محطات الخلاف الخليجي ـ القطري مع بروز التطورات الإقليمية

دعم الدوحة لجماعة الإخوان المسلمين أبرز مسببات شق الصف في مجلس التعاون

خادم الحرمين وملك البحرين خلال محادثات في القمة الخليجية بالرياض أمس (واس)
TT

في السادس من مارس (آذار) الماضي، طفا على السطح خلافٌ طالما ظلّ الحديث عنه حبيس الدوائر الضيقة، على الرغم من بروز مؤشرات قوية تشير إلى أن التباين الحاد في وجهات النظر داخل البيت الخليجي يوشك أن يخرج عن السيطرة.

في التاريخ المشار إليه، أعلن بيان مشترك عن سحب سفراء ثلاث دول خليجية هي: السعودية والإمارات، والبحرين، من الدوحة. الخطوة جاءت بعد أسابيع طويلة من التجاذب السياسي بين الدول الثلاث والحكومة القطرية على خلفية الأحداث التي أعقبت ما بات يعرف بـ«الربيع العربي»، وخاصة دعم الدوحة لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، ومناوئتها إعلاميا لحكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي. لم يكن الخلاف الخليجي، مع دولة قطر خاصة في شقه السياسي جديداً، فهو يعود إلى الفترة التي كان يحكم خلالها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي تنازل عن الحكم في 24 يونيو (حزيران) 2013. في تلك الفترة كان الخلاف يدور أساساً حول قضايا تفردت بها الدوحة كالعلاقات مع ايران، والموقف من الصراعات خاصة حرب لبنان وغزة. على الصعيد الداخلي الخليجي طالما واجهت الدوحة انتقادات بسبب ما اعتبر تغطية إعلامية متحيزة من قبل قناة «الجزيرة» تناول شؤوناً خليجية، وسعودية على نحو الخصوص.

وعلى الصعيد الداخلي كذلك، برز على السطح الدور الذي تلعبه جهات أكاديمية وبحثية في الدوحة وتدعمها الحكومة القطرية، من بينها مركز «بروكنغز سنتر» والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الذي يديره النائب العربي الإسرائيلي السابق عزمي بشارة. وعلى صعيد العلاقات البينية اتهمت البحرين جارتها قطر بأنها تتولى عن قصد عملية تجنيس مواطنين بحرينيين بشكل انتقائي وبما يهدد التوازن داخل البحرين. حتى قبل الربيع العربي لم تكن حركة الاخوان المسلمين من بين القضايا التي تثير خلافاً مع قطر. لكّن بعد ثورات الربيع العربي، برزت حركة الاخوان المسلمين التي يقطن عدد من قيادييها في الدوحة، وبرز الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه الدكتور يوسف القرضاوي باعتبارهما من محركات التمرد في العديد من الدول العربية. كذلك، كان الأداء السياسي لجماعة الاخوان المسلمين في دول الربيع العربي وخاصة مصر مثار انتقاد الدول الخليجية، لا سيما بعد موجة اضطرابات شهدتها مصر، أعقبتها ثورة اطاحت بحكم الإخوان في 30 يونيو 2013، وأوصلت الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سدة الرئاسة. وقد انتقد الخليجيون استمرار الدعم لجماعة الاخوان والتغطيات الاعلامية على مدار الساعة التي تقدم الدعم لهذه الجماعة.

على الرغم من الامتعاض من عموم الدور الاعلامي الذي تلعبه قناة الجزيرة القطرية في كل من تونس وليبيا، إلا أن الموضوع المصري كان الأكثر قلقاً. خاصة بعد ان اعلنت دول الخليج دعمها لمسيرة الاستقرار في مصر وساندت الاقتصاد المصري كي ينهض من كبوته. في 15 سبتمبر (ايلول) 2014 أعلن عن مغادرة عدد من قيادي جماعة الاخوان المسلمين العاصمة القطرية الدوحة إلى وجهات ابرزها تركيا، ومن بين هذه القيادات: الدكتور محمود حسين، الأمين العام للجماعة، ويعد حسين ثاني أكبر قيادي في جماعة الإخوان خارج السجون المصرية، بعد نائب مرشد الجماعة الفار محمود عزت، وضمن المبعدين أيضا، الدكتور عمرو دراج، وزير العلاقات الخارجية والتعاون الدولي في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي، وعضو المكتب التنفيذي لحزب الحرية والعدالة، والدكتور الداعية جمال عبد الستار، والدكتور حمزة زوبع، المتحدث الرسمي باسم حزب الحرية والعدالة، والشيخ عصام تليمة، مدير مكتب القرضاوي السابق، وكذلك الدكتور أشرف بدر الدين، عضو مجلس الشعب السابق، والداعية الدكتور وجدي غنيم، وآخرون.

في الموضوع السوري، كان هناك تطابق إلى حد كبير في وجهات النظر مع قطر بشأن ضرورة تنحية الرئيس السوري بشار الأسد، لكن الخلاف بقي حول دعم جماعات المعارضة التابعين للاخوان المسلمين في الائتلاف السوري المعارض، أو الاتصال بجماعات تصنف بأنها ارهابية كتنظيم النصرة.

