رائحة صنع الله إبراهيم

أحمد الفيتوري

TT

في أثناء زيارة لي إلى القاهرة، دلفت من فوق كوبري الزمالك إلى الحي الراقي، كان ذلك في أكتوبر (تشرين الأول) 1973، وجدت بائع كتب قديمة تفترش كتبه الرصيف، لا يمكنني المرور من دون تصفح الكتب. وقع في يدي كتاب في حجم كف اليد، غلافه بخضرة الزرع، ما لفت انتباهي على الغلاف جملة: «تقديم يوسف إدريس»، الذي ساعتها كان ينافس نجمات السينما على النجومية. تصفحت الأوراق وحرصت على شراء النسخة بقرشين. اتخذت من موضع على الكوبري كرسيا، والتهمت الكتاب في ساعة.

لم أصدق نفسي، وأخذني وهج صوفي. الحق، التهمني الكتاب الذي لم أهتم بمن كتبه، حتى لو ذكر اسم المؤلف ساعتها، فإنه لم يكن يعني لي شيئا، السرد والمسرود هما ما شدني، فالكاتب لم يكن معروفا، مقدمة يوسف إدريس نبهتني للقراءة لا أكثر. أخذت التحفة الصغيرة إلى البيت الذي أقيم فيه في مدينة الإعلام، وهناك فكرت أن أكتب سيناريو للرواية القصيرة. لا أعرف كتابة السيناريو، لكنه شغف الشباب؛ حيث عمري حينها كان على عتبة الـ18. كل شاب عاشق للفن بالضرورة، ورغم أنني كنت في زيارة سياحية إلى القاهرة لأيام عدة، فكرت في حضور دروس في فن السيناريو، ولهذا ذهبت إلى شارع الهرم باحثا عمن يعطيني هذه الدروس، أحدهم اقترح علي ذلك، لم تنفع تلك النصيحة، لكن دفعتني إلى اقتناء كتب في فن السيناريو السينمائي، وكتبت أيامها مشاهد من الرواية التي لبستني كحالة صوفية، الرواية تسرد حالة سجين خارج لتوه من السجن، وكانت مثل تدريب لي على السجن الذي سأقضي فيه - بعد 5 سنوات من قراءة الرواية - 10 سنوات، كانت تلك الرواية هي: «تلك الرائحة» لـصنع الله إبراهيم، في طبعتها الأولي والناقصة.

* كاتب وناقد ليبي

رئيس تحرير مجلة «ميادين»