مجموعة الـ20 تسعى إلى رسم خريطة طريق لانتشال الاقتصاد العالمي من عثرته

تسيطر على نحو 85 % من اقتصاد العالم

الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف لدى وصولها إلى بريزبن أمس (أ.ف.ب)
TT

بينما تؤشر الأرقام الصادرة عن المؤسسات الدولية إلى تباطؤ وتيرة نمو الاقتصاد العالمي، يجتمع قادة مجموعة الـ20 في أستراليا أيام 15 و16 من الشهر الحالي، واضعين نصب أعينهم الحاجة إلى مزيد من الجهد لانتشال الاقتصاد من عثرته، مع انخفاض حاد في أسعار السلع وتراجع مؤشرات الاقتصاد الكلي في كبريات الاقتصاديات العالمية.

وتمثل دول مجموعة الـ20 نحو 85 في المائة من حجم الاقتصاد العالمي، ونحو 57 في المائة من الحجم الإجمالي للتجارة حول العالم، وفقا للأرقام الصادرة عن البنك وصندوق النقد الدوليين.

ويعود تاريخ تأسيس مجموعة الـ20 إلى عام 1999 خلال اجتماع وزراء مالية مجموعة الدول الصناعية الـ7 في واشنطن؛ حيث تم تأسيس المجموعة، تنفيذا لالتزام قمة الدول الـ7 في يونيو (حزيران) 1999 بإنشاء آلية «غير رسمية» للحوار بين الدول الصناعية ومجموعة الاقتصاديات الناشئة، وتوسيع المناقشات حول قضايا السياسات الاقتصادية والمالية الرئيسية، وتعزيز التعاون لتحقيق نمو اقتصادي عالمي مستقر ومستدام لمصلحة الجميع.

وقال محللون لـ«الشرق الأوسط»، إن «اجتماعات دول مجموعة الـ20 تأتي في وقت يعاني فيه الاقتصاد العالمي من تباطؤ وتيرة النمو وانخفاض في أسعار النفط مع وفرة الإنتاج، بالإضافة إلى إنهاء برامج التحفيز في الولايات المتحدة وما له من تبعات على الأسواق الناشئة».

وخفض صندوق النقد الدولي، الثلاثاء الماضي، توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي للمرة الثالثة منذ بداية العام، محذرا من ضعف النمو في الدول الرئيسية في منطقة اليورو، وفي اليابان، وأسواق ناشئة كبيرة مثل البرازيل.

وفي تقريره الرئيسي بشأن توقعات الاقتصاد العالمي، الذي صدر مطلع الشهر الماضي، خفض الصندوق توقعاته للنمو العالمي إلى 3.‏3 في المائة للعام الحالي و8.‏3 في المائة للعام المقبل.

وكان صندوق النقد، الذي مقره واشنطن، قد توقع، في يوليو (تموز)، نموا اقتصاديا قدره 4.‏3 في المائة في 2014 و0.‏4 في المائة في 2015.

ويشكل ذلك تاسع خفض في 12 تقريرا للتوقعات من الصندوق في السنوات الـ3 السابقة، مع مبالغته بشكل متكرر في مدى تسارع وتيرة تعافي الدول الغنية من مستويات الديون ومعدلات البطالة المرتفعة في أعقاب الأزمة المالية العالمية التي انطلقت شرارتها في العام 2007.

وقبيل الاجتماع، أيضا، كانت الصورة القادمة من الصين أكثر قتامه مع فقد ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، وسط تراجع نمو أنشطة المصانع وانخفاض نمو الاستثمارات لأقل مستوى في نحو 13 عاما؛ مما يعزز وجهات النظر بأن بكين ستحتاج لعمل المزيد لوقف تباطؤ النمو. وبعد شهور من الأداء الفاتر في المصانع وتزايد التأثير السلبي لتباطؤ سوق الإسكان، تحيط الشكوك الآن بإمكانية الوفاء بمستوى النمو المستهدف لاقتصاد الصين هذا العام عند نحو 7.5 في المائة.

