السعودية قدمت أخيرا 15 مليار دولار لصندوق النقد الدولي ودعمت سياسات النمو

عضوية المملكة في مجموعة العشرين تجعلها طرفا مؤثرا في صنع السياسات الاقتصادية العالمية

TT

أسهم الدور المؤثر للسعودية بالاقتصاد العالمي في انضمامها لمجموعة العشرين التي تضم أقوى 20 اقتصادا حول العالم، وذلك للبعد الدولي التي تؤثر فيه الرياض، من خلال دورها الواسع في أسواق الطاقة، إضافة إلى مشاركتها الفعالة في التنظيمات المالية والاقتصادية، في ظل ما حققه الاقتصاد السعودي من تنامٍ متواصل يعد من الأعلى بين اقتصاديات مجموعة العشرين الدولية.

وأسهمت السياسة الاقتصادية التي انتهجها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في تفعيل دور المملكة بالاقتصاد العالمي، في ظل ما يملكه الاقتصاد السعودي من أساس قوي ضد الأزمات المالية العالمية، التي وضحت في شبه انعدام تأثير الأزمة المالية العالمية التي ضربت الاقتصاد العالمي في 2008، على اقتصاد المملكة.

ورغم انخفاض أسعار البترول بعد تلك الأزمة إلى مستويات غير مسبوقة، فإن خادم الحرمين الشريفين أعلن عن برنامج استثماري اقتصادي يحمي اقتصاد المملكة من تلك الانخفاضات في أسعار البترول، حيث تبنّت السعودية خطط تنمية شاملة مستدامة ونمو متوازن للنظام المصرفي السعودي.

وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز قد أكد في مشاركته في قمة مجموعة العشرين الاقتصادية بواشنطن 2008 أن الخلل في الرقابة على القطاعات المالية أسهم في سرعة انتشار الأزمة المالية، ودعا إلى تعزيز الدور الرقابي لصندوق النقد الدولي، كما حذر من مخاطر العولمة غير المنضبطة، وأن الحلول تتطلب تنسيقا وتعاونا دوليا، وأعلن عن تخصيص مبلغ 400 مليار دولار تُصرَف لدعم الاقتصاد السعودي خلال السنوات الـ5 المقبلة بوصفها إنفاقا استثماريا.

وأكد في ذلك الوقت استمرار المملكة بالقيام بدورها في العمل على استقرار السوق البترولية، متطلعا إلى تعاون الدول المستهلكة، من خلال عدم استهداف البترول بسياسات تؤثر سلبا عليه، ومؤكدا مواصلة المملكة لسياساتها بمساعدة الدول النامية على مبدأ التقاسم العادل للأعباء في أي جهود دولية تُبذل لمعالجة الأزمة وتداعياتها.

وأكد خادم الحرمين خلال دورة من دورات اجتماعات مجموعة العشرين قدرة النظام المالي في المملكة على الصمود، التي تعززت على مدار السنوات الماضية، بفضل الإجراءات الصارمة والرقابة الاستباقية، مفيدا بأن النظام المصرفي احتفظ بسلامة أوضاعه وبمستويات ربحيّته ورسملته المرتفعة حتى في أعقاب الأزمة العالمية الأخيرة.

ورحّب خادم الحرمين الشريفين بالتقدم المحرَز بشأن قضايا إصلاح حقوق التصويت ورأس المال في البنك الدولي للإنشاء والتعمير وإصلاحات صندوق النقد الدولي، مؤكدا أهمية تناول مقترحات الإصلاح كحزمة متكاملة.

وتضم مجموعة العشرين كلا من السعودية، والأرجنتين، وأستراليا، والبرازيل، وكندا، والصين، وفرنسا، وألمانيا، والهند، وإندونيسيا، وإيطاليا، واليابان، والمكسيك، وروسيا، وجنوب أفريقيا، وكوريا الجنوبية، وتركيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأميركية، ثم الاتحاد الأوروبي المكمل لمجموعة العشرين، إلى جانب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وتأتي أهمية المجموعة ليس على المستوى الاقتصادي والتعاون فيما بينها فحسب، بل كونها تمثل ثلثي سكان العالم، أي غالبية الدول، وبالتالي فإن النتائج لاجتماعات مجموعة العشرين سيكون لها نتائج إيجابية حاضرا ومستقبلا كونها أيضا لا تتوقف على الجانب الاقتصادي، بل والجوانب الأخرى السياسية والاجتماعية، كون الاقتصاد هو المحرك الرئيسي للسياسة التي قد تنعكس سلبا أو إيجابا على الحياة الاجتماعية للشعوب.

وقال خالد الضبعان الخبير الاقتصادي إن الاقتصاد السعودي متماسك وقوي الأساسات، كما هو الحال في دول مجلس التعاون الخليجي، مشيرا إلى أن سياسة تكوين احتياطيات في وقت الرخاء، والضخ منها في وقت الشدة، أسهمت في أن تكون السعودية بمأمن أمام المتغيرات الاقتصادية والسياسية، الأمر الذي أعطى ميزة إضافية للاستثمار في هذه البقعة من العالم.

