السعودية في قمة العشرين صمام الأمان لأسواق الطاقة

حافظت على استقرار الأسواق مرات عديدة

TT

«إننا لا نسعى إلى تسييس النفط.. في نظرنا أنها مسألة عرض وطلب.. إنها تجارية محضة». هذه الكلمات البسيطة التي ألقاها وزير البترول السعودي علي النعيمي الأسبوع الماضي في المكسيك، هي تلخيص للسياسة النفطية السعودية.

وجاءت هذه الكلمات البسيطة في وقت مهم جدا. إذ لا يفصل بين خطاب النعيمي ومشاركة المملكة في اجتماع قادة دول العشرين في أستراليا سوى أيام بسيطة، ولا يفصل بينه وبين اجتماع منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) سوى أسبوعين.

وعندما تضع الدول كروت قوتها على الطاولة في اجتماع مجموعة العشرين، تضع السعودية كرت الطاقة ليس لأنها أكبر دولة مصدرة للنفط بل لأنها صمام أمان الأسواق لسنوات طويلة والبنك المركزي للنفط في العالم.

واليوم تواجه السعودية حملة شرسة من السوق وخرجت الكثير من السيناريوهات والقراءات المختلفة لما تقوم به السعودية مع فقدان أسعار النفط حاليا نحو 30 في المائة من قيمتها في يونيو (حزيران) الماضي. وذهبت عدة سيناريوهات إلى أن السعودية تسعى لخفض الأسعار وشن حرب أسعار مع باقي المنتجين في أوبك بهدف الحفاظ على حصتها السوقية وإضعاف إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة الذي سيكون منافسا محتملا لأوبك.

ووضعت هذه السيناريوهات المملكة على مسار تصادمي مع الولايات المتحدة ومع روسيا وهما دولتان مهمتان في مجموعة العشرين. فبقاء أسعار النفط في مستوى منخفض من المفترض أن يقوض إنتاج الدولتين من النفط ويضعف ميزانية روسيا بشكل كبير.

ولكن خطاب النعيمي جاء ليبعد السعودية عن كل هذه السيناريوهات عندما قال: «نحن لا نسعى للتصادم مع أحد». ولم يتوقف النعيمي عند هذا الحد بل أوضح أن السوق هي من يحدد السعر لا السعودية.

وأضاف النعيمي في خطابه الذي ألقاه في مؤتمر عن الغاز الطبيعي في منتجع أكابولكو المكسيكي «الحديث عن حرب أسعار علامة على سوء فهم مقصود أو غير ذلك ولا أساس له من الواقع».

وفي العادة لا يصدق الناس ما يسمعونه في الخطابات. وإذا لم يكن هناك دليل مادي فإن الكلمات التي يقولها النعيمي ستصبح جوفاء. لكن ما يميز النعيمي عن غيره من وزراء أوبك أنه لا يلقي كلمات جوفاء وكل كلماته مدعومة بأدلة، ولهذا لا يوجد أحد يؤثر في السوق ويحركه مثلما يؤثر النعيمي.

والدليل على ما قاله النعيمي هذه المرة هو ورقة واحدة صدرت في أول أسبوع في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عنوانها هو «قائمة الفروق السعرية لأرامكو السعودية لشهر نوفمبر». وأظهرت القائمة الصادرة أن السعودية رفعت أسعار النفط على زبائنها في آسيا وأوروبا فيما قدمت تخفيضات على زبائنها في الولايات المتحدة. وبهذا أنهت المملكة التكهنات حول وجود أي حرب أو دوافع سياسية خلف طريقة تسعيرها للنفط بشهادة أغلب المحللين في السوق وأكبر المصارف الاستثمارية التي تتاجر في النفط الخام.

وأوضح النعيمي أن أرامكو تضع أسعارها الشهرية لنفطها على «خطوات تسويقية راسخة لا أقل ولا أكثر». وشرح النعيمي للحضور في المكسيك كيفية ذلك؛ فهي تراعي أمورا كثيرة منها وضعية الهوامش الربحية للمصافي والعلاقة مع الزبائن والحالة التي تكون عليها السوق وبعض العوامل العلمية والعملية الأخرى.

وعند سماع كلمات النعيمي يتبادر إلى الذهن سؤال وهو ماذا تريد المملكة إذن؟ وما الدور الذي تريد أن تلعبه في الأسواق إذا لم تكن تهدف إلى أن تستخدم النفط كوسيلة سياسية لدعم نفوذها؟! ويجيب النعيمي في نفس الخطاب عن هذا السؤال عندما يقول: «نريد أسواق نفط مستقرة وأسعارا مستقرة لأن في ذلك مصلحة للمنتجين والمستهلكين والمستثمرين».

لقد تعلمت السعودية بعد أكثر من 50 عاما على قيادتها منظمة أوبك أن استقرار الأسواق وأسعار النفط أهم بكثير من الحصول على أسعار عالية متذبذبة. وهذا ما جعل النعيمي يقول في خطابه إن السياسة النفطية السعودية ثابتة منذ وقت طويل ولم تتغير.

والسبب في هذا أن السعودية لديها نظام سياسي ثابت وآمن وليس نظاما سياسيا معرضا للتقلبات كما أن الدولة تدرك تماما بعد تجاربها في السبعينات والثمانينات أن السياسة عود كبريت يجب ألا يقرب كثيرا من النفط القابل للاشتعال ولهذا عملت على عزل السياسة عن النفط بشتى الطرق الممكنة.

وبالتأكيد لا يمكن أن يعيش النفط في عزلة تامة عن السياسة الدولية ولكن أن يكون مكشوفا على السياسة وأن تكون السياسة هي المحرك الأول له لا عوامل وقوى السوق فهنا ستكون السياسات النفطية غير واضحة وهذا سينعكس على الأسعار وعلى نمو الطلب على النفط، وهو أمر لا يريده منتج كبير مثل السعودية.

وتلعب الطاقة دورا كبيرا في علاقة السعودية بدول مجموعة العشرين، فهم إما منتجون للطاقة ومنافسون لها مثل روسيا أو زبائن كبار لها مثل الهند والصين والولايات المتحدة.

وبالنسبة لزبائن السعودية الكبار فإن استقرار السوق والأسعار أمر مهم جدا، والأهم من هذا أن تكون الأسعار في مستويات مقبولة وعادلة للجميع تساعد على الاستهلاك والنمو الاقتصادي ولا تضر بالاستثمار لإضافة طاقات إنتاجية جديدة.

وحافظت السعودية على استقرار الأسواق مرات كثيرة آخرها بزيادة إنتاجها منذ عام 2011 لتغطية كل الانقطاعات الحاصلة في دول أوبك وهو ما أبقى أسعار النفط مستقرة عند مستوى 100 دولار لأطول فترة في تاريخ الأسعار دامت نحو 3 سنوات أو يزيد قليلا.

ولكن استقرار السوق والوصول إلى أسعار مرضية للجميع لن يتم إلا بالحوار ولهذا أدركت المملكة أهمية الحوار مع المستهلكين وباقي المنتجين من خلال أكثر من قناة من بينها الأوبك أو منتدى الطاقة العالمي الذي توجد أمانته العامة في الرياض ويعمل على تقريب وجهات النظر بين المنتجين والمستهلكين.

ويقول النعيمي إنه بعد السنوات الطويلة جدا التي قضاها في تجارة النفط فإنه تعلم درسا مهما جدا وهو أهمية مناقشة أي أمر في إطار تعاوني «ولذلك فإنه من الضروري أن يستمر الحوار بين أوبك والبلدان المنتجة من خارج أوبك والمستهلكين».