وقال مكتب الإحصاءات الوطني، أمس الخميس، إن الاستثمار في الأصول الثابتة، وهو محرك رئيسي للنمو، ارتفع 15.9 في المائة في الشهور الـ10 الأولى من العام، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

ونما إنتاج المصانع 7.7 في المائة عن العام السابق ومقارنة مع 6.9 في المائة في أغسطس (آب)، لكنه جاء دون التوقعات، ويمثل ثاني أضعف وتيرة نمو منذ ذروة الأزمة المالية العالمية. ولطالما غذى الاقتصاد الصيني الأسواق الناشئة وشركات التصدير الأوروبية والأميركية طيلة العقد الماضي. يقول وزير الخزانة الأسترالي، جو هوكي، إن «وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لدول المجموعة، وضعوا استراتيجية لإسهامهم في نمو الاقتصاد العالمي بنحو 1.8 في المائة سنويا على مدار الأعوام الـ5 المقبلة».

يضيف هوكي: «لن ندخر جهدا لتحقيق مستوى النمو المأمول عند 2 في المائة، وإن كانت النسبة الأولى ستسمح بضخ نحو 1.8 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي وخلق ملايين الوظائف».

وتتألف المجموعة من الأرجنتين، وأستراليا، والبرازيل، وكندا، والصين، وفرنسا، وألمانيا، والهند، وإندونيسيا، وإيطاليا، واليابان، والمكسيك، وروسيا، والمملكة العربية السعودية، وجنوب أفريقيا، وتركيا، وكوريا الجنوبية، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة.

ويقول روبيان ريسيد، المحلل الاقتصادي للأسواق المتقدمة لدى «سيتي غروب»: «سيتعين على قادة تلك الدول إيجاد آلية حقيقية لرفع معدلات النمو وإنهاء السياسات التقشفية التي أضرت بالاقتصاد العالمي، خصوصا في منطقة اليورو؛ حيث تلامس نسب النمو الصفر في معظم البلدان».

وفي الربع الثاني من العام الحالي توقف نمو اقتصاد منطقة اليورو بشكل غير متوقع، متأثرا بتراجع النمو في ألمانيا والجمود في فرنسا، وهو ما دق أجراس الإنذار بشأن سلامة اقتصاد المنطقة البالغ حجمه نحو 9.6 تريليون يورو وفق أرقام مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات).

يضيف ريسيد: «ثمة ملفات أخرى هامة يجب مناقشتها على غرار أسعار العملات مع ارتفاع في قراءة مؤشر الدولار مقابل سلة العملات الرئيسية إلى أعلى مستوى له في نحو 4 أعوام، أعتقد أن هذا الملف يأتي في مقدمة الملفات التي تسعى الولايات المتحدة لطرحها».

ومن شأن قوة العملة الأميركية أن تنال من صادرات الاقتصاد الأول بالعالم مع حرب عملات غير معلنة بين البنوك المركزية الكبرى؛ حيث تسعى تلك البنوك إلى خفض قيمة عملتها للوصول إلى مستويات تضخم تحفز النمو عند نحو 2 في المائة، بدا أن الولايات المتحدة تغض الطرف عن محاولات البنوك المركزية الكبرى لتخفيض قيمة عملاتها مقابل الدولار مع مؤشرات على نمو الاقتصاد الأميركي، وتحسن في معدلات البطالة التي تراجعت، في سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى أدنى مستوياتها منذ أغسطس 2008.

وعلى مدار سنوات، سمحت الولايات المتحدة بارتفاع قيمة عملتها أمام سلة من العملات الرئيسية، بما يعطي الفرصة لدفع عجلة الاقتصاد قدما في تلك البلدان.

