تفجير مزدوج يستهدف سفارتي مصر والإمارات في طرابلس

أجواء توتر تسيطر على ليبيا قبل مظاهرة متوقعة غدا في ذكرى مذبحة «غرغور»

عاملا نظافة خارج مبنى سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة الذي تضرر إثر انفجار سيارة ملغومة قرب السفارة (أ.ف.ب)
TT

في تصعيد جديد ومفاجئ ضد مصر والإمارات، تعرض أمس مقر السفارتين المصرية والإماراتية لهجوم متزامن في قلب العاصمة الليبية طرابلس، حيث انفجرت سيارة مفخخة في الساعة السابعة إلا دقيقتين من صباح أمس بالتوقيت الليبي المحلي في محيط السفارة المصرية، وبعدها بدقيقتين انفجرت سيارة أخرى أمام مقر السفارة الإماراتية، مما أدى إلى سقوط حارسين جرحى ووقوع أضرار مادية كبيرة في السفارتين، بحسب ما أكدته مصادر أمنية ليبية لـ«الشرق الأوسط».

وقالت المصادر إن السفارتين كانتا خاليتين تماما من أي موظفين أو دبلوماسيين، باستثناء قوة محدودة من قوات الأمن الدبلوماسي التي كانت تتولى تأمين المقرين.

وحذت مصر والإمارات حذو دول أخرى سحبت الدبلوماسيين العاملين في سفاراتها في العاصمة الليبية خلال الصيف الماضي بعد اشتباكات مسلحة بين الفصائل المتناحرة التي تريد السيطرة على البلاد.

وتضررت الواجهة الأمنية لمقر السفارة المصرية بمنطقة زاوية الدهماني وسط طرابلس وعدد من المنازل المحيطة بالمكان، فيما أدى التفجير الذي استهدف مبنى السفارة الإماراتية الكائن بمنطقة السياحية بطرابلس إلى أضرار مادية فادحة بالمبنى وتعرض بعض جدرانه للسقوط.

وقال مسؤول جهاز الأمن الدبلوماسي الليبي، إن الجهاز بدأ مع الجهات ذات العلاقة التحقيقات الأولية لمعرفة ملابسات الحادثين والجهات التي تقف خلفهما، موضحا أن أجهزة الأمن باشرت جمع أقوال شهود العيان وتقوم بمراجعة أشرطة الفيديو التي سجلتها كاميرات المراقبة الموضوعة على مقري السفارتين.

وأضاف: «هذه ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها سفارات هذين البلدين الشقيقين، نظرا إلى الاتهام الدائم والمتواصل بدعم هذين البلدين لقوات اللواء المتقاعد من الجيش الليبي خليفة حفتر» الذي يخوض حربا ضد الميليشيات الإسلامية.

لكن المكتب الإعلامي لعملية «فجر ليبيا» اعتبر في بيان نشره عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أن «هذه الأعمال إرهابية من الطراز الرفيع ولا تنم إلا عن دهاء فاعليها ومكرهم وتربصهم بأمن البلاد واستقرارها، وخصوصا عاصمتها التي أغاظت الانقلابيين».

وفي أول رد فعل رسمي، أدانت مصر «بكل قوة» التفجير الذي وصفته بأنه «انتهاك سافر للقوانين والأعراف الدولية». وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية السفير بدر عبد العاطي، في بيان صحافي، إن التفجير «يمثل انتهاكا سافرا للقوانين والأعراف الدولية وحرمة مقار البعثات الدبلوماسية ويسيء إلى العلاقات التاريخية وروابط الدم التي تجمع بين مصر وليبيا وشعبيهما الشقيقين».

كما أدان عبد العاطي في الوقت ذاته «بأشد العبارات» سلسلة التفجيرات الأخيرة التي استهدفت سفارات أخرى ومنشآت ليبية عامة «سواء في طرابلس أو طبرق أو البيضاء» على مدار اليومين الماضيين.

وأشار عبد العاطي إلى أن «التفجيرات تثير كذلك الشكوك حول دعاوى البعض من جدوى الحوار السياسي والوطني مع جماعات ظلامية إرهابية ترفض تسليم السلاح ونبذ العنف والإرهاب لضمان خروج هذا الحوار بالنتائج المرجوة».

وتابع: «هذه التفجيرات تؤكد سلامة الطرح المصري بضرورة الالتزام بالضوابط المنصوص عليها في مبادرة دول الجوار الجغرافي لليبيا» التي تم تبنيها في القاهرة في 25 أغسطس الماضي.

من جانبه، أدان وزير خارجية دولة الإمارات بشدة التفجير الإرهابي الذي استهدف سفارة بلاده. وقال الشيخ عبد الله بن زايد إن هذا التفجير الإرهابي يقتضي من الجميع العمل الحاسم والسريع للقضاء على هذه الممارسات الإرهابية الإجرامية التي تستنكرها المجتمعات الدولية، محملا الجماعات المسلحة التي تشمل «أنصار الشريعة» و«فجر ليبيا» المسؤولية الجنائية عن هذا العمل الإرهابي.

وأكد وزير الخارجية الإماراتي دعم بلاده كل الجهود الرامية لدعم الشرعية المتمثلة في مجلس النواب المنتخب والحكومة الليبية الممثلة في رئيسها عبد الله الثني، ولمساندة السلطات الليبية في تحقيق تطلعاتها نحو الاستقرار والازدهار، متمنيا أن تتلاشى مظاهر العنف والقوة واستعمال السلاح وأن يسود السلام والأمان والاستقرار من أجل مستقبل ليبيا.

