فيصل بن معمر لـ «الشرق الأوسط»: نسعى لمكافحة توظيف الدين في النزاعات السياسية

مركز الملك عبد الله للحوار بين الأديان ينظم اليوم في فيينا مؤتمرا دوليا تحت عنوان «متحدون لمناهضة العنف باسم الدين»

TT

«متحدون لمناهضة العنف باسم الدين».. عنوان المؤتمر الدولي الذي ينظمه مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات (كايسيد) بمقره بالعاصمة النمساوية فيينا اليوم وغدا.

في هذا الإطار التقت «الشرق الأوسط» في فيينا بالأمين العام للمركز، فيصل بن عبد الرحمن بن معمر، الذي أوضح أن مبادرة المركز تهدف إلى مناهضة استخدام الدين لتبرير العنف والتحريض على الكراهية، وتتم بمشاركة عدد من القيادات الدينية في مناطق النزاعات مع التركيز على العراق وسوريا، وذلك ضمن جهود المركز الحثيثة لإرساء قيم السلام والعدل وتعزيز فرص الالتقاء حول المشترك الديني والإنساني بما يدعم التعايش السلمي بين أتباع الديانات والثقافات على أسس المواطنة المشتركة.

وأكد أمين عام المركز في معرض إجاباته على أسئلة «الشرق الأوسط» أن النقاش السياسي والإعلامي الذي يدور حول المركز يعكس الحاجة الملحة إلى مضاعفة الجهود المبذولة لتوطين مفاهيم الحوار بمختلف أنواعه وتصنيفاته، سواء كان حوارا دينيا أو سياسيا أو ثقافيا، لا سيما وأن بعض أساليب ومسارات النقاشات تدل دلالة عميقة على أن العالم يتجه إلى صراع الحضارات. وهذا ما تضمنه الحوار:

* السيد الأمين العام، هل يمكن أن تلقي لنا بعض الضوء حول برنامج مؤتمركم «متحدون لمناهضة العنف باسم الدين»؟

- يهدف المؤتمر إلى قراءة موضوعية للمخاطر الكبيرة التي تهدد التنوع الديني في دول ومجتمعات تعاني من نزاعات سياسية مسلحة، تستخدم الدين لتبرير العنف والتحريض على الكراهية، مع التركيز على حالتي العراق وسوريا.

في هذا المضمار يبحث المؤتمرون كيفية تفعيل آليات التصدي لسوء استخدام الدين باستنهاض المؤسسات والقيادات والأفراد للمشاركة في مواجهة ظاهرة التطرف والعنف وإمكانات محاصرة الأفكار المنحرفة التي تغذي الإرهاب والتطرف تحت شعارات دينية.

وفي ذات السياق يسعى المؤتمر لتكوين رأي عام فاعل لمكافحة توظيف الدين في النزاعات السياسية من خلال تعزيز المشاركة في مواجهة الأفكار المنحرفة والوقوف على أفضل المقترحات والآليات لمواجهة هذه المشكلات وتسليط الضوء على أهمية نشر ثقافة الحوار وترسيخ منهج الوسطية والاعتدال لمكافحة الانتهاكات والتأكيد على أن التنوع والاختلاف مصادر قوة للمجتمعات وليس أسبابا للخلاف والتناحر مما يكشف أباطيل جماعات التطرف الديني والسياسي والتنظيمات الإرهابية التي تتخفى خلف شعارات دينية لتنفيذ أجندة سياسية وتوسيع نطاق التوتر في منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره عبر الاستقطاب الديني وإذكاء النعرات العرقية والدينية التي باتت تهدد سلامة النسيج الاجتماعي التاريخي للتعايش في تلك الدول ودول كثيرة غيرها.

تشارك في المؤتمر قيادات دينية وصناع قرار سياسي ومنظمات دعم المهجرين والنازحين في مناطق النزاعات المسلحة، وكما ذكرت، مع التركيز على العراق وسوريا.

يطرح المؤتمر للنقاش وللحوار ولتبادل الآراء ولبحث عدد من القضايا، منها على سبيل المثال التنوع في زمن الأزمة وديناميكيات العنف والتحريض التي يستخدم فيها الدين، كما يفتح المجال للنقاش حول الاستراتيجيات التي تركز عليها الأطراف الفاعلة في المنطقة للتصدي لمحاولات الإقصاء الديني والطائفي.

