خبراء يستبعدون سقوط كوباني

المعركة تحولت إلى «حرب استنزاف» للتنظيم

جندي تركي يحاول منع ماعز من عبور الأسلاك الشائكة للحدود التركية مع كوباني «عين العرب» أمس (أ.ب)
TT

باتت الوقائع العسكرية على الأرض تؤكّد أن سقوط «كوباني» الذي كان وشيكا بات صعبا على أيدي «داعش» في ظل مقاومة شرسة من المقاتلين الأكراد. كما تشير المعطيات إلى أنه قد يحدث انسحاب مفاجئ للتنظيم من «كوباني»، وفق ما يقول مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن.

وذكر المرصد أن الاشتباكات العنيفة استمرت في الجبهة الجنوبية منذ أكثر من 36 ساعة، بين مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردي وتنظيم داعش، ما أدى إلى وقوع إصابات من الطرفين كما شهدت الجبهة الجنوبية الشرقية معارك مماثلة. كذلك نفذ عناصر تنظيم داعش هجوما على طريق حلنج - كوباني، في جنوب شرقي المدينة، في محاولة لاستعادة السيطرة على الطريق الذي تمكنت الوحدات الكردية من السيطرة عليه قبل نحو يومين، ما أدى لمصرع ما لا يقل عن 8 مقاتلين من التنظيم.

ولفت المرصد إلى اشتباكات في منطقة البلدية بين وحدات الحماية والتنظيم، وسط معلومات عن تقدم للوحدات في المنطقة، كما شهدت جبهة الحج رشاد والبلدية تبادل إطلاق نار واشتباكات متقطعة بين الطرفين. كما نفذت مقاتلات كرديات في وحدات حماية الشعب الكردي، وفق المرصد، هجوما على تمركزات للتنظيم في قرية منازي بالريف الغربي للمدينة كما استهدف مقاتلون من وحدات الحماية، عربة ودراجة نارية لـ«داعش» على طريق الإذاعة وبالقرب من قرية منازي، ما أدى لمصرع عدد من مقاتلي التنظيم، وهناك أنباء عن خسائر بشرية في صفوف مقاتلي الوحدات.

ويقول الخبير الفرنسي في الشؤون الإسلامية رومان كاييه لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنّ «داعش» يسيطر على أكثر من نصف المدينة لكنه لم يعد يحرز تقدما. مضيفا: «قبل أسابيع، كل شيء كان يؤشر إلى سقوط وشيك لكوباني ومن الواضح اليوم أنها لن تسقط».

وقبل أسبوعين كان قد عبر المنسق الأميركي لحملة الائتلاف العربي الدولي ضد الإرهاب الجنرال المتقاعد جون آلن عن قناعته بأن «كوباني ليست على وشك السقوط في أيدي» تنظيم داعش، وذلك بعد وصول قوات البيشمركة العراقية إلى المدينة لدعم المقاتلين الأكراد.

وبدا منذ ذلك الوقت أن المعركة تشهد نقطة تحول، وذلك بعد أيام على تعبير مسؤولين أميركيين، وعلى رأسهم الرئيس باراك أوباما، عن «قلقهم الشديد» على كوباني بينما كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يؤكد أن «كوباني على وشك السقوط».

وبدأ الهجوم على عين العرب في 16 سبتمبر (أيلول) بعد سلسلة نجاحات لـ«داعش» في مناطق مختلفة من سوريا. وتمكن التنظيم من التقدم سريعا نحو المدينة الحدودية مع تركيا، واستولى في طريقه على مساحة واسعة من القرى والبلدات، ما تسبب بنزوح عشرات آلاف الأشخاص. وفي السادس من أكتوبر (تشرين الأول)، دخل مقاتلو التنظيم كوباني، وتمكنوا من السيطرة على أكثر من نصفها.

ويقول كاييه «وقع داعش في كمين محكم. فالولايات المتحدة أعلنت أن كوباني ليست نقطة استراتيجية في نظرها. لكن الواقع أن طائراتها كانت كثفت غاراتها. وليس أسهل على طائرات من استهداف مدينة فرغت من السكان». فما إن كان المقاتلون الجهاديون يستولون على مبنى ويتركون فيه عناصر لحمايته، حتى يصل طيران الائتلاف ويقصف المبنى ويقتل عددا كبيرا من المسلحين.

