في السفر للفضاء.. المخاطر والتكاليف

تحويلها إلى خطوط تجارية في متناول الجميع ما زال صعبا تحقيقه

طائرة فيرجين غالاتيك التي تحطمت مثيلتها في غرب الولايات المتحدة في رحلة تجريبية (أ.ب)
TT

ظل السفر إلى الفضاء ولفترات ممتدة حكرا على الحكومات والشغوفين بالعلوم والفلك، ولكن شهدت السنوات الأخيرة مجموعة من الشركات التجارية الجديدة، التي غالبا ما تأتي كواجهة لرجال أعمال من أصحاب المليارات، والتي تسعى إلى احتلال مكان لها في سباق الفضاء.

تضخمت قائمة الراغبين في السفر إلى الفضاء، جنبا إلى جنب مع طموحاتهم من وراء ذلك، ومن بينهم جيف بيزوس، مؤسس موقع أمازون، الذي أسس شركة «بلو أوريجين الفضائية» لتخفيض تكاليف تكنولوجيا الفضاء، وهناك إيلون ماسك الذي أسس شركة «سبيس إكس الفضائية» بهدف الوصول إلى كوكب المريخ يوما ما، وكذلك السيد ريتشارد برانسون الذي أسس شركة الرحلات الفضائية المعروفة باسم «فيرجين غالاكتيك».

ولكن كانت هناك حادثتان أخيرتان تتعلقان بالصواريخ الفضائية التجارية ضاعفتا من مقدار المخاطر العالية ومن التكاليف الباهظة التي تتضمنها أي رحلة إلى الفضاء.

وقبل أسبوع، انفجرت طائرة فضائية تابعة لشركة «فيرجين غالاكتيك» أثناء رحلة طيران تجريبية فوق صحراء موهافي بولاية نيفادا؛ مما أسفر عن مقتل أحد الطيارين الاثنين وإصابة الآخر، وقبل أيام، انفجر صاروخ، تابع لمؤسسة «أوروبيتال ساينس» كان يحمل سفينة إمدادات إلى المحطة الفضائية الدولية، بعد ثوان من انطلاقه.

لا تزال كلتا الحادثتين قيد التحقيقات، ورغم أنهما حادثتان منفصلتان، فإن وقوعهما على فاصل زمني قريب، كان بمثابة تذكرة قوية بأن الطريق إلى الفضاء هو بالقدر نفسه من الصعوبة على الشركات الخاصة، كما هو الأمر بالنسبة للبرامج الممولة من قبل الحكومات.

يقول سكوت بيس، مدير معهد سياسات الفضاء لدى جامعة جورج واشنطن والمدير المساعد السابق في وكالة ناسا الفضائية الأميركية: «لا تتسم علوم الهندسة والفيزياء الفضائية بالتسامح بصرف النظر عن الشخصيات».

ويكمن الخط الرابط بين مبادرات الفضاء الجديدة في أنها جميعها تبحث في سبل تخفيض تكاليف الرحلات الفضائية بشكل كبير، ومن دون تحقيق ذلك، كما يفيد المحللون، فليس هناك أمل حقيقي في جعل الرحلات الفضائية تسير بشكل روتيني وفي متناول الجميع مستقبلا.

ويقول بيس: «إن ما نراه أمامنا ليس إلا تجارب مختلفة، تجريها مجموعات مختلفة، تنتهج مسارات مختلفة. وبالنسبة لي، فإن ذلك لا يثير قدرا من التحدي أمام المنطق الأساسي القائم من حيث الاعتماد على القطاع الخاص».

إن السعي في اتجاه خصخصة الرحلات الفضائية في جزء منه، يحمل قدرا من الضرورة، بعد حيازة قصب السبق في استكشاف الفضاء والهبوط على سطح القمر مع برامج، مثل: عطارد، والجوزاء، وأبوللو، كان على وكالة ناسا التكيف مع ميزانيات مقيدة، وإعادة تعريف مهمتها، واليوم، واحد من أهم أهدافها هو تشجيع وتمويل تطوير الكيانات الفضائية التجارية.

