100 من القيادات الدينية والسياسية يشاركون في مؤتمر مركز الملك عبد الله بفيينا

يناقشون دينامكية العنف التي يستخدم فيها الدين للتحريض

جانب من جلسات مؤتمر مركز الملك عبد الله في فيينا
TT

انطلقت صباح أمس بمركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات فعاليات مؤتمر «متحدون لمناهضة العنف باسم الدين»، الذي ينظمه المركز بمشاركة أكثر من 100 شخصية من القيادات الدينية وصنّاع القرار والدبلوماسيين وممثلي المنظمات المعنية بمساعدة المتضررين من النزاعات خاصة بالعراق وسوريا، من بينهم الممثل السامي لتحالف الحضارات مندوبا عن الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، ومديرة البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في الشرق الأوسط وآسيا، وأمين عام رابطة العالم الإسلامي، وعدد من أعضاء هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية والأزهر الشريف والبطاركة ممثلين للكنائس الشرق أوسطية وبطريك الكنيسة السريانية، وحضور مميز من علماء الإفتاء وقيادات دينية.

وكان فيصل بن عبد الرحمن بن معمر، الأمين العام للمركز، قد أكد أمام المؤتمرين يوم أمس أن المبادرة لتنظيم واستضافة هذا اللقاء الدولي تمثل امتدادا لجهود المركز في إرساء قيم السلام والعدل وتعزيز فرص الالتقاء حول المشترك الديني والإنساني بما يدعم التعايش السلمي بين أتباع الأديان والثقافات على أسس المواطنة المشتركة والالتزام بدعم وحماية التنوع الديني والثقافي في هذه المجتمعات التي تعايشت سلميا لمئات السنين، وتفعيل آليات مناهضة سوء استخدام الدين لتبرير العنف والتحريض على الكراهية في الدول والمناطق والمجتمعات التي تعاني من نزاعات سياسية مسلحة، من خلال قراءة موضوعية للمخاطر الكبيرة التي تهدد نسيج تلك المجتمعات، والعمل على استنهاض المؤسسات والأفراد للمشاركة في مواجهة ظاهرة العنف والتطرف وفي مقدمتها المؤسسات التعليمية والتربوية والدينية والإعلامية من أجل محاصرة الأفكار المنحرفة التي تغذي الإرهاب والتطرف، والسعي إلى تكوين رأي عام فاعل لمكافحة محاولات توظيف الدين في النزاعات السياسية، من خلال تعزيز المشاركة المجتمعية في مواجهة هذه الأفكار المنحرفة، والوقوف على أفضل المقترحات والآليات لمواجهة هذه المشكلة، وتسليط الضوء على أهمية نشر ثقافة الحوار وترسيخ منهج الوسطية والاعتدال، لمكافحة مثل هذه الممارسات والانتهاكات.

وأشار بن معمر إلى أن «التنوع والاختلاف مصدر قوة للمجتمعات وليس سببا للخلاف والتناحر، وهو ما تتجاهله جماعات التطرف الديني والسياسي والتنظيمات الإرهابية التي تتستر خلف شعارات دينية لتنفيذ أجندات سياسية، وتوسيع نطاق التوتر في منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره عبر الاستقطاب الديني وإذكاء النعرات العرقية والدينية التي باتت تهدد سلامة النسيج الاجتماعي التاريخي والديني للتعايش في كثير من الدول، وتفتح الباب للمزيد من العنف والتطرف والإرهاب على غرار ما نراه من ممارسات للتنظيمات الإرهابية في مناطق متعددة من العالم خاصة شمال العراق وسوريا، وما حصل من قبل من اعتداءات على بعض مكونات المجتمع في أماكن عديدة مثل أفريقيا الوسطى وبورما، بسبب انتمائهم الديني أو العرقي. إلى جانب ظهور جماعات تابعة أو موالية لهذه التنظيمات في دول أخرى، وأفراد متأثرين بأفكارها في عدد من دول العالم، وقد ركزنا في هذا اللقاء على ما يحدث من إرهاب وتطرف باسم الدين في العراق وسوريا».

