ملامح جديدة للمرأة المصرية في معرض بالقاهرة

الفنان محمد الطراوي يقتنص ملامحها من عباءة التاريخ وغبار الحياة

TT

يعيد الفنان محمد الطراوي صياغة ملامح المرأة المصرية، ويقتنصها في فضاء جمالي لافت يكاد يكون تلخيصا لتجليات هذه الملامح عبر شتى العصور، وذلك في معرضه التشكيلي الجديد المقام حاليا بقاعة «الباب- سليم»، بمتحف الفن المصري الحديث بساحة الأوبرا بالقاهرة.

تبدأ هذه الصياغة من عنوان المعرض نفسه والذي قصد الفنان على أن يسميه «هي»، اعتزازا بخصوصية اسم الإشارة الأنثوي، وما يحمله من دلالة متعددة المستويات جماليا ونفسيا واجتماعيا، وهو ما يبرز في لوحات المعرض في تكوينات فنية متنوعة، تتبادل فيها الحركة والثبات محور الإيقاع، لرسم حياة ساكنة للوجوه مفعمة بالأمل والاستقرار في بعض اللوحات، وفي أخرى تصبح ضاجة بالحركة، كأنها تفتش عن زمن هارب خلف ملامحها المطموسة تحت غواية ومناورات الضوء واللون والتجريد والتجسيد، والتي أحيانا تحول الجسد الأنثوي إلى قناع، لا تبحث الأنثى في ظلاله فقط عن نقص ما، تكمل به وجودها المضطرب، وإنما تبحث أساسا عن علاقة وإطار حقيقي، تنمو فيها أشواقها وأحلامها بشكل طبيعي.

وفي اللوحة لا يفصل الفنان بين تداعيات الخط واللون والضوء على المسطح، وإنما يدعها تتفاعل وتنداح بعفوية، لتمنح الشكل حسية ظواهر الطبيعة وتلقائيتها، فنشعر أن الشكل جُلب منها للتو، وأن كل هذه العناصر في حالة غمر في مشهد الطبيعة نفسه، فالشكل يسبح في الألوان والضوء، والخطوط شفيفة مندغمة فيه، لا تحدها حزوزات خارجية، تتقلب ما بين الخفة والثقل في تدرجات ألوان الماء والإكريليك.

ورغم أن الفنان يولي اهتماما خاصا بطاقة التعبير فإنه يختزل التفاصيل، يموهها بشكل خاطف في ضربات الفرشاة، صانعا جدلية شيقة بين قيم الوضوح والغموض، تتبدى في مساحات لونية صريحة تتقلب ما بين الأزرق المزهري المتوهج والأصفر الساطع، والأحمر الخفوت المشرف بنتف داكنة، والأبيض الشاهق، والأخضر المحاط بهالة رملية صفراء. ولا تعمل هذه العناصر في اللوحات بشكل منفرد أحادي، وإنما تكمل بعضها بعضا، في تجانس بصري، يحقق جاذبية ما للوحة، ويجعل الشكل في علاقة عضوية مع الخلفية، كأنها جزء حي من نسيج قدرته التعبيرية.

أيضا يبرز هذا التنوع البصري في ماهية الشخوص نفسها، حيث تتنوع ملامح الأنثى، ما بين الماضي والحاضر، ما بين البادية والمدينة، ما بين الطفولة وحكمة السنين والعمر، ما بين العوز والفقر، ما بين الحب والحرمان، لكن طاقتها التعبيرية تشع في كل الحالات كرمز للعطاء، مفتوح بحيوية على الحرية والحياة والوطن الإنسان، كما ينوع الفنان ملامحها ووجودها، من خلال هياكل ظلية للشكل نفسه تومض في خلفية اللوحة، محدثة نوعا من الذبذبة البصرية، تشبه نغمة الموسيقى.. فالمرأة حمّالة أوجه وأزمنة وحضارات، وهي فضاء مفتوح على الإبداع في شتى مناحيه، الشعر والقصة والرواية والموسيقى، والفن التشكيلي على نحو خاص.

وعن معرضه الذي افتتحه وسط لفيف من الفنانين، د. أحمد عبد الغني رئيس قطاع الفنون التشكيلية مساء يوم الاثنين الماضي ويستمر حتى 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، يقول الفنان الطراوي: «إن مقاييس الجمال التي يراها الرجل في المرأة لم تعد الفتاة المبهرة الجمال التي يهيم بها حبا، ولكنها أصبحت ذلك الحلم الرقيق والطيف الذي يحلم به كرمز، فهي عالم متنوع بين الواقع والخيال، أرسم ملامح حياة زاخرة للنساء الساعيات إلى القوت والحرية والحب، اللاتي يغرسن أقدامهن في طين الأرض، ويرفعن هاماتهن ليطلقن العنان لخيالهن يأخذهن إلى حيث يشأن.. فحينما نُسجت خيوط روح الرجل كانت في رحم امرأة، وحينما تصالح مع العشق والحب كان في قلب امرأة».

يحمل كلام الفنان نزعة إنسانية، تشير ضمنيا إلى أن اللوحة تشبه عملية ولادة، يمكن أن نجد صداها في الكثير من لوحات المعرض، فثمة وجوه، شاخصة تترقب مصيرها بحنان في اللوحة، لكن نظرتها تذهب أبعد من حدود الإطار الخارجي، وكأنها على حافة مخاض، تنتظر مولودا يشبه الحلم والحقيقة معا.