بغداد وواشنطن تواجهان صعوبة في فك الارتباط بين العشائر و«داعش»

وسط استمرار حالة الشك في نيات الحكومة وقدرتها على حمايتها

TT

عندما اجتاح مسلحو «داعش» بلدة العلم السنية قدموا لزعماء العشائر هناك رسالة مصالحة مفادها: «إننا هنا للدفاع عنكم وعن كل أهل السنة»، وناشدوهم: «انضموا إلينا».

لكن بعد أن تسللت مجموعة من السكان الغاضبين ليلا وأحرقت الرايات السوداء للمتشددين ورفعوا بدلا منها الأعلام العراقية، جاء الرد سريعا.

قال ليث الجبوري، وهو من المسؤولين المحليين: «بدأوا بنسف منازل زعماء العشائر وأولئك التابعين لقوات الأمن العراقية». ومنذ ذلك الحين، دمر المتشددون العشرات من المنازل واختطفوا أكثر من 100 فرد من السكان وبقي مصيرهم مجهولا.

وخلال انتشارهم السريع في المناطق السنية بالعراق وسوريا، استخدم المتشددون استراتيجية مزدوجة لكسب طاعة العشائر. ففي حين استخدموا الأموال الوفيرة والسلاح لاستمالة زعماء العشائر، فإنهم قضوا كذلك على الأعداء المحتملين، ولاحقوا الجنود، وضباط الشرطة، والمسؤولين الحكوميين، وأي شخص كان تعاون مع الولايات المتحدة حينما كانت تحارب تنظيم القاعدة في العراق.

والآن، وفي وقت تسعى فيه الولايات المتحدة والحكومة العراقية إلى تجنيد العشائر السنية لمحاربة تنظيم داعش، فإنهم يواجهون صعوبات في عكس النجاحات التي حققها التنظيم الإرهابي في إخضاع العشائر السنية أو إرغامها على التعاون معه. ويقر المسؤولون بأن القليل من النجاح قد تحقق في التودد إلى الحلفاء من السنة، بعيدا عن الجهود غير المنتظمة لتسليح وإمداد العشائر التي كانت تقاتل أصلا تنظيم داعش. وحتى الآن، تسود حالة من عدم الثقة بنيات الحكومة العراقية ومقدرتها على حماية العشائر السنية.

ويقول أحمد علي، وهو محلل لدى معهد الدراسات الحربية: «هناك فرصة أمام الحكومة للعمل مع العشائر، ولكن الحقائق تفيد بأن تنظيم داعش قد اخترق تلك المجتمعات واستنزف قدراتها على مواجهته. إن الوقت ليس في صالح الحكومة العراقية الآن».

ويكمن جانب كبير من نجاح تنظيم داعش في السيطرة على المناطق السنية في التلاعب الماهر بالديناميات القبلية. فقد صور التنظيم نفسه مدافعا عن أهل السنة الذين، ولسنوات طويلة، تعرضوا لسوء معاملة ممنهج من جانب الحكومة. كما جاء التنظيم بالأموال والسلاح إلى زعماء العشائر وللمقاتلين، بل أعطاهم مساحة من الحكم الذاتي طالما ظلوا على ولائهم للتنظيم.

في الأثناء ذاتها، توسع التنظيم الإرهابي داخل مدن جديدة، وتعرف فورا على هوية المؤيدين المحتملين للحكومة العراقية من أجل استهدافهم واغتيالهم. ويقول سكان المناطق التي اجتاحها تنظيم داعش إن مقاتلي التنظيم دائما ما يحملون قوائم بأسماء ضباط وجنود الشرطة. فإذا ما تمكن أولئك القوم من الفرار فعلا، يقوم التنظيم بنسف منازلهم للتأكد من عدم عودتهم إليها. وعند نقاط التفتيش، يقوم رجال التنظيم بالبحث عن الأسماء على قواعد البيانات الكومبيوترية ويلتقطون الذين كانوا يعملون لدى الحكومة.

وقد ركزت الحملة الدعائية للتنظيم على تلك التكتيكات، حيث يصدرون التحذيرات لأهل السنة من أنهم إما أن يكونوا في صف التنظيم وإما ضده. وتظهر مقاطع الفيديو التي ينشرونها مقاتلي التنظيم يتقاسمون الطعام مع شيوخ العشائر الموالين لهم ويقتلون في الوقت ذاته الجنود السابقين.