تقول لوري بي جارفر، وهي نائبة المدير السابق في وكالة ناسا وأحد أبرز دعاة الرحلات الفضائية التجارية خلال فترة شغلها لمنصبها، إنه «يجب على التمويلات الحكومية أن تركز على الأنشطة التي تعمل على تقدم التكنولوجيا وتوفير المنافع العامة للجميع، مثل علم الكواكب».

وقالت، في الوقت نفسه، إنه «ينبغي على الحكومة تشجيع الشركات الخاصة للمضي قدما والعثور على سبل مبتكرة لتخفيض التكاليف»، وأضافت: «في تقديري، فإن القطاع الخاص لديه الحافز نفسه، أو حتى أكثر من ذلك، لوضع الأمور في نصابها الصحيح على غرار ما تفعل الحكومات، وإذا ما عهدنا بالأمور الخطيرة إلى الحكومات فحسب، فسوف نطير في طائرات لا تملكها أو تديرها إلا الحكومات».

لدى الكثير من العمليات التجارية الحالية نوع من أنواع الدعم الحكومي؛ حيث تعمل شركة «أوروبيتال ساينس» بموجب عقد بقيمة 1.9 مليار دولار من وكالة ناسا من أجل تسليم شحنة من الإمدادات إلى المحطة الفضائية الدولية، وقد انفجر صاروخها المسمى «قلب العقرب» في الرحلة الثالثة من أصل 8 رحلات لإعادة الإمداد.

ويصدق الشيء نفسه على شركة «سبيس إكس»، التي مُنحت أخيرا عقدا بقيمة 2.4 مليار دولار من قبل وكالة ناسا من أجل بناء نظام لنقل رواد الفضاء خلال السنوات الـ3 القادمة، وكانت شركة «سبيس إكس» قد مُنحت في وقت سابق عقدا بقيمة 1.4 مليار دولار من أجل تسليم شحنة من الإمدادات إلى المحطة الفضائية الدولية، وفازت شركة «بوينغ» أيضا بعقد من وكالة ناسا بقيمة 4.6 مليار دولار مقابل بناء مركبة فضائية قادرة على نقل رواد الفضاء إلى المحطة الدولية.

سعت شركة «سبيس إكس» إلى تخفيض النفقات بمختلف الطرق، وتستخدم الصواريخ التابعة لشركة «أوروبيتال» زوجا من المحركات المجددة التي صنعت في الاتحاد السوفياتي في فترة الستينات والسبعينات، وقد صممت تلك المحركات للصواريخ السوفياتية المسافرة إلى القمر، ولم يتم استخدامها أبدا وظلت في مخازنها لعقود، وقد تم تجديد تلك المحركات بواسطة شركة أميركية، وألحقت بصاروخ «قلب العقرب» بواسطة شركة «أوروبيتال».

ولكن شركة «سبيس إكس»، على النقيض من ذلك، فقد قامت ببناء محركاتها للصاروخ المسمى «فالكون 9»، وهي تهدف إلى تخفيض النفقات، على المدى البعيد، عن طريق إعادة استخدام الصاروخ نفسه، وقد نجحت الشركة في إطلاق اختبار لصاروخ عرف باسم «الجراد»، وقد طاف الصاروخ حتى ارتفاع بلغ 2400 قدم ثم عاد إلى نقطة انطلاقه.

ولكن جهود الشركة في هبوط الصاروخ «فالكون 9» باءت بالفشل، رغم أن الشركة صرحت بأنها كانت تقترب من النجاح في ذلك، وفي شهر أغسطس (آب)، تحطم صاروخ كبير في اختبار الوصول إلى ارتفاعات عالية بعد وقت قصير من انطلاقه، ولم يتعرض أحد للإصابة جراء ذلك.

يقول السيد ماركو إيه كاسيريس، وهو محلل فضائي في مجموعة «تيل للاستشارات» في فيرجينيا: «تبحث وكالة ناسا عن أرخص سبل الوصول إلى الفضاء، ولكن المشكلة تكمن في أن الموثوقية والسعر المرتفع غالبا ما يقترنان سويا».

