خبراء يحذرون من سباق دولي لعسكرة الفضاء

إطلاق جسم روسي غريب أثار فرضيات عدة وأعاد للأذهان قصة «قاتل الأقمار الصناعية»

TT

قبل وقت ليس بالبعيد، كان بعض من كبار علماء الفضاء في العالم لا يعتبرون الفضاء مكانا يمكن غزوه أو استكشافه، وإنما هو وسيلة لشن الحروب. وخلال الحرب الباردة في فترة الستينات من القرن الماضي، نظر هؤلاء إلى الفضاء الخارجي كمسرح محتمل للصراعات، حيث يمكن للمركبات الفضائية التي يقودها الطيارون البشر، أن تشتبك في معارك جوية وتطلق صواريخها بعيدا عن مجال الجاذبية الأرضية. كان ذلك الطموح غير واقعي، غير أنه تسبب، رغم ذلك، في ميلاد برنامج سوفياتي للأسلحة المضادة للأقمار الصناعية يسمى «استريبتل سبوتنيكوف» – أو «قاتل الأقمار الصناعية».

سرى اعتقاد بإحالة ذلك القاتل إلى التقاعد. وظن البعض أن انهيار الإمبراطورية السوفياتية أدى إلى إغلاق البرنامج. ولكن الآن، وعلى حد ما نشرته صحيفة «فاينانشيال تايمز» أولا، هناك شائعات حول عودة ذلك القاتل هناك، في ظلمات الفضاء. ومن واقع أنباء تحطم الصاروخ التابع لشركة «فيرجين غالاكتيك»، وانفجار قلب العقرب، واستكشاف «روزيتا» التي استأثرت بصفحات الجرائد، بدأت حلقة أخرى من دراما الفضاء. ففي مايو (أيار) الماضي، انطلق صاروخ روسي لإضافة عدة أقمار صناعية في الكوكبة الحالية. وخلال تلك العملية، نشرت ما كان يُعتقد في بادئ الأمر أنه قطعة من حطام الفضاء، ولكنه سرعان ما تحول إلى حالة من التكهنات الكبيرة. وقالت باتريشيا لويس، وهي واحدة من خبراء أمن الفضاء وتعمل لدى مركز تشاتام هاوس للأبحاث بلندن، لصحيفة واشنطن بوست عبر محادثة هاتفية «ليس لدي فكرة ما هو هذا الشيء!».

قليلون هم من يعرفون فعلا، حيث لم تعلن روسيا عن مداره، وتعمل المؤسسة العسكرية للولايات المتحدة، وخبراء الفضاء بجانب هواة التجسس على تتبع تحركاته، وكل منهم يتمتع بالتأني والدقة في عمله. وتحرك القمر الصناعي غير المعروف - والمسمى (الجسم 2014 - 28 إي) - مؤخرا باتجاه أجسام فضائية روسية أخرى، وبلغ ذروة رحلته عند اقترانه ببقايا منصة الصاروخ الذي أطلق من عليها أولا.

يمكن أن يكون القمر الصناعي أي شيء. أو قد يكون خردة من الفضاء. وقد يكون مهمة بحث وإنقاذ، أو وسيلة غير ضارة للتخلص من الحطام الفضائي – بمعنى الضرر الناتج عن الملاحة الفضائية. أو قد يكون شيئا أكثر من ذلك. ولم تستجب وزارة الدفاع الروسية بشكل فوري على طلب التعليق. ويقول روبرت كريستي، الذي كان عضوا في مجموعة كيترينغ الشهيرة للفلكيين «هناك على الدوام نوع من الارتباك حول مثل تلك الأشياء، وذلك لأنه لا يعلم أحد على وجه التحديد لأي شيء صُنعت تلك الأقمار الصناعية».

ورغم ذلك الارتباك، وافق كل خبير أجريت معه مقابلة، على أن تلك الأقمار الصناعية، التي يستخدمها الصينيون كذلك، ربما تكون الفصل الأخير في جهود عسكرة الفضاء – التي تُصور لأول وهلة بأنها شيء أقرب ما يكون إلى الخيال العلمي وتحول الآن إلى حرب إلكترونية يحكمها الدهاء، اعتمادا على نظم الأقمار الصناعية الحيوية المنهكة. كل التقنيات الحديثة تقريبا – من الهواتف الجوالة، وخدمات الخرائط، والبرامج التلفزيونية، وأي عدد من خدمات الاتصالات – تعتمد على الأقمار الصناعية. واستهداف تلك الأقمار الصناعية قد يعرقل قدرات إحدى الدول على توجيه قواتها العسكرية أو يؤدي إلى إغلاق خدمات الاتصالات العالمية الحساسة.

