«تويتر» والبناء الاجتماعي والثقافي لدى الشباب

الباحثة البحرينية بسمة البناء في بحث شكل «تغريدتها» الكبرى المختلفة

الباحثة البحرينية بسمة البناء - غلاف الكتاب
TT

تحت عنوان «(تويتر) والبناء الاجتماعي والثقافي لدى الشباب»، دونت الباحثة البحرينية بسمة البناء تغريدتها الكبرى، فخرج كتابها البكر وشق طريقه إلى المكتبات والباحثين والقراء، وكان نصا واعدا ومهما. وكان الكتاب في الأصل، رسالة أكاديمية حازت بها الباحثة على شهادة الماجستير في الإعلام والعلاقات العامة من الجامعة الأهلية في البحرين.

جابت فصول الكتاب الخمسة، فضاء الإعلام الإلكتروني عرضا وطولا، من ثوابت الجغرافية إلى متغيرات الوقائع اليومية؛ تاريخا لحركة العقل الإنساني في مغامرة البحث المضني عن رسالة الوسائل الاتصالية في عالم فائق السرعة في مدخلاته ومخرجاته السوبر تكنولوجية. ومن بينات النص، أن الباحثة اقتحمت بشجاعة واحدة من أهم صفحات العالم الرقمي. مهدت بسمة لبحثها المغامر في موضوعه وأسلوبه، بمعجم المفاهيم نحو (مفهوم الإعلام الجديد، ماهية الويب)، إلى جوار مصطلحات «تويتر» الرئيسة، مرورا بنشأة وسمات مواقع التواصل الاجتماعي، لتكرس جهدا مضنيا في عرض وتحليل موقع «تويتر» وما تحدثه التغريدات من ومضات لها فعل السحر في عقل ووجدان المغردين والمتصفحين على مدار كوكبنا، وفي واقع المجتمع البشري ثقافيا واجتماعيا. فـ«تويتر» بوصفه أداة للتواصل والتدوين وعرض للرؤى والأفكار، يعد اليوم بانوراما جاذبة للقارات الخمس، ولغة أممية تتواصل عبرها الثقافات والأمم والشعوب، وقد تخوض سجالات فكرية بمستوى الطيف الشمسي، يتعذر حصر حقولها المعرفية.

وتثير بسمة البناء في كتابها، إشكالية ابستمولوجية، وتحاول أن تجيب عن سؤال الأسئلة المركب؛ ما الذي أحدثته شبكات التواصل الإلكتروني في حياتنا اليومية؟ وصلة ذلك بالبناء الاجتماعي، ومدى تأثيرها على العلاقات الإنسانية، بمستوياتها الفردية والأسرية والمجتمعية.

ويختم النص بدراسة ميدانية لعينة من الشباب الجامعي في البحرين، استخدمت فيها الباحثة أسلوب التحليل الإحصائي، وصولا إلى المحددات والنسب والنتائج. ويعقب الدراسة بناء المستخلصات وما أوجبت فصول الكتاب الخمسة من استنتاجات وتوصيات.

اتسمت خطة البحث من الناحية الفنية (منهج وموضوع الدراسة) بعدد من الخصائص، من بينها: الاتساق الداخلي (انسيابية الإيقاع) وتماسك الأفكار وتسلسلها المنطقي، مما يمنح النص قوة في العرض، ورصانة بينة في التحليل وبناء النتائج. والتكاملية المعلوماتية؛ بحيث تسنى للباحثة الإلمام بأبعاد الإشكالية من وجوهها كافة. والتطبيق العملي/ الميداني لاختبار الفرضيات العامة والتحقق من مضامينها النظرية وفق أسس إحصائية، ما أتاح للقارئ أن يقف على نتائج متميزة في الفهم والاستيعاب والتمثل. وتتبدى القيمة العلمية في حسن استخدام الباحثة للمصادر ودرايتها الأكاديمية في توظيف المعلومة واستخلاص دلالتها المعرفية عبر مصادر التوثيق المتاحة. وعلى الرغم من أهمية المراجع والأدبيات ذات الصلة بموضوع الدراسة، حاولت بسمة البناء أن تخوض تجربتها العلمية طبقا لقدراتها الذاتية، واستنادا إلى ما توفر لها من المراجع والأدبيات، فأثرت عملها بمبحث ناقشت فيه نتائج الدراسات السابقة، ليدرك القارئ ماهية الدراسة وجدة النتائج التي تجاوزت فيها الباحثة من سبقها، أو الإضافات التي تمكنت من تحقيقها.