وقال الباحث «المقاتلون سوريون، لكنهم أيضا من الأوزبك والشيشان، وبالتالي، متمرسون بالقتال. عدد القتلى بينهم هو ضعف عدد القتلى بين المقاتلين الأكراد».

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، قتل في معركة كوباني 609 عناصر من تنظيم داعش و363 عنصرا من «وحدات حماية الشعب» الكردية، و24 مدنيا.

وفوجئ التنظيم الذي كان يرى المدن والجبهات (في سوريا والعراق) تفرغ حتى قبل وصوله نتيجة الرعب الذي يثيره وقوة ترسانته من الأسلحة والذخائر، بمقاومة الأكراد الشرسة. ويقول مدير المرصد رامي عبد الرحمن «نفذ التنظيم 23 عملية انتحارية في مدينة تتراوح مساحتها بين 6 و7 كيلومترات ولم يتمكن من الاستيلاء عليها». سائلا: «ماذا يمكنه أن يفعل بعد؟».

ويضيف «الواقع أن التنظيم لم يعد يحشد قوات بالكثافة نفسها (...) ولم يعد يركز على المدينة التي تحولت المعركة فيها بالنسبة إليه إلى حرب استنزاف».

ويوضح «لم تتغير الخريطة على الأرض كثيرا منذ دخول قوات البيشمركة العراقية إلى كوباني» في نهاية أكتوبر، إلا أن المعارك العنيفة تركت مكانا لـ«اشتباكات متقطعة لا سيما في وسط المدينة وجنوبها، بينما الدور الأساسي حاليا هو لعمل القناصة». وأشار إلى أن «قناصة داعش ينتشرون على كل الأبنية في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم وعلى خطوط التماس».

ويؤكد عبد الرحمن أن المقاتلين الأكراد استعادوا المبادرة، لكن «التقدم الذي تحرزه قوات البيشمركة ووحدات حماية الشعب هو احتلال أبنية، فالمعركة معركة شوارع».

ويشير إلى «عمليات ناجحة» أخرى يقوم بها المقاتلون الأكراد خارج كوباني في مناطق سيطر عليها داعش لكن يتعذر عليه حراستها بقوات مكثفة، معتبرا أن «هذه العمليات تزيد من إرباك التنظيم ومن توتره».

نتيجة ذلك، يخلص مدير المرصد إلى أن «الأسلحة التي دخلت للأكراد والمقاتلين الذين وصلوا إلى كوباني وتسليط الأضواء الإعلامية العالمية على المدينة (...) كل ذلك رفع معنويات الأكراد وساهم في صمودهم، وجعل سقوط المدينة مستبعدا (...) إلا في حال حصول مفاجآت».

قبل المقاتلين الأكراد العراقيين (عددهم 150)، كان عدد من عناصر الجيش السوري الحر انضم أيضا إلى المقاتلين ضد التنظيم داخل كوباني، ليصل عدد هؤلاء في المدينة إلى نحو مائة، بحسب ما يقول الصحافي الكردي فرهاد الشامي المقرب من «وحدات حماية الشعب».

ويرى الشامي الموجود في كوباني في حديث لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن «الطيران ووصول القوات والسلاح الذي دخل المدينة كان لها دور كبير في توقف تمدد داعش»، مضيفا أن التنظيم «شن هجمات عدة على البوابة الحدودية مع تركيا، ولو تمكن من الإمساك بها، لكانت انتهت معركة كوباني لمصلحته بنسبة 80 في المائة».

ويضيف «لكنه اليوم تراجع كثيرا، لا سيما خلال اليومين الماضيين». ويقول الشامي من جهته «نعايش انكسارا سريعا لداعش حاليا في كوباني».

لكنه لم يستبعد استمرار الحرب، ولو توقفت الهجمات. وقال: «إذا أنقذت المدينة، فهذا لن يعني أنها لن تبقى محاصرة. هناك أكثر من 360 قرية في محيطها تحتاج إلى إنقاذ»، داعيا «العشائر العربية في هذه القرى إلى الانتفاض» وإلى تزويد «كوباني بالأسلحة الثقيلة، وهو المطلب الأساسي».