ناصر النصر: الصراعات الطائفية تستعر في العالم العربي مع انحسار دور الدولة

الممثل السامي للأمم المتحدة لتحالف الحضارات لـ («الشرق الأوسط»): عالمنا يواجه تحديات جسيمة

ناصر عبد العزيز النصر
TT

أكد ناصر بن عبد العزيز النصر الممثل السامي للأمم المتحدة لتحالف الحضارات أن المنطقة العربية تواجه تحديات جسيمة، أبرزها الصراعات الطائفية، التي تستعر في وقت «يتزامن مع انحسار الدور الذي يمكن أن تلعبه الدول العربية»، داعيا لتعزيز مبدأ «المسؤولية الجماعية والمصالح المتبادلة والتحديات المشتركة».

النصر قال لـ«الشرق الأوسط» إن ارتفاع موجات التطرف ورفض الآخر يأتي نتيجة آيديولوجيات مستحدثة تهدد التعددية الحضارية والثقافية في العالم.

وأكد أن «تعزيز التفاهم بين الثقافات وبناء جسور الثقة لن يتأتى إلا من خلال الحوار السلمي وتثقيف الأجيال الشابة بأهمية احترام الآخر والتعددية وتعزيز قيم التسامح».

النصر كان يتحدث لـ«الشرق الأوسط» بعد مشاركته في الدورة الـ14 لمؤسسة «عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري» التي أقيمت في مراكش بالمغرب أخيرا.

* للحفاظ على التعددية الحضارية والثقافية في العالم.. ما التحديات التي تتعرض لها التعددية والتنوع؟

- موجات التطرف ورفض الآخر نتيجة آيديولوجيات مستحدثة تهدد التعددية الحضارية والثقافية في العالم؛ فهناك فريق متعصب يرفض احترام الآخر ويرفض التمثل بقيم التسامح التي دعت إليها الأديان السماوية. لا ينبغي في أن نشك في أن أي دين أو عقيدة تبرر العنف أو تدعو إليه، إنما التأويل من صنع البشر أنفسهم. إننا رأينا على مر العصور أن التنمية البشرية والاكتشافات العلمية لم تتحقق سوى بتزاوج المعارف وتبادل الخبرات بين الشرق والغرب.

* هل يقتصر عملكم على منطقة الشرق الأوسط الملتهبة حاليا بالصراعات الآيديولوجية..؟

- عملنا يمتد إلى منطقة جنوب شرقي آسيا، حيث عقدنا المنتدى السادس لتحالف الحضارات في بالي بإندونيسيا، كما أن لدينا علاقات تعاون وثيقة مع الصين وماليزيا. لدينا أنشطة في غرب وشرق أوروبا أيضا من خلال البرامج في مجال الشباب والإعلام التي نقوم بها بالتعاون مع حكومات أو المنظمات في تلك الدول. ونسعى الآن لفتح مجالات جديدة للتعاون مع أفريقيا.

* شاركتم في منتدى الأمم المتحدة الخامس لتحالف الحضارات الذي عقد في فيينا، حيث دعا القادة المشاركون لتعزيز التفاهم بين الثقافات والحضارات ومواجهة التطرف وبناء الثقة وتمتين التسامح وضمان حرية المعتقد الديني والتعددية.. ما السبل لتحقيق هذه الغاية؟

- العالم الذي نعيش فيه الآن يواجه تحديات جسيمة، وبالأخص المنطقة العربية، بما تشهده من صراعات طائفية. ويتزامن هذا الواقع مع انحسار الدور الذي يمكن أن تلعبه الدول العربية في عالم تترابط مصالحه وتحدياته، وقد شهد العالم تطورات كثيرة منذ انعقاد منتدى تحالف الحضارات في فيينا. إن الملجأ، وبكل تأكيد، هو النظر إلى مبدأ المسؤولية الجماعية والمصالح المتبادلة والتحديات المشتركة.

