كريستا كيورو: نتعاون مع السعودية لوضع استراتيجية متكاملة لمنظومة التعليم

وزيرة التعليم والاتصالات الفنلندية تؤكدلـ «الشرق الأوسط» الاتفاق على تأمين المعلومات والإنترنت واللوائح والخدمات الرقمية

كريستا كيورو وزيرة التعليم الأساسي والعالي والاتصالات بفنلندا (تصوير: إقبال حسين)
TT

أكدت كريستا كيورو وزيرة التعليم الأساسي والعالي ووزيرة الاتصالات بفنلندا حرص بلادها على تعزيز علاقاتها مع السعودية في القطاعات ذات الصلة، بهدف إحداث نقلة في جودة المنتج التعليمي، مشيرة إلى أنها بحثت مع وزير التعليم بالمملكة كيفية تفعيل اتفاقية سابقة في هذا الصدد.

وقالت الوزيرة لـ«الشرق الأوسط»: «نسعى لتنفيذ مشروع تعليم متساوي الفرص والمستويات، بجانب كيفية وضع استراتيجية متكاملة لمنظومة التعليم في كلا البلدين». وأوضحت أن بلادها تتمتع بمقومات إنجاح اتفاقياتها التعاونية مع السعودية، مبينة أنه في عام 2007 فقط سجلت فنلندا 1801 براءة اختراع، ناهيك بما تلاها من أعوام، كما أنها تعد ثالث بلد من حيث تحقيق أعلى نسبة للخريجين بالنسبة للسكان.

ولفتت كيورو إلى أنه يوجد في التعليم العالي قطاعان شبه منفصلين، هما المعاهد ذات المنحى المهني، وتلك ذات التوجه البحثي، مبينة أن التعليم مجاني، كما تمول الحكومة جزءا كبيرا من مصاريف المعيشة خلال الدراسة. وزادت أن «هناك 20 جامعة و30 معهدا تطبيقيا في البلاد، ويصنف المنتدى الاقتصادي العالمي التعليم العالي في فنلندا في المرتبة الأولى عالميا، ويحوز نحو 33 في المائة من السكان درجة التعليم العالي».

من ناحية أخرى قالت كيرو: «أبرمت اتفاقيات مع وزارة الاتصالات السعودية، في مجال تقنية المعلومات واللوائح والأنظمة والخدمات الرقمية وأمن المعلومات وسلامة استخدام التكنولوجيا وأمن وسلامة الإنترنت»، مشيرة إلى أن فنلندا تحتل المرتبة الثانية بعد آيرلندا في قطاعي تصنيع التكنولوجيا العالية والخدمات المعلوماتية.

وإلى الحوار الذي أجرته «الشرق الأوسط» مع الوزيرة الفنلندية خلال زيارتها الأخيرة للرياض.

* ما سبب هذه الزيارة؟ وما أهم المباحثات التي أجريتها مع الجانب السعودي؟ وهل هناك اتفاقيات أبرمت؟

- الهدف هو تعزيز التعاون بين فنلندا والسعودية، في مختلف المجالات ذات الصلة، ولذا قابلت عددا كبيرا من المسؤولين السعوديين، من بينهم وزراء التعليم بشقيه العام والعالي، بجانب وزارة الاتصالات، وأبرمت اتفاقيات خاصة مع وزارة الاتصالات في مجال تقنية المعلومات واللوائح والأنظمة والخدمات الرقمية، وأمن المعلومات وسلامة استخدام التكنولوجيا وأمن وسلامة الإنترنت، كما بحثت كيفية تفعيل اتفاقية سابقة مع وزارة التعليم، وبحثت مع وزير التربية والتعليم التحديات التي تواجه هذا المجال، ودائما تكون الإجابة عن السؤال عن كيفية تنفيذ مشروع تعليم متساوي الفرص والمستويات من المواضيع المهمة، التي تكون مشروع تعاون، بجانب كيفية وضع استراتيجية متكاملة لمنظومة التعليم في كل القطر، بحيث ينال كل مواطن حظه من التعليم، وكيفية تحفيز المتعلمين على المضي قدما في التعليم والدراسة برغبة وبإخلاص وبمسؤولية كاملة، وكيفية زرع الثقة وروح التطور لدى التلاميذ لجني ثمار التعليم، وهناك تبقى الإجابة عن السؤال: ما نوع التعليم الذي نحتاج إليه في الأعوام المقبلة؟ هذا هو الهدف المنشود لهذا السؤال الجوهري الذي يحتاج إلى شكل من أشكال التعاون حوله مع استصحاب بعض التجارب ومراجعتها، في غضون الأعوام المقبلة، فهذه موضوعات وغيرها محور التعاون المطلوب بين بلدينا والعمل نحو الأفضل من خلال تجديد المباحثات وتطوير التعاون والتحوط للتحديات المستجدة.

