بوتين: أميركا تريد إخضاع روسيا.. لكنها لن تفلح

جدل بين موسكو وكييف حول التفاوض «في مكان محايد».. و«الأطلسي» يحذر من «تصعيد خطير»

عمال يزيلون جزءاً من حطام الطائرة الماليزية التي كانت تحطمت في يوليو الماضي، في بلدة غرابوفو قرب مدينة دونيتسك شرق أوكرانيا أمس (ا.ب.ا)
TT

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس إن الولايات المتحدة تريد إخضاع موسكو لكنها لن تنجح أبدا. وصرح بوتين في نهاية اجتماع استمر 4 ساعات مع جماعة مؤيدة تدعى جبهة الشعب «إنهم (الولايات المتحدة) لا يريدون إذلالنا، بل يريدون إخضاعنا وحل مشكلاتهم على حسابنا. لم يتمكن أحد في التاريخ من تحقيق هذا مع روسيا ولا أحد سيمكنه عمل ذلك على الإطلاق»، وهي عبارة أثارت عاصفة من التصفيق.

وتبين نبرة حديث بوتين التوتر في العلاقات بين موسكو وواشنطن اللتين توجد خلافات بينهما بشأن الأزمة في أوكرانيا، حيث يتهم الغرب روسيا بتشجيع وتسليح الانفصاليين في جنوب شرقي أوكرانيا. وأثناء الاجتماع حث بوتين الشركات الروسية مرارا ومن بينها في القطاعين الزراعي والعسكري على تعزيز مبيعاتهما في الأسواق المحلية بعد التعرض لعقوبات متبادلة من جانب الغرب فجرها النزاع بشأن أوكرانيا.

وقبل خطاب الرئيس بوتين، أعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن تحفظه على دعوة وجهها رئيس الوزراء الأوكراني أرسيني ياتسينيوك، أمس، لروسيا من أجل عقد مؤتمر دولي على أرض محايدة لبحث الأزمة الأوكرانية. وجاء هذا فيما حذر حلف شمال الأطلسي من «تصعيد خطير» في الأزمة، وحثت برلين، بدورها، الأطراف المعنية على احترام اتفاق السلام الموقع بين كييف والانفصاليين الموالين لروسيا في سبتمبر (أيلول) الماضي.

وذكر لافروف، في مؤتمر صحافي عقده أمس في مينسك في أعقاب لقائه مع نظيره البيلاروسي، أن «مباحثات مينسك التي سبق أن ساعدت على التوصل إلى عدد من الاتفاقيات في سبتمبر الماضي، تظل الإطار الأنسب، ومن المهم الالتزام بتنفيذ ما جرى التوصل إليه من اتفاقات». ومضى قائلا «إذا كان الحديث يدور حول اقتراح جديد يتعلق بإجراء مشاورات سياسية فإنه لم يسمع بعد عن اقتراح عقد مثل هذا المؤتمر الدولي. كانت هناك فكرة للدعوة إلى مؤتمر للمانحين، وهو ما يبحثه الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع البنك الدولي، وهما ينطلقان من أن الوقت لم يحن بعد لعقد مثل هذا المؤتمر». واستطرد أنه على يقين بعدم الحاجة إلى التفكير في اختراع «دراجات جديدة» في ظل وجود إطار مينسك، إطار مجموعة الاتصال «وهو الإطار الوحيد الذي يضم ممثلي سلطات كييف وممثلي وزعماء جنوب شرقي أوكرانيا بمشاركة روسيا ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي».

ورأى لافروف أن «هذا الإطار ينص على الحوار المباشر بين الأطراف، وهو ما ندعمه ونؤيده». ووصف وزير الخارجية الروسي محاولات طمس هذا الإطار بالأوهام «نظرا لأنه من غير المعقول توقع أن يتنحى زعماء جنوب شرقي أوكرانيا جانبا، بينما يتفق الكبار في ما بينهم ليقولوا لهم ماذا يجب عمله». واستطرد أن روسيا وبيلاروسيا تواصلان تأييد ضرورة تنفيذ ما جرى التوصل إليه في مينسك من اتفاقيات، وأن مينسك تظل المكان الأمثل لمواصلة الحوار المباشر بين كييف وجنوب شرقي أوكرانيا. وخلص إلى تأكيد عدم وجود طريق آخر للتوصل إلى تسوية الأزمة.

