المجس الفضائي «فيله» يواصل بث بياناته العلمية من «حفرته الكونية»

العلماء يسابقون الزمن لتغيير موقعه بهدف شحن بطارياته

صورة للمجس الفضائي «فيله» بعد انفصاله عن السفينة «روزيتا» الفضائية الحاملة له متوجها إلى مذنب «67 بي» (إ.ب.أ) - صورة لمذنب «67 بي» التقطتها كاميرات المجس الفضائي «فيله» (أ.ب)
TT

يسابق علماء وكالة الفضاء الأوروبية الزمن للحصول على أكثر ما يمكن من المعلومات التي يبثها المجس الفضائي «فيله» (Philae) الذي هبط على سطح مذنب «67 بي -تشوريموف - جراسيمنكو»، الأربعاء الماضي، وذلك قبل توقفه عن العمل بسبب نفاد إمدادات الطاقة. وهم يجاهدون في الوقت نفسه للحفاظ عليه سالما، بعد انحشاره في موقع بالقرب من شقّ في أحد المنحدرات المظلمة، الأمر الذي لا يسمح له بالتزود بطاقة الشمس لشحن بطارياته الكهربائية.

* بيانات علمية وفي خطوة محفوفة بالمخاطر أعلن العلماء، ظهر أمس (الجمعة)، أنهم شغلوا آلة الحفر الموجودة على متن المجس بهدف تحليل عينات من تربة المذنب، وذلك رغم المخاوف من أن يؤدي ذلك إلى الإخلال باستقرار «فيله» في موقعه غير المستقر أصلا على سطح المذنب.

وأضافوا أنهم يأملون في أن يحصل المجس الروبوتي على عينات يمكن تحليلها في المختبرات الموجودة على متنه.

وقال فيليب غاودن مدير مشروع وكالة الفضاء الأوروبية في مؤتمر صحافي إلكتروني، إن المجس قد استخدم إمدادات الطاقة المتوفرة «لحفر على عمق 25 سنتيمترا داخل تربة المذنب، وأخذ في استخلاص العينات».

من جهته، قال ستيفان يولاميك مدير مشروع المجس الفضائي: «لقد تم تنشيط آلة الحفر، والآمال معقودة على حصولنا على بيانات عن عينات التربة ليلة الجمعة - السبت». وستوجه العينات المستخلصة إلى الأفران الموجودة على متن المجس.

ويمتلك المجس عددا من الأجهزة العلمية للبحث والتقصي، منها آلات حفر، وأفران وكاميرات، ومجسات استشعار لتحليل عينات من تربة المذنب وقياس درجة الحرارة ورصد الأحماض الأمينية، أهم المكونات البيولوجية للحياة. وتمتلك سفينة «روزيتا» أيضا عددا من الأجهزة العلمية التي تساعد العلماء في تصوير ومسح المذنب.

وحتى صباح أمس، استخدم المجس أغلب أجهزته العلمية لاستكشاف المذنب، إذ تم تشغيل جهازين آخرين هما مقياس الحرارة MUPUS، وجهاز «مطياف الأشعة السينية لبروتونات ألفا» APXS رغم احتوائه على أجزاء ميكانيكية متحركة تخوف العلماء من أن عملها قد يهدد استقرار المجس.

وقال العلماء أمس إنهم يتوقعون أن تصل البيانات التالية التي سيبثها المجس الفضائي في الساعات الأولى من صباح اليوم السبت بالتوقيت الأوروبي عبر الاتصالات الفضائية، التي ستضم صورا جديدة. وصرح هولغر سيوكيس المشرف على مجموعة كاميرا التصوير في المهمة الفضائية: «إننا ننتظر مجموعة من صور هبوط المجس الأولى وصور الهبوطين اللاحقين للمجس قبل استقراره على سطح المذنب». وينتظر أن تفسر الصورة كيفية ارتطام المجس وقفزه إلى الفضاء.

* خطط إنقاذ وإذا ظل المجس في موضعه بحلول اليوم (السبت)، فقد يكون آخر يوم عمل له بسبب نفاد الطاقة. وقال العلماء صباح أمس إن إمدادات البطاريات الرئيسية للمجس تكفيه لمدة 24 ساعة، وحال نفادها فإنه سينتقل للعمل على البطاريات الثانوية. وتؤمن البطاريات الرئيسية الطاقة اللازمة لعمل الأجهزة العلمية على متن المجس الفضائي.

إحدى المحاولات التي طرحها العلماء لحل المشكلة أمس هي تدوير المجس بحيث تقابل ألواحه الشمسية، الشمس. وقال يولاميك إنه بالإمكان إنقاذ المجس بتحريكه للقفز على سطح المذنب، لإعادة انتصابه مرتكزا بأرجله الـ3. وذلك بهدف تمكينه من الحصول على أشعة الشمس.

وعلقت البروفسورة مونيكا غريدي الباحثة في جامعة «أوبين يونيفرسيتي» البريطانية على العملية في حديث لـ«بي بي سي» بأن «إحدى النظريات المتداولة تقول إن تنشيط آلة الحفر للمجس الفضائي ستحركه ربما باتجاه دفع الألواح الشمسية للتقابل مع الشمس». وقد يلجأ العلماء وفي خطوة أخيرة لإنقاذ المجس، في وضعه في حالة سبات لحين اقتراب المذنب من الشمس، لإعادته إلى الحياة!