لكن، لا تزال عناصر مجالس الصحوة موجودة، ولا تزال العشائر الموالية للحكومة تقاتل إلى جانب الجيش العراقي على جبهات محدودة، رغم أن الجميع يشكو من نقص الدعم والإمدادات. ويقول الشيخ مؤيد الحميشي، وهو قائد في الشرطة العراقية يقود مقاتلي العشائر بالقرب من الرمادي: «نحن الوحيدون الذين يعرفون كل شيء عن تنظيم داعش – من هم وأين يوجدون – ولذلك فنحن الوحيدون القادرون على قتالهم في الأنبار».

يقول المحللون إن العشائر التي انضمت إلى تنظيم داعش لم تفعل ذلك بناء على خلفية أو آيديولوجية راديكالية. فالأغلبية منهم، تعتبره قرارا براغماتيا للتحالف مع السلطة الحاكمة التي يعتقدون أن في إمكانها ضمان الأمن، والموارد لرجالهم. ولذلك، فإن قلب الموازين يتطلب تدفقا كبيرا في السلاح والمال، وسجلا حافل أيضا من النجاح. ومن الأهمية بمكان، أن تمنح الحكومة العشائر صفقة أفضل من التي يحصلون عليها من التنظيم الإرهابي.

ويقول وصفي العاصي، وهو شيخ قبيلة العبيدي التي تعارض المتشددين وقد قابل المسؤولين الأميركيين: «هناك عدد كبير من الناس من العشائر ينتمون إلى تنظيم داعش، لا يمكننا إنكار ذلك. لكن انضمام بعض أفراد عشيرة ما إلى (داعش) لا يعني أن العشيرة بأكملها تتبع التنظيم».

ويبقى من غير الواضح مدى نجاح أي جهد موثوق به وفعال من قبل الحكومة العراقية في تجنيد المقاتلين من العشائر السنية. ففي حين أن الأموال الأميركية والوجود في ميدان القتال قد ساعد مجالس الصحوة في النجاح في الماضي، إلا أن العشائر السنية تفتقد كلتا الميزتين في الوقت الراهن. ويقول المسؤولون الأميركيون إن الولايات المتحدة تشجع تلك العملية، لكن يجب أن تتكفل الحكومة بالتسليح والتمويل.

ويؤيد رئيس الوزراء حيدر العبادي تسليح العشائر السنية، غير أن الكثير من حلفائه السياسيين يعارض الفكرة، خوفا من أن يقوم رجال العشائر ببيع تلك الأسلحة إلى المتشددين أو الانضمام إليهم على الفور. ومن جانب العشائر السنية، لا يزال الكثيرون يفقدون الثقة بالحكومة العراقية، لكنهم يقولون إن العنف الممارس من قبل «داعش» ضد العشائر يجعل أبناء العشائر ينفرون من التنظيم.

ويقول الجبوري، المسؤول المحلي من بلدة العلم: «قالوا للناس في العشائر إنهم المحررون الذين جاءوا لتحريرهم، لكن بمجرد أن سيطروا على الأوضاع، سقط القناع ولا تراهم إلا قتلة وسارقين».

الأسبوع الماضي، زار سليم الجبوري، رئيس البرلمان العراقي، قاعدة الأسد الجوية التي تحيط بها مناطق نفوذ «داعش» في محافظة الأنبار، من أجل طمأنة زعماء العشائر الموالين للحكومة من أن المساعدة في الطريق. لكن قبل مغادرته القاعدة، أقر الجبوري بالمقاومة العميقة من قبل الكثير من المسؤولين الحكوميين حيال تسليح العشائر السنية. وقال: «هناك الكثير من الشكوك وحالة من فقدان الثقة. إنهم يظنون أنه سيأتي يوم وتوجه تلك الأسلحة إلى الحكومة نفسها».

لكن أول شحنة من الأسلحة سيجري توزيعها قريبا، على حد قول الجبوري. وأضاف قائلا: «قد وصلتكم وجبة جيدة، وهناك وجبات أخرى في الطريق، إن شاء الله».

* خدمة: «نيويورك تايمز»