تعزيز التفاهم بين الثقافات وبناء جسور الثقة لن يتأتى إلا من خلال الحوار السلمي وتثقيف الأجيال الشابة بأهمية احترام الآخر والتعددية وتعزيز قيم التسامح، وهنا يأتي الدور المهم الذي يمكن أن يقوم به رجال الدين ومنظمات المجتمع المدني.

نقول في التحالف إن الإيمان بالتنوع والعيش المشترك هو الأساس لا بد من تحقيقه لخدمة الدبلوماسية الوقائية القائمة على انتهاج الحوار وحل الخلافات بالطرق الودية.

* من شركاؤكم في هذه المنطقة؟ هل تتلقون دعما من الحكومات...؟

- لدينا الآن 141 عضو في مجموعة أصدقاء التحالف، وهم يمثلون بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عدة منظمات مثل «الفاو»، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، واليونيسكو، والإيسسكو. بالإضافة إلى هؤلاء فإن لدينا مذكرات تفاهم مع عدة جامعات ومؤسسات علمية. نتلقى دعما من بعض الحكومات والمنظمات توجه إلى دعم وتمويل أنشطة وبرامج التحالف.

* ألا توافقون على أن الصراعات الثقافية أساسها سياسي.. وبالتالي تحتاج إلى حلول سياسية..؟

- ليست كل الصراعات أساسها سياسي.. هناك صراعات كثيرة تنتج عن عدم تكافؤ الفرص وانعدام التنمية والحوكمة السيئة وتهميش بعض الفئات والأقليات، ثم تتحول إلى مشكلة سياسة.

* ما السلطة التي تمتلكونها لفرض القيم التي ترعاها الأمم المتحدة في مجال تعزيز التفاهم بين الحضارات ومواجهة التطرف؟

- تم تأسيس تحالف الحضارات عام 2005 بمبادرة أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة تحث رعاية كل من إسبانيا وتركيا. وقد خولنا الأمين العام للأمم المتحدة بالعمل على استخدام الوساطة والدبلوماسية الوقائية بالتعاون مع الإدارات الأخرى المختلفة في الأمم المتحدة لتخفيف حدة الصراعات ذات الطابع الديني أو الثقافي.

* في كلمتك بـ«مراكش» حددت 4 ركائز لعمل التحالف من أجل تحقيق تغيير جذري في التنمية الإنسانية، العمل على تطوير التعليم، وتمكين الشباب، واستثمار الإعلام، ومعالجة مشكلات الهجرة.. كيف ستطبقون هذه الأهداف؟

- لدينا بالفعل برامج متداخلة في هذه المجالات الـ4، التي تشكل ركائز التحالف. على سبيل المثال، نعمل على تمكين الشباب من خلال تقديم منح لدعم مشاريعهم الصغيرة التي تهدف إلى مد جسور التفاهم والتعددية بين المجتمع. كما نقوم بتنظيم برامج تبادل للشباب من منطقة الشرق الأوسط، وبين شباب من أوروبا والولايات المتحدة، وذلك لتوضيح الصورة وتقريب وجهات النظر في المسائل المتعلقة بالاختلافات الثقافية والدينية. نقوم بتنظيم مدرسة صيفية نقدم فيها للشباب دورات تثقيفية تهدف إلى توعيتهم بأهمية قيم التسامح واحترام التعددية ونمط التفكير المنهجي. كما نقوم بتنظيم ندوات ودورات تدريبية للصحافيين لمناقشة أفضل الطرق لتناول المواضيع التي تتعرض للتعددية الثقافية والدينية. وقد أصدرنا أخيرا كتيب عن كيفية انتقاء المصطلحات الصحيحة عند تغطية المواضيع الخاصة بالمهاجرين والهجرة، وقد تعاون معنا في المحتوى منظمة العمل الدولية ومنظمة الهجرة الدولية ومؤسسة «بانوس» في فرنسا وعدد من الصحافيين الذين يقومون بتغطية مواضيع المهاجرين.