ويأتي التفجيران غداة سلسلة انفجارات وقعت أول من أمس في شرق ليبيا بمدينة طبرق حيث المقر المؤقت للبرلمان وأمام قاعدة الأبرق الجوية وبنغازي أوقعت قتلى وجرحى.

واعتبرت الحكومة الانتقالية التي يترأسها عبد الله الثني أن هذه التفجيرات مسعى من الإرهابيين لبث الرعب في نفوس المسؤولين والمواطنين وعرقلة عمل مجلس النواب والحكومة ومنعهما من مواصلة مساعيهما في تحقيق الأمن والاستقرار، وبغرض عرقلة وتقويض عملية التحول السياسي في ليبيا.

وأكدت الحكومة، في بيان أصدرته أمس، أن هذه الأعمال الإرهابية التي بدأت وتيرتها تتزايد في مدن لم تصلها يد الإرهاب من قبل دليل على وجود هدف مشترك بين من يحاولون بشتى الوسائل عرقلة وتقويض عملية التحول السياسي والديمقراطي في ليبيا وهؤلاء الإرهابيين الذين يقتلون الأبرياء.

وشدد البيان على أن «أي محاولة لعرقلة مسارها الديمقراطي لن تحصد سوى الفشل ولن تنال إلا الهزيمة، ولن تثني الحكومة عن مواصلة جهودها في مكافحة الإرهاب»، مشيرا إلى أن الجهات الأمنية تعمل بكل جهدها للقبض على المخططين لهذه العمليات الإرهابية ومن وراءهم وأن تقدمهم للعدالة.

وقبل مظاهرات شعبية مرتقبة بمناسبة مرور عام على وقوع مجزرة ضد مدنيين عزل في مظاهرة العام الماضي في ضاحية غرغور جنوب شرق العاصمة الليبية طرابلس. قالت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط» إن التوتر يخيم على المدينة قبل ساعات من المظاهرة الجديدة غدا (السبت).

واستبقت ما تسمى «غرفة عمليات ثوار ليبيا» هذه المظاهرة بمحاولة إرهاب المواطنين، حيث زعمت في بيان لها أمس أن إحدى الدوريات التابعة لسرية الاستخبارات المدنية بالعاصمة اعتقلت من وصفتها بـ«مجموعة مارقة» تقوم بإشعال النار في سيارات قديمة ملقاة ببعض الأحياء التي نتحفظ عن ذكرها، ثم يلتفون حولها، في مشهد يعطي انطباعا أنها مظاهرة ويقومون بتصوير المشهد، ثم يقومون بإنزالها على صفحات التواصل الاجتماعي وتتلقاها القنوات الفضائية المغرضة، ناشرين عليها خبرا يفيد بخروج مظاهرة ضد «فجر ليبيا» والإرهابيين حسب زعمهم في المنطقة الفلانية.

وزعمت أن المواطنين تقدموا للغرفة الأمنية بأكثر من بلاغ بالحادثة نفسها في أكثر من منطقة، تم على أثره تتبع هؤلاء المجرمين والقبض عليهم بالجرم المشهود، وادعت أن التحقيقات ما زالت تجري معهم لكشف من وراءهم من دعم مالي وتخطيط وتنفيذ.

إلى ذلك، أعلنت وزارة الخارجية الإيطالية الإفراج عن ماركو فاليزا وهو مهندس إنشاء إيطالي خطف في ليبيا في الخامس من شهر يوليو (تموز) الماضي، مشيرة في بيان إلى أن فاليزا في طريقه إلى الوطن، ولم تقدم تفاصيل عن كيفية الإفراج عنه.

وخطف ماركو مع عاملين من مقدونيا والبوسنة من بلدة زوارة الليبية، لكن أفرج عن العاملين الاثنين الآخرين بعد أيام معدودة من خطفهما.

وفيما يحتدم الخلاف السياسي، خصوصا مع دعم كل فريق مسلح حكومة وبرلمانا في البلاد، تواصل الأمم المتحدة ودول الجوار اتصالاتها مع أطراف النزاع الليبي، في محاولة للتوصل إلى حل ينهي حالة عدم الاستقرار ودائرة العنف المستمرة منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في 2011.

وسقطت ليبيا في براثن اضطرابات متصاعدة مع اقتتال الفصائل المسلحة على السلطة والثروات النفطية للدولة العضو في منظمة أوبك.

وسيطر فصيل على طرابلس وشكل حكومته وبرلمانه وأجبر البرلمان المنتخب وحكومة رئيس الوزراء عبد الله الثني على العمل من مدينة طبرق في الشرق، حيث يتبادل الجانبان الاتهام دوما بطلب العون من قوى إقليمية مجاورة وغادر عدد كبير من البعثات الدبلوماسية العاصمة.

ولم تنجح الجهود الدولية التي تقودها الأمم المتحدة للوساطة بين الفصائل المتناحرة في التوصل إلى وقف لإطلاق النار أو دفع الفصائل المسلحة الرئيسية إلى مائدة التفاوض.

وشهدت ليبيا تصاعدا في عمليات خطف الدبلوماسيين والأجانب والليبيين مع وجود حكومتين وبرلمانين غير قادرين على السيطرة على الفصائل المسلحة التي ساعدت في الإطاحة بالنظام السابق.