خبراء في الإرهاب: الدعاية الأحدث لتنظيم «داعش» تظهر اليأس والتضعضع

وجوه مكشوفة وجنسيات مختلفة بدأ بها الشريط الأكثر فظاعة حتى الآن

TT

سعى تنظيم «داعش» المتطرف في شريطه المصور الأخير الذي أعلن فيه ذبح رهينة أميركي وعسكريين سوريين، إلى إظهار نفسه متمتعا بثقة فائضة وتوسع غير محدود، فيما يعتقد محللون أنه رد على تراجعات ميدانية للتنظيم خلال الفترة الأخيرة. وكانت الملحوظة التي لفتت انتباه كثيرين أن وجوه الذين نفذوا عمليات الإعدام في الشريط تركت مكشوفة، باستثناء عنصر واحد كان ملثما (يعتقد أنه جون البريطاني الغامض).

تضمن الشريط الذي مدته 16 دقيقة لقطات أشبه بمشاهد سينمائية متقنة الإخراج، ومصورة بكاميرا عالية الجودة، يقوم فيها جهاديون بذبح 18 شخصا على الأقل قالوا إنهم ضباط وطيارون سوريون، بطريقة متزامنة ووحشية.

وهو يعد الشريط الأكثر عنفا ضمن الأشرطة الدعائية للتنظيم الذي أقدم خلال الأشهر الثلاثة الماضية على ذبح 5 رهائن غربيين، كما نشر أشرطة تظهر تنفيذه عمليات إعدام جماعية بحق جنود ومدنيين في العراق وسوريا. إلا أن محللين يرون في الشريط دليلا على تضعضع في صفوف التنظيم الذي يتعرض منذ أغسطس (آب) الماضي لغارات ينفذها تحالف دولي بقيادة واشنطن.

وبحسب تقرير لمركز «صوفان غروب»، فان «تنظيم (داعش) لا يزال خصما قويا، لا سيما بالنسبة للملايين الذي يخضعون لسيطرته في سوريا والعراق، إلا أن التنظيم يبدو غير مترابط، وفاقدا للتوازن». ويضيف: «تخلى التنظيم عن الرسائل المنضبطة، وبات الآن يرمي برسائل عامة إلى مؤيديه وخصومه». ورجح مسؤولون غربيون في أوقات سابقة أن يكون التنظيم بلغ الحد الأقصى لنفوذه، ثم بدأ بالتراجع بعض الشيء، إثر الهجوم الكاسح في يونيو (حزيران) الماضي الذي سيطر خلاله على مناطق واسعة في العراق، ثم إعلانه إقامة «الخلافة». ويقول أيمن التميمي، الباحث في «منتدى الشرق الأوسط» والخبير في شؤون الجماعات الجهادية، لوكالة الصحافة الفرنسية: «أعتقد لأنه من الممكن ربطه (الشريط) مع التراجعات التي تعرض لها التنظيم» أخيرا.

ويشير التميمي إلى أن عرض خريطة العالم الذي يبدأ به الشريط الأخير ويظهر توسع التنظيم في الشرق الأوسط وطموحه لتوسيع نفوذه على كل العالم، يهدف إلى التأكيد على أهمية المبايعات التي تلقاها زعيم التنظيم أخيرا، لا سيما من جماعة «أنصار بيت المقدس» في مصر. ويوضح: «وجوه الذين نفذوا عمليات الإعدام في الشريط كانت مكشوفة، وتظهر بوضوح أنهم من جنسيات مختلفة، وهذه طريقة لإظهار التركيبة الدولية للتنظيم».

ونشر التنظيم الشريط المصور بعد 3 أيام من تسجيل صوتي منسوب إلى زعيمه أبو بكر البغدادي، بعد أنباء عن مقتله أو إصابته في ضربات جوية نفذها التحالف ضد قيادات للتنظيم في شمال العراق.

وتوجه البغدادي في التسجيل بعبارات «الطمأنة» لمؤيديه، مؤكدا أن الضربات الجوية لن توقف «زحف» التنظيم. كما تطرق إلى إعلان جماعات جهادية في بعض الدول العربية مبايعتها له، للإشارة إلى توسع تنظيمه.

ويعد استقطاب جهاديين جدد جزءا أساسيا من العمل الدعائي للمتطرفين.

