مصادر في المعارضة: المساعدات «شبه ممنوعة عن الغوطة الشرقية»

رغم الانتقادات.. القرار الأممي بإدخال المساعدات إلى المناطق المحاصرة خفف من تفاقم الوضع الإنساني

تصاعد أعمدة الدخان في سماء المنطقة المحيطة ببلدة كوباني السورية أمس بسبب الغارات على أهداف لتنظيم داعش
TT

تتضاعف الحاجة للمعونات الإغاثية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في وسط سوريا وفي محيط العاصمة، عن سائر المناطق الأخرى في الشمال والجنوب المفتوحة على مناطق حدودية مع تركيا والأردن ما يخفف الضغط الإنساني عليها، في حين يطبق النظام خناقه على حي الوعر في حمص، والغوطة الشرقية في ريف دمشق وبلدات جنوب العاصمة، الأمر الذي يفاقم الوضع الإنساني فيها.

ويرجع معارضون سوريون الوضع الإنساني الذي وصل في حمص إلى مستوى «كارثي»، قبل إدخال المساعدات الأخيرة الأسبوع الماضي، إلى الحصار المطبق الذي تنفذه القوات الحكومية، بعد عزل الغوطة الشرقية وبلدات جنوب دمشق، وحي الوعر في حمص (وسط البلاد) عن محيطها، وهي استراتيجية أجبرت المعارضين في بعض البلدات على توقيع اتفاقيات مع النظام، فيما تقتات أخرى من الخضار، و«ما تيسّر من محاصيل زراعية» لمنع وقوف آلاف السكان في المجاعة، كما تقول مصادر المعارضة في ريف دمشق لـ«الشرق الأوسط».

غير أن القرار الذي اتخذته الأمم المتحدة بإدخال المساعدات إلى المناطق المحاصرة «من غير موافقة الحكومة السورية»، خفف الكثير من الأعباء المترتبة على تفاقم الوضع الإنساني، رغم انتقادات تتعرض لها المؤسسات الدولية، وكان آخرها توزيع المواد الإغاثية في بلدة برزة المحاذية للعاصمة السورية، إذ اتهم ناشطون الصليب الأحمر الدولي بتوزيع المواد الإغاثية في الأحياء الخاضعة لسيطرة النظام، ولم تصل إلى الأحياء المعارضة.

ورفض المتحدث باسم الصليب الأحمر الدولي في دمشق سيمون شورنو التعليق على تلك الاتهامات، مؤكدا لـ«الشرق الأوسط» أن الصليب الأحمر «نفذ 3 مشاريع مقررة في برزة الأسبوع الماضي، حيث قمنا بزيارات إلى المدنيين في الداخل ووزعنا المعونات الإغاثية»، مشددا على أن «المشاريع التي ننفذها، إنسانية وهي تندرج ضمن أساسيات عملنا الهادف إلى التخفيف من الأزمة الإنسانية».

وكان رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر بيتر ماورر، قال يوم الجمعة الماضي إنه شارك في توزيع مساعدات وصلت إلى ريف دمشق، مؤكدا أنه «عازم على التفاوض من أجل حرية دخول أكبر لمناطق أخرى لم تصلها مساعدات بعد»، وذلك إثر وصول شاحنة محملة بالمساعدات إلى برزة في ريف دمشق على مسافة نحو 5 كيلومترات شمال العاصمة.

وغالبا ما تعتمد المؤسسات الدولية المعايير الإنسانية لتنفيذ مشاريعها، بصرف النظر عما إذا كانت خاضعة لسيطرة النظام أو المعارضة. وإذ أكد شورنو أن المشاريع الـ3 نفذت في «حي برزة»، أفاد ناشطون بأن المساعدات وزعت على تخوم الحي في منطقة «عش الورور» الخاضعة لسيطرة النظام، والمطلة على حي برزة.

وقال الناشطون في حي برزة في حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، إن ماورر زار ملجأ عبد الله ونوس الواقع في عش الورور: «وهي منطقة مؤيدة، وتعد مخزنا لشبيحة النظام، وليس بإمكان أهل برزة الحقيقيين الوصول إلى هناك أبدا». واستدل هؤلاء بالعلم السوري وعلم حزب البعث الملصقين فوق صورة للرئيس السوري بشار الأسد على الباب وراء طفل يصافح رئيس لجنة الصليب الأحمر، وذلك في صورة منشورة في صفحة «اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سوريا» في «فيسبوك».

وتعاني برزة، كما البلدات المحيطة بالعاصمة السورية مثل القابون في شمال العاصمة، والمعضمية ومخيم اليرموك وداريا جنوبها، من نقص في المواد الإغاثية، فيما تعاني الغوطة الشرقية من حاجة ماسة للغذاء والمواد الطبية، نتيجة الحصار المطبق عليها.