* ارتطام وقفز ولا يزال موقع المجس الذي هبط الأربعاء الماضي، مبهما إلى حد ما للعلماء الذين يحاولون تحديد موقعه الجغرافي بطريقة التثليث الموضعي من خلال دراسة الاتصالات المتبادلة بين «فيله» وسفينة «روزيتا» الفضائية التي حملته قرب المذنب. ووفقا لتقديرات العلماء فإن المجس لا يزال في «دائرة اللاتعيين» حتى الآن! وقال باولو فيري رئيس عمليات المهمة الفضائية في الوكالة الأوروبية إن الصور تظهر «فيله» بالقرب من صخرة غريبة الشكل. وأضاف: «هناك بعض التكهنات بأنه يقع داخل حفرة في المذنب». ووفق ما نقله الموقع الإلكتروني لـ«مختبر الدفع النفاث» التابع لوكالة «ناسا» الفضائية الأميركية فإن العلماء يقولون إن «فيله» يقع في شق قطره 6 أقدام (1.8 متر) وعمقه 6 أقدام أيضا.

وكان «فيله» قد هبط ببطء بسرعة لا تتعدى 3.2 كلم في الساعة على المذنب المنطبق في أعماق الكون بسرعة 66 ألف كلم في الساعة. وقد ارتطم بسطح المذنب مرتين، قفز خلال المرة الأولى مسافة كيلومتر واحد إلى الفضاء بسرعة بلغت 38 سنتيمترا في الثانية، أي 1.37 كلم في الساعة، ثم قفز مرة أخرى لارتفاع أقل بسرعة 3 سنتيمترات في الثانية أي 108 أمتار في الساعة، وذلك بسبب ضعف قوة الجاذبية على المذنب التي تقل عن قوة جاذبية الأرض بـ100 ألف مرة.

وهبط المجس أولا في الساعة 08:03 صباحا بتوقيت غرينتش، إلا أنه لم يستقر عليه أخيرا إلا في الساعة 10 صباحا تقريبا بتوقيت غرينتش. وهو يربض على جانبه ملتصقا بشق قرب أحد المنحدرات في منطقة تبعد بنحو كيلومتر عن موقع هبوطه المقرر، متشبثا برجلين اثنتين من بين أرجله الـ3 فيما بقيت رجله الثالثة معلقة في الهواء. كما أنه يبدو غارقا في الظلمات.

* اتصالات كونية رغم وجودها على بعد نحو 500 مليون كلم عن الأرض، فإن السفينة الفضائية «روزيتا» والمجس «فيله» يرسلان البيانات والصور نحو الأرض بالموجات الراديوية التي تنتقل بسرعة الضوء (300 ألف كلم في الثانية).

وتصل البيانات إلى مركز مراقبة المهمة الفضائية في دارمشتادت بألمانيا خلال 28 دقيقة بعد بثها، إذ تزيد المسافة بين «روزيتا» والأرض بأكثر من 3 مرات عن المسافة بين الشمس والأرض. وتلتقط البيانات الفضائية نظم مطورة من الهوائيات المخصصة لالتقاط الإشارات التي تكون ضعيفة لدى وصولها إلى الأرض.

ولا يمتلك المجس «فيله» نظما مطورة للاتصالات مثل سفينة «روزيتا» إذ إنه لا يبعد عنها سوى 20 كلم، وهو يرسل البيانات من المذنب، كما يستقبلها، عبر «روزيتا».

* أجهزة علمية على متن مجس «فيله»

* من أهم الأجهزة العلمية المنصوبة على متن مجس «فيله»:

* الكاميرات: مجموعة CIVA من الكاميرات الصغيرة جدا لالتقاط مشاهد بانورامية لتضاريس المذنب. أما مجموعة ROLIS من الكاميرات فتلتقط صور المذنب عند الهبوط أو الاقتراب من سطحه.

* مسبار النواة: يوظف الموجات الراديوية لدراسة تركيبة نواة المذنب الداخلية.

* براغي القدم: وهي للحفر في الجليد، توجد في أرجل المجس بهدف تثبيت أرجله على سطح المذنب، إلا أنها لم تعمل.

* آلة حفر لاستخلاص العينات: للحفر بعمق 20 سنتيمترا وجمع العينات وتجهيزها إلى مختبري «كوساك» و«بطليموس» لاختبارها.

* الخطاطيف (الحرب): كان من المفترض أن يتم تشغيلها عند الهبوط لتثبيت المجس على السطح، إلا أنها لم تعمل.

*: مجسات استشعار السطحMUPUS : توجد على مرتكز المجس «فيله»، مخصصة لقياس كثافة سطح المذنب وما تحت سطحه، وكذلك خصائصه الحرارية

* تعاون فضائي دولي لخدمة البشرية

* سجل العلماء الأوروبيون نصرا علميا رائدا في خدمة البشرية، إذ أثمر تعاون علماء دول المجموعة الأوروبية مع علماء من بلدان أخرى عن نجاحهم في الهبوط على سطح مذنب، لأول مرة في التاريخ.

وقد نجحت وكالة الفضاء الأوروبية في الحصول على الأموال اللازمة لإرسال مهمة «روزيتا» و«فيله» التي تكلفت 1.4 مليار يورو. وبلغت موازنة الوكالة عام 2013، 4.28 مليار يورو جاءت نسبة 21.3 في المائة منها من الاتحاد الأوروبي بينما جاءت النسبة المتبقية من الدول الأعضاء ومن الدول المرشحة للدخول في العضوية، إضافة إلى مساهمات من كندا وسويسرا والنرويج.

وتمتلك الوكالة الأوروبية مراكز في أنحاء أوروبا، منها مركز لتدريب رواد الفضاء في كولون، ومركز المراقبة الفضائية في دارمشتادت، ومراكز أخرى للأبحاث والتكنولوجيا، ومراقبة الأرض، وأبحاث الفلك.