مكاتب للحوثيين في أنحاء صنعاء تشكل دولة موازية للمؤسسات الرسمية

فرض عمليات تفتيش أمام المعسكرات.. وملاحقات للحراك التهامي في الحديدة

TT

بعد سيطرة جماعة الحوثي (أنصار الله) على القسم الأكبر من المحافظات اليمنية وبالتحديد العاصمة صنعاء والمحافظات الشمالية، عمد الحوثيون إلى تشكيل مكاتب لذراعهم السياسي «أنصار الله» على مستوى كافة أحياء العاصمة وعواصم المحافظات والمدن والمديريات وذلك لإدارة شؤون البلاد وللقيام بمهام الدولة المعطلة.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر محلية، أن مكاتب الحركة باتت تتلقى الشكاوى اليومية من المواطن في القضايا المدنية والجنائية التي تشهدها صنعاء، ويقوم أشخاص معينون في تلك المكاتب بالحل والربط في تلك المشكلات، إضافة إلى تولي «أنصار الله» مصادرة الأسلحة من الشوارع حتى من قبل الضباط والجنود وتكديسها في أماكن خاصة بهم في صنعاء. وقالت مصادر عسكرية خاصة، رفضت الكشف عن هويتها، لـ«الشرق الأوسط»، إن «ممثلين عن الحوثيين يشاركون في اجتماعات القيادات العسكرية في كافة المؤسسات العسكرية والأمنية ويشاركون في اتخاذ القرارات بصفة غير رسمية، إضافة إلى فرضهم عمليات التفتيش الروتينية أمام المعسكرات بحق الضباط والعسكريين، وهو الأمر الذي أثار استياء كبيرا وواسعا لدى الكثير من الأوساط العسكرية التي أعربت عن رفضها قيام مدنيين بتفتيش العسكريين وهم يرتدون الزي العسكري».

ومنذ اجتياح الحوثيين للعاصمة اليمنية صنعاء أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، نشر ذراعهم السياسي «أنصار الله» سلسلة من المكاتب في أحياء صنعاء لتكون بديلا عن مؤسسات الدولة، إضافة إلى تسييرهم لعشرات الدوريات المسلحة في الشوارع والتقاطعات والجولات المرورية لتنظيم حركة السير والمراقبة، وأيضا نقاط تفتيش، وكافة الأسواق والمباني الهامة في المدن الرئيسية، وقال مواطنون لـ«الشرق الأوسط»، إن «الحوثيين يعتمدون في معالجة القضايا على تشكيل لجان تتكون من المدعي والمدعى عليه، من طرفهم، للنظر في حل القضايا»، وقال أحد السياسيين اليمنيين، إن ما قام به الحوثيون عقب احتلال صنعاء «لم يكن وليد اللحظة أو الصدفة، وإنما كان مخططا له منذ فترة طويلة»، وإن «تلك المكاتب كانت موجودة فعلا، ولكن بصورة غير معلنة، ولم يعلن عنها إلا بعد سقوط العاصمة»، وأشار السياسي اليمني إلى أن ما يجري «من مشاهد وانتشار لـ(أنصار الله) يقوض الدولة المدنية التي ناضل اليمنيون من أجل إقامتها لأكثر من 6 عقود مضت وقدموا تضحيات كبيرة من أجل هذه الدولة التي تهاوت بصورة مفاجئة في غضون أقل من شهرين»، وشكك السياسي اليمني، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، في «مصداقية الحوثيين في الالتزام باتفاق السلم والشراكة الموقع بين كافة الأطراف السياسية في اليمن الذي في ضوئه جرى تشكيل الحكومة الجديدة»، وأشار إلى أن الاتفاق ينص على سحب ميليشيا الحوثيين من العاصمة صنعاء والمحافظات التي باتت تحت سيطرتهم، غير أنه يشير إلى أن الحوثيين «يواصلون عملياتهم التوسعية ويعززون من تواجدهم العسكري في كافة المؤسسات من دون استثناء بصورة لا تشير إلى قرب التزامهم بالاتفاق».