ويعكس الصمت الحالي حقيقة أن الاقتصاد الأميركي بدأ يسترد عافيته مع الوضع في الاعتبار أن نمو اقتصاديات على غرار منطقة اليورو واليابان يصب أيضا في مصلحة الاقتصاد الأميركي.

ونما الاقتصاد الأميركي بمعدل سنوي بلغ نحو 3.5 في المائة بالربع الثالث من العام الحالي، متجاوزا توقعات بنمو قدره 3 في المائة، ولكن تظهر بيانات أخرى انخفاضا بنحو 3 مليارات دولار في حجم الصادرات الأميركية خلال سبتمبر الماضي، مع ارتفاع الدولار، وهو ما يفقد الصادرات الأميركية جاذبيتها.

وبلغت قيمة الصادرات في سبتمبر 195.6 مليار دولار انخفاضا من مستوى بلغ 198.6 مليار دولار في شهر أغسطس.

وإلى السعودية الممثل العربي الوحيد في دول مجموعة الـ20؛ حيث يعول المراقبون على المملكة العربية السعودية الإسهام الفعال في هذه المهمة من خلال دعم الاقتصاد العالمي، وتجاوز العثرات التي تقابل الدول الخليجية على وجه العموم.

ولدى المملكة ثالث أكبر صندوق استثمارات سيادية في العالم؛ حيث تحتوي مؤسسة النقد العربي السعودي أصولا للمملكة موزعة على مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الأسواق الناشئة والأسواق المتقدمة على حد سواء، بما يجعل القرارات الاستثمارية للمملكة ذات أهمية استثنائية. وشكّل دخول المملكة العربية السعودية إلى مجموعة الـ20 الدولية التي تضم أقوى 20 اقتصادا حول العالم، زيادة في الدور المؤثر الذي تقوم به المملكة في الاقتصاد العالمي، كونها قائمة على قاعدة اقتصادية - صناعية صلبة. يقول توماس آرتنر، المحلل الاقتصادي لدى «ديوليوت»، لـ«الشرق الأوسط»: «للسعودية أهمية خاصة في صياغة الاقتصاد العالمي؛ حيث تظهر المملكة الغنية بالموارد الطبيعية إصرارا على التقدم من خلال تنويع موارد الدخل ودفع عجلة الاقتصاد نحو الأمام».

وجاءت عضوية المملكة في مجموعة الـ20 نتيجة لارتفاع أهميتها مصدرا ومسعرا للطاقة العالمية التي تهم جميع دول العالم، ولارتفاع حجم تجارتها الدولية وتأثير ذلك على دول العالم.

ويمثل اقتصاد السعودية نحو 25 في المائة من اقتصاد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبلغت موازنة المملكة 228 مليار دولار لعام 2014.

ويشير تقرير صندوق النقد الدولي إلى أن المملكة «من أفضل الدول أداء بين اقتصاديات دول مجموعة الـ20 للفترة بين 2008 - 2012 بعد الصين والهند».

وسيتصدر ملف الطاقة محادثات قادة المجموعة، وفقا لتقرير نشره الموقع الإلكتروني لدول مجموعة الـ20.

ويضيف آرتنر: «سيعمل هؤلاء القادة أيضا على إيجاد وسيلة للحد من تراجع أسعار الطاقة مع ارتفاع كلفة الإنتاج في بعض تلك الدول». وتظهر دراسة حديثة أن دول مجموعة الـ20 تنفق نحو 88 مليار دولار سنويا على استكشاف «الوقود الأحفوري»، وكشفت الدراسة التي أعدها المعهد البريطاني «معهد تنمية ما وراء البحار»، ومؤسسة الأبحاث الأميركية «أويل تشينج إنترناشيونال»، أن شركتي «أرامكو» السعودية، و«بتروليو برازيلريو»، أنفقا 17 مليار دولار و11.3 مليار دولار على الاستكشافات.

* الوحدة الاقتصادية بـ«الشرق الأوسط»