من جانبه، اتهم الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو روسيا بعدم مراعاة ما جرى التوصل إليه من اتفاقيات في مينسك. وقال في معرض لقائه مع وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، في كييف أمس، إن موسكو لا تقوم بتنفيذ هذه الاتفاقيات، ودعا الوزير الألماني إلى بذل الجهود من أجل دفع روسيا إلى تنفيذها. ودعا إلى ضرورة العمل من أجل الالتزام بوقف إطلاق النار وإغلاق الحدود الروسية - الأوكرانية والإفراج عن الأسرى والرهائن وسحب القوات الروسية وإجراء الانتخابات في عدد من مناطق مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك بموجب القانون الأوكراني.

أما ياتسينيوك فدعا أمس السلطات الروسية إلى «مباحثات جدية على أرض محايدة لبحث الأوضاع في منطقة الدونباس»، بجنوب شرقي أوكرانيا. وذكر ياتسينيوك في أعقاب لقائه مع شتاينماير أن إطار جنيف يظل الإطار الأنسب للمشاورات حول الأوضاع في جنوب شرقي أوكرانيا، وهو الإطار الذي يمكن أن يجمع روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأوكرانيا. ورأى ياتسينيوك أن هذا الإطار «مناسب إلى جانب المباحثات الثنائية والمتعددة الأطراف».

وبعد زيارته لكييف، كان مفترضا أن يتوجه شتاينماير إلى موسكو في وقت لاحق أمس لعقد لقاء مهم مع نظيره الروسي. وتعد زيارة شتاينماير حاسمة بالنسبة لتسوية الأزمة الأوكرانية، في محاولة لاحتواء توتر غير مسبوق بين روسيا والغربيين. وهذه أول زيارة يقوم بها مسؤول عالي المستوى من بلد أوروبي منذ أن أخذت الحرب في أوكرانيا هذا البعد. لكن لافروف استبق وصول نظيره بقوله إنه لا ينتظر «اختراقا» في الموقف من مباحثاته في موسكو. وأكد لافروف أن زيارة شتاينماير هي زيارة عمل، وأنه اتفق معه حول تبادل الآراء وتوضيح المواقف حول أوكرانيا والعلاقات الروسية الألمانية. أما عما يسمى بالاختراق فقال لافروف بضرورة استيضاح ما وراء لفظة «اختراق»، حيث قال إن أحدا لا ينتظر ذلك. وأضاف أن الزيارة لن تكون مناسبة للإعلان عن تسوية كل القضايا في العالم ومنها الأزمة الأوكرانية. وأعرب الوزير الروسي عن تقديره للعلاقات الروسية - الألمانية وما يدور من نقاش بين الطرفين، مؤكدا أهمية توازن المصالح والمواقف.

وتتهم أوكرانيا والحلف الأطلسي روسيا بنشر دبابات وجنود في المنطقة، بينما وصفت الدبلوماسية الروسية هذه الاتهامات بأنها «مفبركة». وكرر حلف شمال الأطلسي أمس التنديد بما وصفه بأنه «تعزيز عسكري خطير» في شرق أوكرانيا وفي الجانب الروسي من الحدود. وقال الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ، لدى وصوله إلى اجتماع وزراء الدفاع الأوروبيين في بروكسل، إن «لدى روسيا الخيار: يمكن لروسيا إما أن تشارك في حل سلمي عبر التفاوض أو تواصل السير على الطريق الذي يقود إلى عزلتها». وقال ستولتنبرغ «نرى تحركا للقوات والمعدات والدبابات والمدفعية وكذلك أنظمة حديثة مضادة للطيران». وأضاف «هذا تعزيز عسكري خطير جدا.. في الوقت نفسه في أوكرانيا وفي الجانب الروسي من الحدود»، ولقد رصده الحلف الأطلسي وكذلك مصادر محلية، مثل «صحافيين مستقلين» والمراقبين الدوليين لمنظمة الأمن والتعاون الاقتصادي. واعتبر ذلك «انتهاكا لاتفاق وقف إطلاق النار، ونحن ندعو روسيا إلى سحب قواتها من شرق أوكرانيا واحترام اتفاق مينسك».

وميدانيا، اشتدت حرب الخنادق والمدفعية منذ الانتخابات الانفصالية التي جرت في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي وقالت موسكو إنها «تحترمها» بينما نددت بها كييف والغربيون واعتبروها عائقا خطيرا في عملية السلام. وقتل ستة جنود أوكرانيين وجرح ثمانية آخرون على الأقل خلال اليومين الماضيين، وفق ما أعلنت قيادة أركان العملية الأوكرانية في الشرق على موقعها على الإنترنت.