الأمم المتحدة: حصة النساء من القروض عالميا بلغت 24 % مقابل 76 % للرجال

تمويل المشاريع أكبر مشكلة تعترض سيدات المقاولات

جانب من فعاليات اليوم الأول من «القمة العالمية الخامسة لريادة الأعمال» بمراكش (تصوير: عبد الرحمان المختاري)
TT

أبرزت مناقشات اليوم الأول من أعمال القمة الخامسة لريادة الأعمال في مدينة مراكش أن تمويل المشروعات يعد أكبر مشكلة تعترض السيدات المقاولات في العالم، واشتكت الكثير من السيدات المشاركات في القمة من مواجهة النساء لتمييز على أساس الجنس في المعاملات المصرفية.

وقالت ماريم بول، المسؤولة الرئيسة للاستثمار لدى شركة التمويل الدولية في واشنطن، إن العالم عرف تطورا كبيرا في نظرته إلى ممارسة الأعمال من طرف السيدات في السنوات الأخيرة. وأضافت: «قبل 10 أعوام لم يكن الجميع يستوعبون أو يتقبلون ممارسة السيدات للأعمال. لكن الوضع تغير الآن واستطاعت المرأة أن تفرض وجودها في هذا المجال». وذكرت أن النقاش المجتمعي حول ولوج المرأة للأعمال تطور من موضوع يتعلق بالإنصاف والمساواة إلى اعتباره ضرورة للتنمية والتشغيل والتقدم، والنظر إلى ممارسة المرأة للأعمال من منظور الربح.

بيد أن بول أوضحت أنه لا يزال هناك الكثير لكي تأخذ المرأة موقعها كاملا في مجال ريادة الأعمال. وقالت: «اليوم استطاعت ملايين النساء عبر العالم ولوج المقاولة والعمل الحر من خلال القروض الصغيرة جدا. لكن النساء ما زلن يعانين من صعوبة الحصول على القروض المصرفية والتمويلات التقليدية لتطوير هذه المشاريع الصغيرة جدا ورفعها إلى مستوى أعلى».

من جهته، قال سليمان ديارا سوبا، مدير عام بنك أتلنتيك، فرع البنك الشعبي المغربي في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، إن المصارف لا تتعامل في الغالب مع طلبات التمويل بمنطق التمييز الجنسي. وأضاف: «كبنوك ما يهمنا هو جودة المشاريع وقدرتها على النمو وخلق الثروات. ونعتمد معايير فنية محايدة في منح التمويلات. غير أن الواقع يبرز أن الشركات النسائية لا تزال ضعيفة نسبيا». وأشار ديارا سوبا إلى أن عدد الشركات النسائية في بلده «ساحل العاج» لا يتجاوز 16 في المائة من مجموع الشركات، وقال: «لدينا سيدات أعمال ناجحات، لديهن شركات كبرى، وتمكنَّ من الفوز بصفقات كبرى، لكنهن للأسف قليلات».

ويضيف ديارا أن عددا كبيرا من النساء الأفريقيات نجحن في إطلاق مشاريع صغيرة جدا بالاعتماد على السلفات الصغرى، وقال: «في ساحل العاج بدأنا في 2012 بتخصيص صندوق من مليوني دولار لتمويل المشاريع الصغيرة جدا، المبلغ ارتفع اليوم إلى 8 ملايين دولار نتيجة الإقبال الكبير والنجاح الذي صادفه، خصوصا لدى النساء، واللواتي برهن أنهن أكثر التزاما برد القروض من الرجال وأكثر مسؤولية». وأشار إلى أن بنك أتلنتيك استلهم التجربة المغربية في هذا المجال وأنشأ فرعا مصرفيا متخصصا في السلفات الصغيرة جدا. وأضاف أن هذا الفرع المتخصص سيعمل على تأطير النساء المستفيدات من أجل الارتقاء بمشاريعهن إلى حجم يؤهلهن لطلب التمويلات المصرفية التقليدية. وقال: «نحاول الارتقاء بهذه المشاريع الصغيرة لتصبح مقاولات عصرية نموذجية من حيث طريقة التدبير وإمساك حسابات واعتماد الممارسات السليمة في مجال الأعمال».

وحسب إحصائيات صادرة عن الأمم المتحدة فإن حصة النساء من إجمالي القروض المصرفية تبلغ 24 في المائة، مقابل 76 في المائة للرجال.

ويرى برينت هابغ، مدير تيكنوسيرف في منطقة شرق وجنوب أفريقيا، أن النساء المقاولات لا زلن يعانين من الحواجز الثقافية رغم الإصلاحات التي عرفتها بعض البلدان، وقال: إن تغيير العقليات سيحتاج إلى وقت، لذلك أوصي بإيجاد منتجات مصرفية خاصة لتمويل المشاريع النسائية.