إلى ذلك، عرض بن معمر لملامح وجهود مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في تعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتفعيل التعاون مع شركائه في بناء السلام ودعم التعاون والتعايش بين أتباع الأديان والثقافات وحماية التنوع الديني والثقافي، معربا عن ثقته في أن يكون اللقاء الدولي «متحدون لمناهضة العنف باسم الدين» فاتحة خير للتصدي لكل الممارسات التي تهدد حرية وكرامة وحياة الإنسان بسبب اختلافه الديني أو العرقي.

وكان الدكتور محمد السماك قد ألقى كلمة نيابة عن أعضاء مجلس إدارة مركز الملك عبد الله للحوار بين الأديان، أكد فيها أن «الاطمئنان الوهمي يؤدي إلى أخطر أنواع الاضطراب والفوضى، وهو ما يتضح من معاناة مجتمعاتنا الشرق الأوسطية في الماضي من أمور كثيرة، يأتي في مقدمتها أمران أساسيان من نزيف داخلي حاد ومن استنزاف خارجي متبادل»، موضحا أن «الخطر بدأ يهز أركان ودعائم كيان هذه المنطقة وهذا الكيان الذي لا يستمر إلا على قاعدة الوحدة في التنوع، ولا شك في أن أكثر ما يتمثل هذا الخطر تقلد مقاليد التسلط وليس السلطة، مقاليد التسلط على الناس والحكم على ما في ضمائرهم، وهو شأن خص الله به نفسه وحده، فلا يوجد ما هو أشد انتهاكا للإسلام وأكثر تشويها لقيمه ومبادئه من هذا الادعاء الاستغلالي الرخيص، وهو ما استوجب أن يرفع المسلمون صوتهم عاليا ليسترجع الإسلام نفسه من المدعين كذبا وبهتانا أنهم دعاته وحماته».

ومضى الدكتور السماك مضيفا أن «وجودنا هنا في مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات يؤكد أن هذا ليس مجرد شعار نتغنى به، إنما هو حقيقة عشناها معا على مدى قرون طويلة تخبرنا بأن الإرهاب يستهدفنا جميعا، مسيحيين ومسلمين، وأنه إذا كان الإرهابيون يرتكبون في ذلك جرائم ضد الإنسانية فإن أفظع جرائمهم أنهم ينسبون جرائمهم إلى الإسلام». وختم د.السماك كلمته بالتأكيد على انحسار الإرهاب عاجلا أم آجلا ليعود الشرق الأوسط كما كان وكما يريده أهله مهدا للحضارات ومنارة للإيمان ونموذجا للعيش المشترك.

عقب ذلك، بدأت الفعاليات العلمية في أول أيام اللقاء، وتضمنت عددا من الاجتماعات مع الخبراء المشاركين، كما تناولت المحاور الأساسية لتحقيق الترابط الاجتماعي من خلال مبادرة لبناء السلام بين أتباع الأديان والثقافات في مناطق النزاعات والتدريب على الحوار والتعاون بين الأديان والثقافات المختلفة، وتفعيل دور المنظمات والقيادات الدينية في الإفادة من وسائل الاتصال الاجتماعي والإعلام والاتصالات في مد جسور الحوار وتهيئة البيئة الحاضنة للتنوع الديني والثقافي ومكافحة إساءة استخدام الدين لتبرير العنف.

ويناقش الخبراء وصناع القرار المشاركون في أعمال المؤتمر، الذي يختتم فعالياته مساء اليوم، تفاصيل الوضع الراهن في مناطق النزاعات في عدد من المناطق منها العراق وسوريا، وطبيعة التفاعلات الإقليمية المرتبطة بديناميكية العنف والتي يستخدم فيها الدين للتحريض، والتوجهات التي يمكن من خلالها معالجة إخفاق السياسات في التعامل مع هذه النزاعات، وكذلك الاستراتيجيات التي يمكن التركيز عليها للتصدي لديناميكيات العنف والإقصاء الديني والطائفي ومعالجة آثارها. ومن ثم، يختتم المركز مؤتمره مساء اليوم بجلسة يرفع فيها توصياته، يشارك فيها وزراء خارجية دوله المؤسسة.