* ما القيمة التي يضيفها التعاون مع فنلندا بالنسبة إلى السعودية؟

- أعتقد أن التعاون بين البلدين يخدم مصلحة الشعبين، خصوصا أن فنلندا تتصدر قائمة أفضل بلد في العالم في استطلاع مجلة نيوزويك لعام 2010 من حيث التعليم والبيئة السياسية والصحة والديناميكية الاقتصادية ونوعية الحياة، كما تعتبر فنلندا ثاني أكثر البلدان استقرارا في العالم والأولى في تصنيف ليجاتوم بروسبيريتي، وفي عام 2010 كانت فنلندا البلد السابع الأكثر تنافسية في العالم وفقا للمنتدى الاقتصادي العالمي.

* ماذا يضيف تعاونكم في ما يتعلق بالبيئة التعليمية السعودية تحديدا؟

- أعتقد أن أهم مقومات تصحيح البيئة التعليمية هي الجودة، وفي فنلندا نهتم جدا بالجودة، ونحن حريصون على التعاون معا لإحداث نقلة في جودة المنتج التعليمي ذات قيمة إضافية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا أكون ممتنة بأن أكون وزيرة للتعليم والاتصالات؟ أعتقد أن هذين القطاعين مهمان جدا في حياة البشرية والتنمية، علما بأنني سبق أن كنت وزيرة للعلوم، وهي خلاصة المعرفة واللبنة الأساسية للتطور ومجابهة تحديات الحياة وتطوير الدول، فهذه جميعها أعمال جليلة جدا، وهي في مقدمة أولويات الحكومة الفنلندية.

ولكن ما أؤكد عليه أن الأجيال القادمة ليست كجيل الأمس أو حتى اليوم، إذ إنها في حالة انفتاح مستمر على مستجدات العصر وتحتاج إلى أدوات أكثر سعة واستيعابا لحاجة العصر والمستقبل وتطوير التكنولوجيا لتكون طوع أيديهم، ويتعاملون معها بشكل يسهل تطوير رقمنة الخدمات بسلاسة. ومع هذا كل لا أعتقد أن رقمنة الخدمات تعني الاستغناء عن المدرس نهائيا مهما توفرت أدوات الخدمة التعليمية، والذي هو نفسه يحتاج إلى تطوير ومواكبة وتأهيل وتدريب على الدوام، وهذا أيضا يعني أهمية توظيف وقت الأطفال في التعليم والتعلم، حتى على مستوى الألعاب فيمكن تطوير ألعاب رقمية تعليمية ممكن أن تكون عبارة عن لعبة في مجال الحساب والرياضيات والعلوم وغيرها، يمارسها الأطفال في الإجازات الأسبوعية والشهرية، ويمكن أيضا توظيف خدمات الاتصال في صنع عروض تعليمية للأطفال مهمة في حياة المجتمع مستقبلا، ولكن أستطيع أن أقول إن غياب الرقمنة في المدارس وفي العملية التعليمية هي أحد المفقودات أو التحديات التي تحتاج إلى جهد أكبر وتعاون كبير فيها، ولا بد من الاهتمام بتعليم الأطفال على مستوى كبير وعصري لضمان مستقبل أفضل للمجتمع.

* ما الذي يجمع بين التعليم والاتصالات في ما يتعلق بالاقتصاد المعرفي والاستثمار في هذا الصدد؟