وأضاف الضبعان: «شاهدنا أكبر مثال على ذلك؛ إعلان عدد من الشركات العالمية عن الاستثمار في دول مجلس التعاون، كإعلان شركة (جنرال إلكتريك) استثمار مليار دولار في السعودية، حيث إن معايير (جنرال إلكتريك) كعلامة تجارية موثوقة يعطي مؤشرا واضحا للبيئة التي تتمتع بها المملكة». وتابع الخبير الاقتصادي: «لا تزال القيادة في السعودية تعمل على تحفيز القطاع الخاص لتسلم مبادرة قيادة النمو الاقتصادي، الذي عملت عليه الحكومة في وقت الشدة إبان الأزمة المالية العالمية، وكما تنظر إلى اقتصاديات الدول في منطقة الشرق الأوسط فهي دول سريعة النمو، وبالتالي فإن العالم بحاجة إلى مشاركة تلك الدول في عمليات النمو والاستفادة منها، مما يعمل على وجود حراك دائم في المنطقة التي بدأت تأخذ اهتماما أكبر نظرا لمقوماتها المختلفة من كونها أسواقا واعدة وناشئة، وهو ما حدث مع السعودية في مجموعة العشرين».

وسجّل دخول السعودية عضوا في أكبر مجموعة اقتصادية في العالم اعترافا بأهميتها الاقتصادية، ليس في الوقت الحاضر فقط، إنما في المستقبل أيضا، وتعطي العضوية في هذه المجموعة للمملكة قوة ونفوذا سياسيا واقتصاديا ومعنويا كبيرا يجعلها طرفا مؤثرا في صنع السياسات الاقتصادية العالمية التي تؤثر في اقتصاد المملكة واقتصادات دول المنطقة. وجاءت عضوية المملكة في مجموعة العشرين نتيجة لارتفاع أهميتها بوصفها مصدرا ومسعرا للطاقة العالمية التي تهمّ جميع دول العالم، ولارتفاع حجم تجارتها الدولية وتأثير ذلك على دول العالم، كما جاءت نتيجة لارتفاع مواردها المالية، التي من المتوقع أن تزداد في المستقبل، وتزيد من أهمية المملكة في الاقتصاد العالمي. ولهذا فإن السياسات المالية التي تتخذها المملكة لا تؤثر في اقتصادها فقط، إنما لها تأثير واضح وواسع في المستوى العالمي، حيث تؤثر في نشاط الاقتصاد العالمي، من خلال تأثيرها في التجارة العالمية، ومن خلال التحويلات إلى الخارج، وسياسة الاستثمار في الأوراق المالية العالمية.

وأسهم توسع دائرة تأثيرات الدور الاقتصادي السعودي في المنطقة في تصنيف المملكة من بين أفضل اقتصادات العالم الناشئة، جنبا إلى جنب مع دول صاعدة كبرى، كالصين والهند وتركيا، وسط ما تمثله المملكة من ثقل اقتصادي مهول في منطقة الخليج والشرق الأوسط والبلدان العربية.

وأكدت مؤسسة التصنيف العالمية «فيتش» متانة الاقتصاد والقوة المالية للمملكة وحسن إدارتها استثماراتها الخارجية واحتياطياتها من النقد الأجنبي، والإشراف المنضبط على القطاع البنكي، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي عام 2011 أكثر من 430 مليار يورو بنسبة نمو بلغت 28 في المائة من الأسعار الحالية، وبمعدل نحو 7.1 في المائة بالأسعار الثابتة، حيث حققت جميع الأنشطة الاقتصادية المكوّنة للاقتصاد السعودي نموا إيجابيا، بما في ذلك زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، حيث بلغت نحو 48.8 في المائة في ذلك العام. وارتفعت أرقام النمو للربع الأول من هذا العام، حيث وصلت إلى (5.9 في المائة)، وبسبب هذه النتائج الإيجابية، فقد أبقت مؤسسات التصنيف العالمية التصنيف الائتماني للمملكة على درجة التميّز (AA –)، كما أكد تقرير صندوق النقد الدولي لعام 2011 أن المملكة حققت، على مدار العقود الماضية، إنجازات هائلة في مؤشرات التنمية الاجتماعية، ونجحت في تجاوز التباطؤ العالمي.

وأعلنت المملكة أخيرا عن دعمها لموارد صندوق النقد الدولي بـ15 مليار دولار، في إطار الجهود الدولية لمعالجة تداعيات الأزمة المالية العالمية، خاصة في دول منطقة اليورو. وبلغ مجموع التدفقات الاستثمارية الأجنبية الداخلة إلى المملكة في عام 2011 أكثر من 145 مليار ريال، وارتفع بذلك إجمالي رصيد الاستثمارات الأجنبية في المملكة إلى 600 مليار ريال بنهاية أبريل (نيسان) لعام 2011، طبقا للتقارير الصادرة عن منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد).

وتأكيدا للدور المالي التي تعمل عليه السعودية، أعلنت أخيرا عن إنشاء مشروع مركز الملك عبد الله المالي بمدينة الرياض، الذي يُتوقع تدشينه قريبا، وذلك على مساحة تبلغ 1.6 ألف متر مربع، حيث يُعدّ المركز واحدا من أكبر المراكز المالية الرئيسية في العالم، وذلك لوجوده بأحد أكبر اقتصاديات المنطقة، وهو الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط من حيث الحجم والتنظيم والمواصفات التقنية والتجهيز.