وتنشط الكثير من المنظمات السياسية والمدنية في المحافظات اليمنية في تنظيم احتجاجات ووقفات ومظاهرات، بصورة يومية، تندد بتواجد الحوثيين وتطالب برحيل الميليشيات وتحرير المدن من قبضتها، في وقت بدأ الحوثيون تدريجيا في تسليم بعض المؤسسات الإعلامية الأهلية والحكومية التي عاودت البث، كقناة «سهيل» المقربة من حزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي وإذاعة «إب»، غير ميليشيا الحوثيين ما زالت تسيطر على مبنى التلفزيون الرسمي الذي يضم عددا من القنوات الحكومية.

تستمر عملية الملاحقات والاعتقالات لعدد من قيادات وناشطي وأنصار «الحراك التهامي السلمي»، ولعدد من المعارضين لجماعة الحوثيين المسلحة في محافظة الحديدة، غرب البلاد، وذلك بعد اختطاف القيادي في «الحراك» الشيخ عبد الرحمن طسي مكرم، قبل أيام، واقتياده إلى مكان مجهول، وذلك الوقت الذي تجري التحضيرات لعقد لقاءات بين قيادات من إقليم تهامة وإقليم الجند وإقليم حضرموت، وأن اللقاء سيجري بين قادة من «الحراك التهامي السلمي» و«الحراك الجنوبي» وقيادات من إقليم الجند لمناقشة وضع الأقاليم في ظل الدستور وانتشار الجماعات الحوثية المسلحة في الكثير من محافظات الجمهورية.

وعلمت «الشرق الأوسط» من قيادي في «الحراك التهامي»، أن «عناصر الحراك يسعون الآن لإغلاق المنافذ البحرية والبرية التي تؤدي للوصول إلى مدينة الحديدة (عاصمة إقليم تهامة)، وأن اليوم (الخميس) ستكون هناك مسيرة نوعية وهي المسيرة (البحرية)، وقد تكون أيضا بالزي العسكري التهامي والغرض منها إيصال رسالة للعالم أجمع ودول الجوار أن البحر الأحمر سيكون تحت السيطرة، وإن كانوا يريدون تأمين المنفذ البحري، فعليهم تأمين أبناء تهامة وحفظ الأمن والأمان فيها في ظل تقاعس الدولة في فرض هيبتها وتأمين أبنائها». وقال القيادي في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، إن «اختطاف عبد الرحمن طسي مكرم سيخلف آلاف عبد الرحمن مكرم وسيخلف الآلاف أيضا من الناشطين، وإن مدينة الحديدة عاصمة (إقليم تهامة) وكل مديرياتها لن تثنيها التحركات الاستفزازية للأطقم المدججة بالأسلحة ضد الناشطين والحقوقيين وقيادات وشباب (الحراك) التي تقوم بها جماعة الحوثيين المسلحة، ونحن مستمرون في النضال السلمي حتى طرد الحوثيين».

على صعيد آخر لقي عدد من المسلحين الحوثيين، أمس، مصرعهم في انفجار استهدف دورية لهم في محافظة البيضاء بوسط البلاد، في الوقت الذي شدد رئيس الحكومة اليمنية الجديد، خالد محفوظ بحاح، على ضرورة تثبيت الأمن والاستقرار ضمن مهام حكومته.

وذكر شهود عيان في مديرية رداع لـ«الشرق الأوسط»، أن انفجارا كبيرا وقع، عصر أمس، في المديرية، استهدف دورية مسلحة للحوثيين كانت تجوب المدينة التي تشهد صراعا مسلحا بين الحوثيين وتنظيم «أنصار الشريعة» التابع لتنظيم القاعدة، والمتمركز في تلك المديرية بصورة كبيرة، وخلال نحو شهر من المواجهات المسلحة في رداع لقي أكثر من 200 شخص مصرعهم في مواجهات مباشرة أو في تفجيرات بعبوات ناسفة، وذكرت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط»، أن «مظاهر الحياة في مديرية رداع، ثاني أكبر مدن محافظة البيضاء، باتت شبه مهجورة جراء نزوح الكثير من السكان بسبب الصراع الدامي بين الحوثيين و(أنصار الشريعة)، فيما يعيش معظم من تبقى من السكان ظروفا إنسانية صعبة». إلى ذلك، قال رئيس الحكومة اليمنية الجديدة، المهندس خالد محفوظ بحاح، إن «هناك أولويات ملحة بلا منازع تقف أمام حكومته وهي الأمن والاستقرار وتحريك عجلة الاقتصاد».