البيان المشترك للدول الثلاث الذي أعقب سحب السفراء أشار إلى ان هذه الدول بذلت دون جدوى جهوداً دبلوماسية لدفع قطر للعودة للصف الخليجي، وقال البيان: «لقد بذلت دولهم (الثلاث) جهوداً كبيرة للتواصل مع دولة قطر على كافة المستويات بهدف الاتفاق على مسار نهج يكفل السير ضمن إطار سياسة موحدة لدول المجلس». بيان الدول الثلاث أعطى ملمحاً لنوعية المشكلات التي تواجه العلاقات بينها وبين قطر، وهي تهديد الأمن الخليجي، ووجود جماعات مناوئة، والتدخل في الشؤون الداخلية، وذّكر البيان بأن سياسته: «تقوم على الأسس الواردة في النظام الأساسي لمجلس التعاون وفي الاتفاقيات الموقعة بينها بما في ذلك الاتفاقية الأمنية، والالتزام بالمبادئ التي تكفل عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم دعم كل من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات أو أفراد، سواء عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي وعدم دعم الإعلام المعادي«.

في تلك الأثناء لم تكلل المساعي الحميدة التي بذلها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الرئيس الدوري للقمة الخليجية بالنجاح، على الرغم من تمكن أمير الكويت من جمع القادة في كل من السعودية وقطر في لقاء عقد في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) في الرياض نتج عنه توقيع موافقة دولة قطر على المطالب الخليجية وتوقيع الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على الاتفاق المبرم بحضور الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت.. إلا أن البيان الخليجي آنذاك أشار إلى أن قطر لم تلتزم بهذا الاتفاق: «فإن الدول الثلاث كانت تأمل في أن يتم وضع الاتفاق المنوه عنه موضع التنفيذ من قبل دولة قطر حال التوقيع عليه». وأوضح: «إلا أنه وفي ضوء مرور أكثر من ثلاثة أشهر على توقيع ذلك الاتفاق دون اتخاذ دولة قطر الإجراءات اللازمة لوضعه موضع التنفيذ». وبقي أمير دولة الكويت حتى نهاية هذا الخلاف يبذل مزيداً من الجهد لتصفية وتنقية الأجواء الخليجية.

في الاجتماع الذي عقد في الكويت في 17 فبراير بحضور الشيخ صباح الأحمد تم تكليف وزراء خارجية الدول الثلاث »لإيضاح خطورة الأمر لدولة قطر وأهمية الوقوف صفاً واحداً تجاه كل ما يهدف إلى زعزعة الثوابت والمساس بأمن دولهم واستقرارها». وفي ذلك الاجتماع تم الاتفاق على أن يقوم «وزراء خارجية دول المجلس بوضع آلية لمراقبة تنفيذ اتفاق الرياض».

في 4 مارس 2014 عقد اجتماع وزراء خارجية دول المجلس في الرياض، تم خلاله بذل محاولات كبيرة لإقناع دولة قطر بأهمية اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع اتفاق الرياض موضع التنفيذ والموافقة على آلية لمراقبة التنفيذ. ومع كل ذلك رأى البيان الخليجي أن «كافة تلك الجهود لم يسفر عنها - مع شديد الأسف - موافقة دولة قطر على الالتزام بتلك الإجراءات، مما اضطرت معه الدول الثلاث للبدء في اتخاذ ما تراه مناسباً لحماية أمنها واستقرارها بسحب سفرائها من دولة قطر، اعتبارا من 5 مارس 2014»، بعد ساعات من سحب السفراء، أعلنت قطر على لسان مجلس وزرائها «عن أسف دولة قطر واستغرابها للبيان الذي صدر من قبل الدول الشقيقة المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، بسحب سفرائها من الدوحة». وأضاف البيان ان »الخطوة التي أقدم عليها الأشقاء في المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة والبحرين، تتعلق باختلاف في المواقف حول قضايا خارج دول مجلس التعاون«.

في 19 اغسطس (آب 2014) عقد مؤتمر وزاري خليجي خُصص جزء منه لمتابعة «اتفاق الرياض» الخاص بإنهاء الخلاف الخليجي – القطري. ورفعت اللجنة المكلفة بمتابعة الاتفاق تقريرها إلى المجلس الوزاري لدول مجلس التعاون الخليجي، في اجتماعهم في جدة 30 شهر أغسطس الماضي. في مساء 16 نوفمبر 2014 أعلن في الرياض أن القمة التشاورية الطارئة التي عقدت برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، أكدت فتح صفحة جديدة في العلاقات الخليجية وإنهاء الخلاف الخليجي، مع التزام قطري بتنفيذ اتفاق الرياض الذي أقر عبر وزراء الخارجية في دول المجلس في وقت سابق، وأن القمة الخليجية ستعقد الشهر المقبل في الدوحة.