- عملي كوزيرة للاتصالات لا يبعد كثيرا عن مهمة تطوير التعليم الأساسي والتعليم العالي، لأن قطاع الاتصالات وتطويره يعني بشكل أو بآخر تطوير التعليم بشقيه لأنه يوفر أدوات التواصل المختلفة بين بيئة التعليم والمتعلمين وحاجة العصر واستيعاب كل ما استجد في مثل هذه الأمور. ومن تلك الخدمات هو توفير خدمة الرقمنة للمدارس وتوظيف الخدمات الإلكترونية في هذا الصدد، وفي كل هذا وذاك يبرز مجال واسع للتعاون مع نظرائنا في السعودية، علما بأن الكثير من المدارس في شتى أنحاء العالم ليس مزودا بخدمات رقمية كفؤة، ولكن في الوقت نفسه تتوفر كوادر بشرية على قدر كبير من التدريب والتأهيل لأداء رسالة التدريس على أكمل وجه وتحقيق النتيجة المرجوة في نهاية المطاف، كما أن اتفاقيتنا مع وزارة الاتصالات السعودية لها أبعاد تعاونية مختلفة على مستوى الاستثمار والتجارة، وهي بالتأكيد تفتح آفاقا كبيرة لدى المستثمرين من البلدين في صنع شراكات تعكس إيجابا على الناحيتين التطويرية الخدمية من جهة والناحية الاقتصادية من جهة أخرى، وأنا شخصيا أرى من الأهمية بمكان الاستثمار في مجال الاتصالات، ليس فقط من الناحية الاقتصادية والتسويقية ومن حيث الربح والتكاليف، ولكن الأهم من ذلك أنها استثمار في مواردنا البشرية من خلال تطوير مهارات أطفالنا في المدارس وصناعة أجيال قادمة تتمتع بالقدر على الابتكار والتطوير بشكل أفضل مما هو عليه أجيال اليوم، وهو بالتالي استثمار في صناعة الأجيال القادمة، وهو الأفضل بالتأكيد لتطوير التعليم أيضا، وتعزيز مصادر المعرفة التي تعتبر هي أسس العملية التطويرية برمتها، والتي تبتكر الجديد في عالم الرقمنة والتكنولوجيا المستحدثة، وتوريث جيناتها من جيل إلى جيل بشكل علمي وحضاري.

* ما اللغة العلمية التي تقوم عليها العملية التطويرية للتعليم والعلوم في فنلندا؟ وهل يمكن أن يكون هناك تعاون في مجال تكون اللغة العربية فيه إحدى لغات التدريس؟ وما أهمية التزاوج بين تطبيقات اللغات في التعليم وفي الاتصالات؟

- إن لغة التعليم في الأساس هي الإنجليزية والفنلندية والسويدية، ولو كان بالإمكان التعاون في مشروع اللغة العربية في هذا المجال سيكون أمرا مميزا وإضافة حقيقية للبيئة التعليمية لدينا. أما عملية التطبيقات في مجالي التعليم والاتصال، فأعتقد أن الأمر سيكون مهما. ويتبادر لدي سؤال: أتدري ما الفرق بين دور الوالدين والأقارب في البيت، ودورهم خارج المدرسة لدى الأطفال والتلاميذ وبين فريق التعليم في داخل المدارس؟ إننا نحتاج إلى جعل هذه الأدوار يكمل بعضها بعضا لأن هذه التطبيقات يساعد فيها كل هذه الأطراف مجتمعة ما بين المدرسة والبيت، ولكل طريقة تعليم في المكان الذي يوجد فيه ولكن الرسالة واحدة، وفي نهاية الأسبوع يتلقى الأطفال والتلاميذ خدمة تدعم مهارات الأطفال من البيت والمدرسة على حد السواء.

* برأيك كيف ساهم التعليم في تحسين الوضع الاقتصادي الفنلندي؟

- إن مخرجات التعليم بمختلف مستوياتها وتوجهاتها ساهمت بشكل أساسي في صناعة البنية التحتية لمقومات الدولة بما فيها القطاع الاقتصادي، ويعد الباحثون الفنلنديون في طليعة المساهمين في مجالات مثل تحسين الغابات والمواد الجديدة والبيئة والشبكات العصبية وفيزياء الحرارة المنخفضة وأبحاث الدماغ والتكنولوجيا الحيوية والتكنولوجيا الجينية والاتصالات. وتمتلك فنلندا إنتاجية عالية في مجال البحث العلمي، وفي عام 2005 حلت بلادنا في المرتبة الرابعة من حيث نصيب الفرد من المنشورات العلمية في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. وفي عام 2007 سجلت فنلندا 1801 براءة اختراع، ناهيك بما تلاها من أعوام. ووفقا لتقرير صدر عن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لعام 2010، فإن فنلندا تعد حاليا ثالث بلد من حيث نسبة الخريجين إلى السكان في سن التخرج العادي، ويوظف القطاع الخاص نحو 1.8 مليون شخص أكثر من ثلثهم حاصل على التعليم الجامعي، وفي مقارنة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لعام 2004، كان قطاعا تصنيع التكنولوجيا العالية والخدمات المعلوماتية في فنلندا في المرتبة الثانية بعد آيرلندا، ونمو الناتج المحلي الإجمالي سبق الكثير من دول الاتحاد الأوروبي، نتيجة لمساهمة التعليم في بلادنا.