* دعوتم لإشراك رجال الدين في تحقيق أهداف تحالف الحضارات.. بينما هناك من يرى أن (بعض) رجال الدين يتحملون المسؤولية في تعزيز الانقسام والصراعات الحضارية.

- المنظمات الدينية، ورجال الدين، تقع على عاتقها مسؤولية كبيرة، وهي اتباع الوسطية في الخطاب الديني ونبذ التطرف وتعزيز القيم الحقيقية للأديان السماوية التي تدعو إلى التسامح والرحمة.

هناك بعض من رجال الدين لا يتبعون هذا المسلك، ونجد أن هناك الكثير منهم من يتميز بالاعتدال.

* ماذا فعلتم بالنسبة للتهديدات التي تواجه المسيحيين في سوريا والعراق، وكذلك الإيزيديون والأقليات الدينية والعرقية في العراق؟! - الأمم المتحدة لديها مفاهيم وقوانين واضحة تنص على احترام جميع الأقليات سواء الدينية أو العرقية أو النوعية، وقد نص ميثاق الأمم المتحدة على ذلك كون احترام الأقليات أحد حقوق الإنسان.

وقد قمت أخيرا بتنظيم اجتماع حول موضوع التهديدات التي تتعرض لها الأقليات في مختلف أنحاء العالم، حيث عرضنا فيه رؤية المسؤولين في الأمم المتحدة ورجال الدين وخبراء القانون.

إن الحكومات تقع على عاتقها المسؤولية الأولى في حماية حقوق الأقليات، وعلى المجتمع الدولي تقديم المساعدة للحكومات في حال فشلها في حماية الأقليات.

* في أحد المؤتمرات قلتَ إنك تسعى لاستخدام الفن لتخفيف التوترات باعتبار أن «الموسيقى (تعمل) لتهدئة الألباب والنفوس فتكون مصدرا للأمل والأخوة في عالم يغلب عليه اليأس»؛ ألا ترون ذلك ضربا من المثالية؟! - أسعى لاستخدام ليس فقط الفن بكل أشكاله ولكن الرياضة أيضا، ولا أتفق معك في أن هذا ضرب من المثالية.

عندما توليت قيادة التحالف في فبراير (شباط) 2013، قمت بلفت انتباه المنتدى العالمي لتحالف الحضارات المنعقد في فيينا بقراري نحو استخدام الرياضة والموسيقى والفن والترفيه لتعزيز ثقافة السلام، إذ إن هذه المفاهيم يمكن أن تجلب الناس والثقافات معا لتجاوز الخلافات.

دعني أعطك مثالا على دور الرياضة.. المناضل العظيم نيلسون مانديلا. يمكننا التفكير في كيفية تبنيه مفهوم الرياضة من أجل السلام (نيلسون مانديلا توفي في 5 ديسمبر «كانون الأول» 2013).

فمن يستطيع أن ينسى تلك اللحظة العاطفية عندما كان يرتدي (مانديلا) زي الرياضة في جنوب أفريقيا وتسلم «كأس العالم» في عام 1995 في جوهانسبورغ بجنوب أفريقيا؟

لقد عرف مانديلا كيف يمكن للرياضة أن تسهم في توحيد فئات البشر.

الرياضة مثل الفنون التي لا تعترف بالفروق الطبقية أو الدينية أو العرقية أو اللغوية. فمن منا لا يستمتع بالموسيقى أو بالنظر إلى قطعة فنية رائعة؟ نرى مئات البشر من مختلف الجنسيات والأديان يجتمعون في قاعة واحدة للاستمتاع بحفل موسيقى. أليس هذا تقاربا بين الشعوب؟! إن الأدب والشعر والفنون يمكن أن تخاطب الذات البشرية ومن ثم يمكن استخدامها لإرسال رسائل سلام.