من جهتها، قالت بسيمة الحقاوي، وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية المغربية «مشكلة ولوج النساء للأعمال لا تختص ببلد أو منطقة أو ثقافة معينة. فكل النساء في العالم لديهن مشاكل في إحداث مقاولة بسبب الجنس. فالمرأة عندما تقدم على إحداث مقاولة تجد نفسها أمام مشاكل في التمويل وفي الإجراءات الإدارية، كما تصادف مشاكل داخل المقاولة نفسها بسبب العاملين من الجنسين، الذين تهيمن عليهم العقلية الذكورية». وتضيف الحقاوي أن الدليل على وجود هذه المشاكل الموضوعية التي تعترض المرأة في إحداث المقاولة، هو ضعف عدد المقاولات التي تحدثها النساء.

وأضافت: «طبعا هناك تطور كبير في المغرب بسبب الثقة التي أصبحت للنساء في ذواتهن، والتي اكتسبنها من خلال الممارسة والنجاحات المتراكمة. كما أن هناك تسهيلات في الاستثمار وخلق المقاولة، خصوصا الإجراءات الخاصة التي اتخذتها الحكومة لصالح النساء المقاولات».

وأشارت الحقاوي إلى أن المغرب أحدث في العام الماضي صندوق التضامن الموجه لتشجيع البنوك على تمويل المقاولة النسائية، مضيفة أن «هناك أيضا بعض الإبداعات في مجال الممارسة المقاولاتية للنساء مثل برنامج الحاضنات الذي وضعته الجمعية المغربية لسيدات الأعمال، والموجه لتطوير وتخريج النساء في مجال المقاولة». وأضافت أن المناخ العام الذي يسير فيه المغرب يحفل بمستقبل مزدهر للمقاولة النسائية.

وفي رأي الكثير من النساء، تبقى المعادلة الصعبة هي الخيار التقليدي بين البيت وممارسة الأعمال. في هذا الصدد، تقول خديجة الشدادي، صاحبة مكتب للاستشارة في الأعمال والتحكيم التجاري في المغرب: «بالنسبة لي الأولوية للبيت والأولاد. فالمقاولة الرئيسية والأولى هي المنزل، حيث تصنع الأجيال القادمة، وبالتالي مستقبل البلدان والمجتمعات». وتضيف الشدادي «يجب إعطاء الوقت للأطفال، وبعد ذلك لا ضير في ممارسة الأعمال. فكل الأبواب مفتوحة إذا توفرت الإرادة والعزيمة واخترنا المقاربة الصحيحة والطرق السليمة لممارسة الأعمال».

وبدورها، قالت شازيا سليم، مؤسسة شركة أيتفودز في بريطانيا، لـ«الشرق الأوسط»، إن المزاوجة بين متطلبات البيت وممارسة الأعمال ليست أمرا سهلا، لكنه ضروري، والنساء ينجحن فيه دائما عندما تكون لهن إرادة قوية لتحقيق مشاريعهن. وأضافت سليم «بالنسبة لي وجدت الإلهام في السيدة خديجة رضي الله عنها زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم. تأثرت كثيرا بشخصيتها. فهي سيدة الأعمال الناجحة، وربة البيت والأم المثالية».

ومن أفريقيا جاءت سولانج نينيزي ماسومبوكو، منسقة برامج لدى وزارة العمل في جمهورية الكونغو الديمقراطية، بهدف دراسة التجربة المغربية في تشجيع المقاولات بصفة عامة، والمقاولات النسائية بشكل خاص.

وعن أوضاع النساء المقاولات في بلدها، قالت ماسومبوكو لـ«الشرق الأوسط»: «بلدي خرج من الحرب منذ وقت قليل، وهو الآن منهمك في بناء الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. وبالطبع فإن المقاولة توجد في الواجهة». وأشارت إلى أن الكثير من النساء أنشأن مقاولات ويساهمن في التشغيل. وقالت: «وضعنا برنامجا لتشجيعهن وتأطيرهن على مستوى وزارة التشغيل. ونحن هنا للاطلاع على التجربة المغربية الغنية في هذا المجال».

وحول تجربتها الخاصة، قالت ماسومبوكو «شخصيا بدأت بالسلفات الصغرى وتحقيق مشاريع صغيرة، ثم قلت لماذا التوقف عند عمليات معزولة لماذا لا أحدث شركة خصوصا مع التسهيلات. هكذا ولدت الشركة العامة للأشغال والتهيئة مند 5 سنوات اليوم الشركة تسير بشكل جيد. نجد بعض الصعوبات في الحصول على التمويلات التي تتطلبها الصفقات الكبرى. لكننا دائما ننتهي بتحقيق مشاريعنا عبر الإصرار والكفاح».