أيضا سيدور نقاش حول الموارد والمبادرات المتاحة لدعم الترابط، كما خصصت جلسة للتفاكر حول الفجوات والتحديات المرتبطة بمعالجة الترابط الاجتماعي، وعن التحديات التي تواجه التعاون بين المنظمات ذات الخلفيات الدينية والمنظمات الدولية، بالإضافة إلى النقاش حول المواطنة والتربية الحاضنة للتنوع الديني، وكيفية معالجة آثار العنف في المنطقة.

كل ذلك وأطروحات أخرى بهدف الخروج بتوصيات وإعلانات لتمهيد السبيل أمام التعاون المستقبلي وتحسين فاعلية ونطاق أنشطة الترابط الاجتماعي في المنطقة وما يمكن القيام به من عمل مشترك لتضمين الحوار مما يدعم تعزيز المواطنة المشتركة في سوريا والعراق، ويحافظ على التنوع الديني والثقافي ويتصدى بكل وضوح لممارسات العنف والإرهاب باسم الدين.

* دون شك سيخرج مؤتمركم بتوصيات قوية كما يشير برنامجه المكثف وثقل وزن المشاركين وتجاربهم، لكن دعني أسالك إن كنت تعتقد أن بعض الأنظمة التي تسببت في فوضى بلدانها، فأصبحت هذه البلدان تعاني من حروب وعنف وإرهاب، سوف تقبل العمل بتوصيات أيا كانت..كيف يمكن التعامل مع أنظمة كهذه؟

- واقع الحال يؤكد أن العنف والتطرف يزدادان في تلك المناطق وأن العمليات العسكرية والسياسية لم تحقق النجاح المطلوب لترسيخ الأمن والسلام، لذا فإن القيادات الدينية من خلال الحوار تسعى للمساهمة في مساعدة صناع القرار لمكافحة العنف والتطرف وإعادة الأمن والسلام إلى مناطق النزاعات، وهذا يتم بالتعاون التام مع المؤسسات الدولية وخصوصا الأمم المتحدة.

* أثناء مرحلتكم التأسيسية تكرر الحديث عن 3 مبادرات يهتم بها المركز لرسم خريطة عالمية لنشر ثقافة الحوار..كيف تمضي مسيرتكم لتحقيق هذه المبادرات؟

- مبادرتنا الأولى كانت «تصحيح صورة الآخر في المناهج التعليمية»، وفي هذا المضمار كوّنا لجنة اتصال دولية تتصل بوزارات التعليم لمتابعة كيفية تصحيح صورة الآخر عن طريق الحوار ولا يزال عملها مستمرا. والمرحلة الثانية «تصحيح صورة الآخر إعلاميا»، وهذا عمل بدوره متصل ومتواصل، بينما تركز الثالثة على «مهارات الحوار والتواصل»، وفي هذا المضمار نظم المركز عددا من ورش العمل التدريبية للقيادات الدينية، خصوصا في مناطق النزاعات مثل سوريا والعراق وأفريقيا الوسطى وبعض الدول الأفريقية وبعض المناطق الأخرى التي تتنوع مجتمعاتها ويستخدم الدين فيها لإثارة النعرات الدينية والطائفية.

إلى ذلك نعمل حاليا على إعداد ورسم خريطة لمعلومات شاملة عن إنجازات بناء السلام عالميا وما حققته المؤسسات الدولية للاستفادة من تجاربها وتوسعتها.

* في الفترة الأخيرة يلحظ المتابع هجوما شديدا توجهه بعض وسائل الإعلام النمساوية، بل وبعض السياسيين من الحزبين الحاكمين في النمسا، واصفين المركز بأنه مثير للجدل.. ما تعليقكم؟

- النقاش السياسي والإعلامي الذي يدور حول المركز أمر طبيعي في نظري، ويعكس الحاجة الماسة إلى الحوار الذي يجب أن يضاعف على عدة مستويات دينية وسياسية وثقافية، خصوصا أن النقاشات التي تمت من قبل بعض الأحزاب وبعض وسائل الإعلام تدل دلالة عميقة على أن العالم يتجه وللأسف إلى صراع الحضارات، ولمواجهة صراع كهذا دعا خادم الحرمين الشريفين لمبادرته ولتأسيس هذا المركز، وكانت نظرته استباقية للحيلولة دون حدوث صدام بين الحضارات.