وقالت مصادر المعارضة في ريف دمشق لـ«الشرق الأوسط» إن الهلال الأحمر السوري المكلف توزيع المساعدات «يدخلها إلى أحياء جنوب دمشق بأعداد قليلة جدا»، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن تلك المساعدات «شبه ممنوعة عن الغوطة الشرقية» الخاضعة بأكملها لسيطرة المعارضة. وأوضحت أن إدخال العدد المحدود جدا من الحصص الغذائية إلى الغوطة «يخضع لتفتيش دقيق من القوات الحكومية على مداخل المنطقة، فيما ترتفع أسعار السلع الغذائية بشكل جنوني في الداخل بسبب ندرتها»، لافتة إلى «شبه حرمان تعانيه الغوطة من المساعدات الإغاثية عبر المنظمات الدولية».

وفي وسط سوريا، يتفاقم الوضع الإنساني في حي الوعر المحاصر في حمص، وهو الحي الوحيد الذي لا يزال يخضع لسيطرة المعارضة، بعد استعادة القوات النظامية السيطرة على أحياء حمص القديمة مطلع شهر يونيو (حزيران) الماضي، بموجب اتفاق مع قوات المعارضة التي أخلته إلى بلدات ومدن الريف الشمالي لحمص.

وقال عضو الائتلاف الوطني السوري عبد الإله الفهد لـ«الشرق الأوسط» إن حي الوعر الذي يقيم فيه نحو 190 ألف شخص: «تحسنت حالة سكانه الإنسانية الأسبوع الماضي، بعد إدخال 28 شاحنة محملة بالمواد الإغاثية إليه»، مشيرا إلى أن الحصص «غير كافية نظرا إلى حاجة السكان الكبيرة لمواد الإغاثة»، وأنها «وزعت على 12 ألف عائلة في الحي».

وجاء توزيع تلك المعونات عبر الصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر السوري، بعد 90 يوما من الحصار المطبق، اقتصر خلالها إدخال الطعام على الخضار، وكان السكان يشترونها بأسعار خيالية. وأوضح فهد أن وصول تلك المساعدات «جاء بعد تحرك من قبلنا باتجاه المجتمع الدولي، إذ تواصلنا بشكل مباشر مع مكتب الأمين العام للأمم المتحدة، ووجهنا له رسالة للتدخل العاجل، وتمكنا من التوصل إلى اتفاق يسمح بإدخال تلك المعونات، بالتزامن مع اتفاق على وقف لإطلاق نار استمر لمدة 6 أيام»، مشيرا إلى أن مفاعيل ذلك الاتفاق «لا تزال قائمة، حيث خفت وتيرة القصف الجوي والمدفعي عما كانت عليه قبل التوصل إلى الاتفاقية».

وشرح فهد الوضع الإنساني قبل إدخال هذه المساعدات، قائلا إن المنفذ الوحيد لحي الوعر المفتوح على الخارج، يقع في الجهة الغربية لناحية قرية المزرعة، ويوجد فيه حاجز لميليشيات تقاتل إلى جانب النظام «كانت تغلقه أمام المساعدات الإنسانية». وأضاف: «كلما توصلت اللجنة المفاوضة مع النظام إلى اتفاق لإدخال المساعدات، كان النظام يستجيب، فيما كان المسلحون على ذلك الحاجز يرفضون إدخال المساعدات إلا إذا قبضوا مبالغ كبيرة»، لافتا إلى أن تلك الممارسات «حرمت السكان من أبسط حقوقهم من الرز والسكر والملح وغيرها، حيث اقتصرت المواد الغذائية على الخضار فقط».

وكان حي الوعر مشمولا بالاتفاق الذي وقعه النظام السوري في مؤتمر جنيف 2. والتزم لمدة شهرين بعد استعادته السيطرة على أحياء حمص القديمة، بالسماح بإدخال مواد إغاثية إليه، قبل أن يتفاقم الوضع في الأشهر الـ3 الماضية. وقال الفهد إن منظمات المجتمع المدني، والجمعيات الإنسانية، بادرت إلى إدخال المواد الغذائية والطبية إلى الحي قبل الأشهر الـ3 الماضية: «ما اضطرنا للقبول باتفاق وقف إطلاق نار وإيقاف القتال في تلك المنطقة»، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة «ترعى تلك الهدنة الآن».

وخلافا للمناطق الواقعة وسط سوريا، تشهد المناطق الحدودية ضغطا إنسانيا أقل، كونها مفتوحة على الحدود مع الأردن في جنوب البلاد، أو مفتوحة على تركيا في شمالها. ورغم الحصار على الأحياء المعارضة في مدينة حلب، فإن خطا مفتوحة إلى ريفها، ومنه إلى تركيا «ساهم في تخفيف الضغط»، كما قال عضو المجلس الوطني السوري المتحدر من حلب حسان النعناع لـ«الشرق الأوسط». وقال النعناع إن المساعدات التي دخلت إلى أحياء المعارضة في حلب من الحدود التركية عبر الأمم المتحدة، اقتصرت على حملة واحدة قبل شهرين، وتعد الأكبر في تاريخ المساعدات، فيما أدخل الهلال الأحمر السوري قافلتين أو 3 قوافل على الأكثر إلى تلك الأحياء، منذ قرار الأمم المتحدة بإدخال المساعدات من دون موافقة الحكومة.