* ما واقع التعليم العالي في فنلندا وما متطلبات الالتحاق به؟

- يوجد في التعليم العالي قطاعان شبه منفصلين، هما المعاهد ذات المنحى المهني، وتلك ذات التوجه البحثي، والتعليم مجاني، كما تمول الحكومة جزءا كبيرا من مصاريف المعيشة خلال الدراسة من خلال فوائد للطلاب. وهناك 20 جامعة و30 معهدا تطبيقيا في البلاد. ويصنف المنتدى الاقتصادي العالمي التعليم العالي في فنلندا في المرتبة الأولى عالميا، ويحوز نحو 33 في المائة من السكان على درجة التعليم العالي كغيرها من دول الشمال، وهو أكثر مما عليه الحال في معظم دول منظمة التعاون والتنمية ما عدا كندا التي حققت 44 في المائة وأميركا 38 في المائة واليابان 37 في المائة. وتتطلب المدارس الثانوية ذات التوجه الأكاديمي متطلبات أعلى للتسجيل وبالأخص امتحان التأهيل الجامعي والتعليم العالي، ويؤهل التخرج من أي منها رسميا للتعليم العالي، وتبلغ نسبة الطلاب الأجانب نحو 3 في المائة من مجموع الملتحقين بالتعليم العالي، بينما تبلغ نسبة من هم في مجالات ذات صلة بالعلوم أكثر من 30 في المائة من خريجي التعليم العالي.

* ما مساهمة التعليم الخاص في العملية التعليمية ككل؟

- تشكل نسبة الطلاب المسجلين في المدارس الخاصة حاليا ومعظمها في العاصمة هلسنكي، نحو 3 في المائة من تعداد الطلاب، رغم أن الكثير أو معظم المدارس بدأت كمدارس خاصة. ويقرر كل من وزارة التعليم ومجلس التعليم المناهج المرنة، وطبعا التعليم إلزامي لمن تتراوح أعمارهم بين 7 و16 عاما، كما تعد المدارس المهنية الطلاب لمهن معينة.

* وما واقع تعليم الكبار في فنلندا؟

- لفنلندا سجل حافل بتعليم الكبار، حيث إنه بحلول الثمانينات من القرن الماضي حصل ما يقرب من مليون فنلندي على نوع من التعليم في كل عام. قام نحو 40 في المائة منهم بذلك لأسباب مهنية، وينعكس تعليم البالغين في عدد من النماذج، مثل المدارس الثانوية المسائية والمعاهد المدنية والعمالية ومراكز الدراسات ومراكز التدريب المهني والمدارس الثانوية الشعبية، وتسمح مراكز الدراسة للمجموعات بمتابعة خطط دراسية من صنع أيديهم، مع مساعدة تقدمها الدولة في مجال التعليم ومن الناحية المالية، كذلك فإن المدارس الثانوية الشعبية هي مؤسسة شمالية جلية، نشأت في الدنمارك في القرن التاسع عشر، وأصبحت المدارس الثانوية الشعبية مشتركة في جميع أنحاء المنطقة، ويمكن للبالغين من جميع الأعمار البقاء لعدة أسابيع، ودراسة مقررات في الحرف اليدوية وغيرها.

* ما مساهمة قطاع الاتصالات في الاقتصاد الفنلندي وقطاع الأعمال وما حجمه وما نسبة نموه؟

- إن قطاع الاتصالات في فنلندا قطاع ضخم جدا، وينمو بشكل سريع جدا، وقابل للاستثمار في قنواته المختلفة، ولذلك لها مساهمة كبيرة جدا في تطوير ونمو الاقتصاد الفنلندي، ولدينا بنية تحتية مقدرة شاركت في ازدهار التنمية. وأزعم أن قطاع الاتصالات أهم أسس البناء الاقتصادي الرئيسية في عام 2009، ومن الأمثلة المهمة حقل الاستثمار في تكنولوجيا أجهزة «نوكيا»، التي سهلت الخدمات المالية والاقتصادية والتسويق عبر الإنترنت وغيرها من الوسائل المتوفرة، وهناك تقرير صدر في عام 2009 يفيد بأن نحو 85 في المائة من الفنلنديين يمتلكون اتصالا بالإنترنت في المنزل، فما بالك اليوم؟