الغنامي يبحث عن السعادة الأبدية ويقدم مذهبا فلسفيا في الأخلاق

رصد تجارب مختلفة تراوحت بين الدين والفلسفة من سقراط إلى قانون الجذب

خالد الغنامي و غلاف «السعادة
TT

بعد سنوات طويلة ومضنية من القلق والحزن والشقاء، وجد المؤلف والكاتب والإعلامي السعودي خالد الغنامي السعادة. بدأ حياته بطفولة حزينة، اتصل حزنها ليشكل حياة رجل ظل محبوسا في زنزانة التشاؤم، وتعكر المزاج الدائم. زنزانة ظل بابها مفتوحا، طوال الوقت، على شعور عميق بالسأم والوحدة القاتلة.

لقد وجد الغنامي السعادة بعد التعاسة، مؤكدا أن كلتيهما حالة ذهنية منفكة عن الأشياء في الخارج، من الملاذ الحسية، التي يعتقد كثير من الناس أنها تجلب السعادة.

بدأ الغنامي حياته متدينا وتلميذا للمشايخ، وقضى سنوات من عمره يحضر في كل فجر دروس مفتي السعودية الراحل الشيخ عبد العزيز بن باز، ثم مر بمحطات وتحولات، وكانت له أطروحات ومؤلفات لافتة وصادمة خالفت قناعاته الأولى، وأثارت ضجة حيث طرحت.

في كتابه المثير «السعادة الأبدية بين الدين والفلسفة»، الذي صدر أخيرا وقدم له الدكتور عبد الرحمن الصالح المحمود، وأهداه إلى المثقف عبد العزيز بن سعود المريبض، الذي شاركه في الكتاب منذ أن كان مجرد فكرة، شدد الغنامي على أن المتدين الحزين في حياته هو أولى الناس في هذا الكتاب أكثر من غيره. وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الكتاب يقدم مذهبا فلسفيا جديدا في الأخلاق. جوهر هذا المذهب، هو أن الإنسان لم يوجد للشقاء ولا للأحزان ولا للوقوع في أسر الغضب المنبثق من الاعتراض على الأقدار. إن الإنسان إذا وُجد، فإنه بمجرد وجوده، يكون وُجد للسعادة الأبدية. فسعادته في هذه الحياة لا تنقطع بالموت، فالموت ليس النهاية، والموت ليس عدما، كما يعتقد دعاة الفكر المادي الإلحادي، بل هو محطة انتقال لسعادة أعمق وأرقى في الحياة الآخرة، وهي سعادة خالدة وأبدية يذوب فيها عالم الزمان ويصبح نسيا منسيا».

كتاب «السعادة الأبدية» هو أيضا كتاب في تاريخ الفلسفة، يسرد أقوال الفلاسفة ابتداء من فترة ما قبل السقراطية انتهاء بدعاة قانون الجذب في زمننا المعاصر، من أمثال واين داير واستير هيكس، اللذين حرص الكاتب على إظهار اختلافه عنهم وتميز كتابه عما طرحوه، وملاحظاته وتحفظاته على قانون الجذب ودعاته. إلا أنه لا يستعرض من أقوال الفلاسفة إلا ما كان عن موضوع السعادة وماهيتها وكيفية تحقيقها. ثم ينتقد تلك الأقوال، ويبين ما فيها من خلال نقد الفلاسفة بالفلاسفة. فالكتاب يظهر أن أقوالهم المتعارضة ترد على بعضها بعضا، كما تظهر أن أقلهم من عاش سعيدا، فالفلسفة طريق القلق وليست طريقا إلى السعادة.

ويضيف: «ينتقل الكتاب إلى دراسة سيرة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، ويقدمه بصورة قد تبدو جديدة لبعض من لا يرى في الإسلام إلا دينا يدعو للقتل والشقاء. إذ يقدمه حلا حقيقيا للإنسانية التي غرقت في التعاسة والتشاؤم، في زمن ما بعد الحداثة التي قتلت الإنسان وجعلته عبدا للطبيعة والأشياء، مجرد ريشة في مهب الريح، ورقة في شجرة اصفرت ثم اخضرت، ثم ماتت وسقطت على الأرض، وسحقتها الأقدام». يقدم الكتاب النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كأكثر الرجال إيجابية وأكبر دعاة الإيجابية والتفاؤل وصناعة النجاح. ويستشهد على ذلك بعشرات الأحاديث النبوية التي تثبت تلك الدعوى. كل شيء يصبح أقرب إلى التحقق: المال، الحياة الاجتماعية السعيدة، فرص العمل، وكل ما يحتاجه الإنسان في حياته. وأهم من ذلك كله السعادة الروحية والسلام الداخلي والتصالح مع الذات ومع الناس، معتبراً أنه الطريق إلى الله، حيث يصبح كل شيء ممكناً بعد أن كان مستحيلا.

ورأى المؤلف أن السعادة قضية كبيرة تحتاج إلى المعرفة العميقة التي تمكن من الوصول إليها. وهي بلا شك تحتاج ذلك البحث والتدقيق والتمحيص. إن جعل الإنسان قضية السعادة نصب عينيه بصورة دائمة، أمر محمود بإطلاق. لأن التعرف على فتاة الأحلام هذه، كلما زاد، صار الإنسان أعرف بنفسه وبالأشياء التي يريدها، والأشياء التي لا يريدها، والأمور التي يجب عليه أن يفعلها، والأفعال التي يجب أن يتحاشاها، ليحصل له المزيد من التحقق فيصير بذلك أقرب إلى إصابة الهدف.

وشدد الغنامي على أن تحقيق السعادة مرتبط بأنشطة ذهنية وبدنية أخرى، وبمقادير معتدلة ومنضبطة. هذه المقادير إذا اجتمعت فقد اكتملت وصفة السعادة. السعادة فن، لذلك ينبغي للإنسان أن يحرص على كسب هذا الفن وتعلمه وإتقانه. هذا الإتقان سيتطلب بعض الوقت، أشهر، أو سنوات، قد يطول وقد يقصر، لكن لا بأس فالأمر يستحق.

واعتبر الكتاب أن السعادة القصوى تكون ممكنة إذا نظرنا إليها كمهنة، أو حرفة، فصاحب المهنة يصبح ماهرا فيها، ويتقنها على مر الزمن، لكثرة مزاولته لها. فالكاتب المحترف لا يجد صعوبة في أن يجلس في أية ساعة ليكتب ما يشاء أن يكتب. ومثله كل إنسان داوم شطراً طويلاً من صباحاته وهو يمارس العمل نفسه، كالنجار والبناء، والمهندس، أعني المهرة في صنائعهم. السعادة كذلك ينبغي أن تعامل كمهنة.

وبعد أن حدد مطلب السعادة بثلاثة: الدين، والفلسفة، والعلم التجريبي، أوضح المؤلف أن «الدين هو طريق السعادة، ولا فائدة ترجى من الفلسفة، سوى أنها تثري الحوار وتستفز الذهن للإجابة عن أسئلتها. كما أن معرفة المناهج الفلسفية قد تكسب العقل خبرة في المقارنة والترجيح. أما مذاهب الفلاسفة ورؤاهم المتعارضة، والمتناقضة على مدى آلاف القرون، فإنها بعد طول عناء، تبدو لي اليوم تخرصات وتكهنات، مجرد تكهنات لم تصل قط لمنزلة العلم اليقين الحقيقي. مجرد وثبات خيال جامح لم توصل البشرية إلى شيء، ولم تسن لهم قانوناً يصلح للجميع، ويكفل لهم السعادة. الفلسفة وحدها لا يمكن أن تقود إلى السعادة».