ويضيف، فيقول: «قد يكون من غير المعقول أن تتوقع سداد قدر ضئيل من المال من أجل الحصول على مركبة فضائية موثوق فيها، لأن ذلك الأمر يتكلف الكثير من المال».

وتعتبر «فيرجين غالاكتيك» استثناء لنموذج شركات إطلاق الصواريخ الممولة حكوميا، كانت الشركة تعمل على سفينة فضاء تجريبية لنقل الركاب في مقابل مادي إلى حافة الفضاء الخارجي ثم العودة بهم إلى الأرض.

وكانت السفينة، المعروفة باسم «سفينة الفضاء اثنان»، مصممة لكي يتم إطلاقها من الطائرة، ثم ينقلها الصاروخ إلى ذروة الرحلة عند ارتفاع نحو 62 ميلا، وهو ارتفاع يعتبر حدود الفضاء الخارجي، وفي قمة صعودها، ينبغي أن يلتف ذراعان في منطقة الذيل في حركة تناوبية تصاعدية في داخل موضع الزعانف من المحرك الذي يعمل على توفير المزيد من قوة السحب والاستقرار، والسماح للطائرة بالرجوع بهدوء إلى الغلاف الجوي للأرض.

قال المحققون الفيدراليون في الحوادث، إن «الطائرة قد تحولت في وقت مبكر إلى مرحلة السحب العالي قبل وقوع الحادثة في يوم الجمعة، وذلك لأسباب لم يتم الكشف عنها إلى الآن»، وقال المحققون أيضا إنه «من السابق لأوانه الخروج بأي استنتاجات حول الحادث».

وقد عثر المحققون تقريبا على كافة القطع الهامة من الطائرة الفضائية، التي سقطت على حقل من الحطام يبلغ 5 أميال طولا، ومن بينها خزانات الوقود والمحرك، الذي كان «سليما»، ولا تظهر عليه أي آثار للاحتراق، ولا أي آثار للاختراق كذلك، حسبما صرح به السيد كريستوفر إيه هارت، القائم بأعمال رئيس مجلس سلامة النقل الوطني.

وقال السيد هارت أيضا: «هناك الكثير مما لا نعرفه، ولم تنته تحقيقاتنا بعد»، وذلك خلال مؤتمر صحافي عقد، مساء الأحد، في ميناء موهافي الجوي والفضائي في كاليفورنيا.

وجاء رد من شركة «فيرجين غالاكتيك»، في بيان لها صدر يوم الأحد، على النقد الذي تعرضت له من أن تصميم «سفينة الفضاء اثنان» كان معيبا وأن الرحلات الأولى كانت تتسم بالتهور.

وقالت الشركة: «إننا حريصون في شركة (فيرجين غالاكتيك) على فتح المجال الفضائي مع الحفاظ على أقصى درجة ممكنة من السلامة، ولقد كان ذلك دليل كل قراراتنا التي اتخذناها عبر السنوات الـ10 الماضية، وأي اقتراحات على خلاف ذلك تعتبر غير صحيحة بصفة قاطعة».

وقال السيد كاسيريس، إن أصحاب المشروعات الفضائية الجديدة «كانوا يعملون بشكل جيد من حيث خلق الإثارة حول مشروعاتهم، وقبل حادثة يوم الجمعة، كان عدد الأشخاص الذين حجزوا مقاعد لدى شركة (فيرجين غالاكتيك) قد وصل إلى 700 شخص، مع أن تذكرة الرحلة الواحدة تبلغ 250 ألف دولار».

وأضاف السيد كاسيريس، قائلا: «إننا نتحدث عن عهد جديد للغاية من السفر للفضاء، وهناك شخصيات، مثل: ريتشارد برانسون، وإيلون ماسك، وجيف بيزوس، وهم ليسوا من المهندسين، إنهم أنواع مختلفة من الناس ويمكنهم توليد الكثير من الإثارة، وهم من أصحاب رؤوس الأموال الذين لديهم استعداد لمنح الكثير من الأموال».

ورغم ذلك، كما أضاف: «يكمن الجانب السلبي في أنه إذا كانت لديك مشاكل، فسوف تجتذب كل ذلك الاهتمام ناحيتك».