أما منطق البحث، فقد اتسم بـ3 نقاط:

1 - الإلمام الدقيق بالإشكالية من حيث المبتدأ والمنتهى، وهو ما دفع الباحثة إلى أن تجري استقصاء للمقدمات التأسيسية وما لحقها من معطيات.

2 - الوعي الاجتماعي؛ بأهمية مركز التواصل الاجتماعي «تويتر» وموقعه المؤثر في حياتنا العامة والأسرية، بوصفه إشكالية بالغة التعقيد تركت آثارها الإعلامية والثقافية على قطاع واسع من مجتمعاتنا العربية.

3 - إدراك لغة التواصل الاجتماعي، والقدرة الذاتية التي تتمتع بها الباحثة على استيعاب وتمثل هيمنة «تويتر» على عقولنا وأفكارنا، وحتى أمزجتنا أحيانا، باعتباره يشكل لدى الكثيرين ضرورة يومية، أو إدمانا شبه مستديم لدى قطاع واسع من الناس.

هنا لم يعد «تويتر» محض جسر للتواصل الاجتماعي وحسب، بل صار سؤالا فلسفيا محيرا، يتصل بالحياة الواقعية ويؤرق عقل الإنسان أحيانا. لم يعد «تويتر» عالما افتراضيا فقط، بعد أن انتقل الواقع نفسه وحل داخل بؤرة التواصل الاجتماعي..

الأسئلة الحائرة والاستفهامات الفلسفية:

* منذ الألف الثالث ق.م وفي زمن الكتابة المسمارية الأولى، نقل العراق الكائن البشري من اللغة الإشارية الصامتة إلى أبجدية الحضارة الناطقة، يقول مارتن هيدجر (1899 - 1976) الفيلسوف الألماني (حين تكون اللغة ينشأ العالم)، وعبر الكتابة التي أنجزها وادي الرافدين، نشأ لأول مرة في تاريخ الإنسان، فن التواصل الاجتماعي مرقوما على الألواح الطينية، يدون فيه عراقيو الألف الثالث قبل الميلاد، رسائلهم ومشاعرهم وأحلامهم.

* الانقلاب السحري من رتابة اللغة (الخبرية) البطيئة، إلى السرعة الفائقة كما لو أننا عثرنا على مصباح علاء الدين، حتى أصبح بوسع المغرد على «تويتر» ومن دون عناء، فقط بنبضة واحدة من سباته تنفتح أمامه مرئيات لا حدود لها، ليقوم العالم بقاراته الـ5 بفرك يديه وأمام ناظريه (شبيك لبيك) كما لو أنه يكتشف شفرة «افتح يا سمسم»!!

* التواصل الاجتماعي كان أيضا، عبر طيور الزاجل وعبر البريد المتنقل على ظهور النوق والجمال والخيول.

* مواقع التواصل الاجتماعي التقليدية عبر زوايا خصصتها المجلات والجرائد تحت عنوان (التعارف، الصداقة، الهوايات).. إلخ.

* الإنسان المعاصر (الكائن الرقمي) بدأت تنخفض لديه حرارة المشاعر الإنسانية، لتحل بديلا عنها النبضات الإلكترونية الباردة. لقد ولت وإلى الأبد «مكاتيب الحب» وانتهى زمن «رسائل الغرام المعطرة»، ولم يعد ليل العاشقين طويلا، فالهاتف الجوال الحامل للقارات والمرئيات يقدم خدماته الإلكترونية على مدى اللحظات والثواني وفي أي وقت نشاء.

* أستاذ الفلسفة ومباحثها - جامعة بغداد (سابقا)