وأضافت لويس «تخيل لو كان لدينا إعصار كاترينا في الفضاء وكافة الأقمار الصناعية أصابها التشويش فجأة. تخيل ذلك فحسب». وتشير لويس إلى أن هناك عدة تفسيرات للقمر الصناعي الروسي الغامض. وبعض تلك التفسيرات غير خطير، بينما البعض الآخر شديد الخطورة. فكل استخدام محتمل خاضع للتجريب. وأحدها، على حد قول لويس، يشمل التخلص من الحطام الفضائي – على غرار فكرة المكنسة الكهربية الفضائية على سبيل المثال. والكثير من الدول المعنية بالفضاء تبحث بالفعل في كيفية تنفيذ ذلك، أو لعل المهمة تتضمن ما يشبه البحث والإنقاذ.

أما الاحتمالات الأخرى فهي بحق أكثر عدوانية، حيث تقول لويس «يمكن استخدام ذلك القمر الصناعي كنوع من الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية الأخرى، أو يمكن استخدامه للتشويش الإلكتروني على الأقمار الصناعية أو لإحراقها أو لإحكام السيطرة عليها، وبتلك الطريقة يعتبر القمر الصناعي الخاص بك ميتا».

لكن كلا الخيارين لا يعني شيئا، كما استطردت. بعد كل شيء، أنت لا تريد إطلاق قمر صناعي في الفضاء من أجل التشويش إلكترونيا على الأقمار الصناعية الأخرى هناك. ألق نظرة على الصينيين، فقد حاولوا اختراق نظام الطقس الجوي للولايات المتحدة من دون إطلاق قمرهم الصناعي، وفعلوا ذلك من على الأرض. كما أن تدمير القمر الصناعي يخلف وراءه الكثير من الحطام: «وقد يؤثر ذلك على مراقبة أقمارك الصناعية ويؤدي إلى فشل الهدف».

ولكن ما هو الهدف؟. قد تأتي الإجابة في مزيج من كافة الاحتمالات. فإذا كانت لدى القمر الصناعي قدرة التخلص من الحطام أو أداء بعض مهام الأبحاث، يمكن استخدامه أيضا في أغراض أخرى. ويقول كريستي «يمكن استخدام تلك التقنية في مسار واحد فقط، وهو مسار غير ضار وسلمي، ولكن يمكن أن يتمتع بالكثير من الاستخدامات الأخرى». ويضيف كريستي الذي كان يراقب ذلك القمر الصناعي منذ البداية «إذا اقترب من أحد الأقمار الصناعية أو من مداره الذي يسبح فيه، يمكنه حينها الاصطدام به وتدميره. وإذا تمكنت من الذهاب وتنفيذ أمور سرية، فتخيل لو كان ذلك القمر معبأ بالمتفجرات والشظايا، يمكن عندها تدمير القمر الصناعي تماما».

كانت تلك الفكرة تدور في أذهان البعض لفترة من الزمن. ففي فترة الستينات، دمر الروس طائرة التجسس الأميركية «يو 2»، مما أثار فضيحة دولية فتحت الباب أمام طموحات لفعل ذات الشيء مع أقمار التجسس الصناعية. وبعد عدة سنوات على تلك الحادثة، في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 1963. أرسل الاتحاد السوفياتي إلى الفضاء أول قمر صناعي قاتل ليروا إمكانية تحركه بسلاسة والاقتراب من وتدمير القمر الصناعي المعادي. «وجاءت تلك المهمة ردا على عسكرة الفضاء من قبل الولايات المتحدة الأميركية»، على حد وصف أحد المصادر الروسية في ذلك الوقت، وفقا للشبكة الفضائية الروسية.

لم تتوقف جهود عسكرة الفضاء في العقود التالية، رغم أنها شهدت مسارا آخر. وأوضح أوليغ أوستابينكو، قائد القوات الفضائية الروسية عام 2010. وفقا لموقع (الميكانيكا العامة - Popular Mechanics) أن روسيا مستعدة لخوض حرب الفضاء. وأضاف: «لا ينبغي أن تكون هناك حرب في الفضاء، لكننا قوم عسكريون ويجب علينا الاستعداد. ثق بكلامي، لدينا المقدرة على الرد السريع والمناسب». ويُظهر القمر الصناعي الذي يسيطر عليه الروس حاليا أنه يمكنه التحرك بسرعة، وبصورة أكثر من مناسبة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»