، أو العقاب القاسي، أو اللاإنساني، أو المهين».

وكانت وكالة «رويترز» قالت إن ماري ماكلويد، المستشارة القانونية بالوكالة في وزارة الخارجية الأميركية، اعترفت بأن سجل الولايات المتحدة منذ هجمات 9/11 «لم يكن دائما يتماشي مع قيمنا نحن». وأضافت «كما كان الرئيس باراك أوباما اعترف، عبرنا الخط (الأحمر)، ونتحمل المسؤولية عن ذلك». وأضافت «لقد اتخذت الولايات المتحدة خطوات مهمة لضمان التقيد بالتزاماتها القانونية».

وحسب تصريحات مصدر الخارجية الأميركية، لـ«الشرق الأوسط»، أمس، أجابت الولايات المتحدة على اتهامات بأن التزاماتها لا تشمل الأجانب المعتقلين في دول أجنبية. واعترف المصدر بأنه في عهد الرئيس السابق بوش الابن، كان تفسير الولايات المتحدة لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب هو تطبيقها فقط داخل حدود الولايات المتحدة. وأنه، في عهد الرئيس أوباما، تنتهج الولايات المتحدة نهجا مختلفا. وهي الآن تحظر التعذيب في أي مكان، بما في ذلك قاعدة غوانتانامو.