خلال السنوات الـ7 الماضية لتأسيس هذا المركز اتضحت وبقوة الحاجة إلى قيامه كمركز دولي، وليس خاصا بالمملكة العربية السعودية والدين الإسلامي، بل عالمي لمضاعفة الحوار وللرد على مثل هذه الحملات التي تدل على الهوة العميقة بين الحضارات الغربية والعالم الإسلامي.

معلوم أن الحضارة الغربية حققت إنجازات في مجالات كثيرة، كما نادت بقيم اعتبرتها عالمية لكنها فصلت بين الدين والدولة. في الجانب الآخر نجد الشرق، خصوصا الشرق الإسلامي، يؤمن إيمانا قاطعا أن الدين هو كل شيء في الحياة.. دين ودولة.

في ظل ثقافة الفصل بين الدين والدولة نجد الميزان عند بعض الإعلاميين والسياسيين الغربيين أن تكون المجتمعات الأخرى نسخة مطابقة لما تنادي به حضارتهم، وهذا ما سيؤدي إلى الصراع مع الحضارات الأخرى، ليس الإسلامية وحدها، بل وكل الحضارات. لهذا نحن في أمسّ الحاجة إلى تعميق الحوار الذي يحترم خصوصيات كل حضارة. إن العالم الإسلامي يتعامل مع الغرب بما اختاره، وعلى الغرب أن يحترم العالم الإسلامي وخياراته. ليس ذلك فحسب، بل أثبتت التعليقات السياسية والإعلامية وبالدليل القاطع أنها تكونت دون الاطلاع على الأعمال والنشاطات الفعلية للمركز.. بعضها يندد بأن المركز إسلامي وبعضها يقول إن المركز سعودي، وهذا خطأ، إذ تم تأسيس المركز بموجب اتفاق مع دولتي النمسا وإسبانيا والفاتيكان كمراقب، أضف إلى ذلك أن المركز يلتزم بمواثيق الأمم المتحدة التي أعلنها المركز في وثيقة التأسيس مما يبطل اتهامات كهذه.

على كل نحن نسعى من خلال الحوار واللقاءات والاجتماعات والأنشطة والفعاليات والأحاديث الإعلامية لتصحيح الصورة.

* من الملحوظ أن أكثر التساؤلات تثار حول تمويل المملكة العربية السعودية للمركز خشية التأثير في قراراته.. هل ستوقف المملكة تمويل المركز بعد 3 سنوات من إنشائه كما أعلن؟

- التمويل يتم حاليا من قبل المملكة باعتبار أن المبادرة مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وقد أعلنها عالمية. وتعمل المملكة والدول المؤسسة على ضمان مستقبل المركز من خلال اتصالات دولية. ما أود أن أقوله هو أن المركز لن يتوقف أبدا، وهناك خيارات كثيرة لضمان مستقبله.

* ما مجهودات المركز للحد مما يعرف بـ«الإسلاموفوبيا»، أي الخوف من الإسلام، وهذه ظاهرة تجتاح كثيرا من المجتمعات؟

- الفوبيا ضد الإسلام أو غيره من حركات التطرف التي استخدم فيها الدين لإثارة التطرف في مجتمعات متعددة دينيا.. واجبنا العمل مع القيادات الدينية المتنوعة للمساهمة في مكافحة الغلو والتطرف واستخدام الدين في زرع الرعب والخوف. وفي هذا السياق يجمع مؤتمرنا «متحدون لمناهضة العنف باسم الدين» قيادات دينية متنوعة في العراق وسوريا لنثبت أن المسلمين والمسيحيين وغيرهم تعايشوا منذ آلاف السنين وتجمع بينهم المواطنة. في العالم أجمع يجب أن يتكاتف الجميع للحد من التطرف والحكم على الآخر بسبب دينه.