وتقول الباحثة في مركز «كارنيغي الشرق الأوسط» داليا غانم يزبك، لوكالة الصحافة الفرنسية: «العنف الفائق في هذه الأشرطة يخدم هدفين: الأول (...) حشد المؤيدين؛ تشجيع المترددين وردع الانشقاقات»، أما الثاني «فهو إظهار أن التنظيم يحتفظ بقوته العسكرية القاسية ولا يزال موجودا على الأرض وفاعلا حاليا، وقادرا على ضرب أي كان، في أي مكان، وأي زمان».

ومن بين من ظهروا في الشريط الأخير جهاديون أجانب معروفون، وبعضهم له ملامح آسيوية أو أوروبية. ويعتقد أن بينهم أسترالي ودنماركي، إضافة إلى فرنسي واحد على الأقل. كما أن العنصر الملثم الذي شارك في ذبح أحد العسكريين السوريين وبدا واقفا إلى جانب الرأس المقطوع لكاسيغ، يتحدث بلكنة بريطانية. ويعتقد بأنه العنصر نفسه الذي قام في أشرطة سابقة بذبح الرهائن الأجانب، وهما أميركيان وبريطانيان.

وفي مقابلة بثتها أمس الاثنين قناة نرويجية مع من قالت إنه «منشق» عن تنظيم »داعش»، يعتبر هذا العنصر أن الجهاديين الأجانب يثيرون بعض الشقاق في صفوف التنظيم. ويقول هذا العنصر الذي تحدث باللغة العربية وأجريت معه المقابلة في تركيا: «هم مختلفون لأنهم يملكون المال وعاشوا في أوروبا.. لذا يقنعون أنفسهم أنهم أتوا إلى هنا ليصبحوا شهداء ويموتوا في سبيل الله»، مضيفا أن «غالبية العمليات الانتحارية للتنظيم ينفذها جهاديون أجانب». وتبنى التنظيم خلال الأسبوعين الماضيين تفجيرين على الأقل نفذهما انتحاريان أجنبيان؛ أحدهما بريطاني والآخر هولندي.

وحذر البغدادي في تسجيله الصوتي الأخير الدول المشاركة في التحالف بأنها سترغم «على النزول إلى الأرض» لقتاله.

ويرى مركز «صوفان غروب» أن الدعاية الأحدث للتنظيم تظهر بعضا من اليأس، مشيرا إلى أن «البغدادي لا يهدد بقدر ما هو يتوسل». ويضيف: «(داعش) يحتاج إلى الهروب من العلبة التي وجد نفسه محاصرا فيها».

من جهة أخرى، صرح أحمد مثنى (57 عاما) لصحيفة «ديلي ميل» الشعبية البريطانية أمس، أن ابنه ناصر مثنى، وهو في العشرين، ربما كان من الجهاديين الذين ظهروا في التسجيل. وقال للصحيفة: «لست متأكدا، لكنه يشبه ابني»، في إشارة إلى أحد المقاتلين الذين ظهروا مكشوفي الوجه في التسجيل. وابنه هو ناصر مثنى (20 عاما) وهو طالب طب من كارديف في بريطانيا.

ونشرت الصحيفة صورا أخذتها من التسجيل يظهر فيها وجه الشاب الذي تعرف عليه أحمد مثنى. إلا أن الأب عاد وصرح لـ«بي بي سي» بعد أن أمعن النظر في الصور: «لا يبدو أنه هو، هناك اختلاف كبير. هذا الشخص له أنف كبير، وابني أنفه مسطح».

ورفض مكتب وزارة الخارجية البريطانية التعليق على التكهنات بشأن هوية المقاتلين الذين يظهرون في الفيديو، إلا أن متحدثا قال: «نحن نحلل محتويات» الشريط.

وكان ناصر مثنى ظهر في فيديو نشره التنظيم لتجنيد المقاتلين في يونيو الماضي، وانضم إليه شقيقه الأصغر أصيل (17 عاما) في سوريا بحسب «بي بي سي».

وأعلن أصيل في مقابلة مباشرة مع الإذاعة البريطانية: «أنا مستعد للموت»، معربا عن عدم اكتراثه برأي الناس فيه داخل بلده.