فرنسي ثان من بين «ذباحي داعش» وباريس ترسل 6 طائرات ميراج إلى الأردن

كيري في باريس اليوم ويلتقي فابيوس والأمير سعود الفيصل

TT

استبقت باريس اللقاء الذي سيحصل اليوم بين وزير خارجيتها، لوران فابيوس، ونظيره الأميركي، جون كيري، بالإعلان عن زيادة عدد طائراتها المقاتلة المشاركة في العمليات الجوية في شمال العراق. وبحسب مصادر دبلوماسية أوروبية في العاصمة الفرنسية، فإن باريس «تستجيب» بذلك لإلحاح واشنطن التي «تضغط» على شركائها الغربيين لدفعهم لتحمل جزء أكبر من العبء الذي يقع على كاهل الولايات المتحدة الأميركية في إطار التحالف الدولي الذي تقوده لمحاربة «داعش» في العراق وسوريا. وبحسب إحصائيات التحالف المتوافرة، فإن مساهمة كل دولة أوروبية على حدة تبدو «هزيلة» مقارنة بما يقوم به الطيران الأميركي في العراق وسوريا معا.

وجاء الإعلان الفرنسي على لسان وزير الدفاع الذي أفاد في جلسة استماع أمام مجلس النواب، أن بلاده سترسل 6 طائرات مقاتلة إضافية إلى الأردن للمشاركة في العمليات التي كانت تتولاها حتى الآن 9 طائرات مقاتلة قاذفة من طراز رافال (الأحدث من الميراج) متمركزة في قاعدة الظفرة في إمارة أبو ظبي. وتخصص باريس لعملياتها طائرة تزود بالوقود وطائرة رادار لتعيين الأهداف وأخرى للرقابة البحرية، فضلا عن عدة مئات من القوات الخاصة لتدريب وتأهيل البيشمركة ومساعدة القوات العراقية الرسمية.

بيد أن باريس تسعى لتحقيق هدف إضافي متمثل في خفض إنفاقها العسكري؛ إذ إن كلفة ساعة الطيران لطائرة رافال تبلغ، وفق العسكريين، 14 ألف يورو في الساعة. وبالنظر للمسافة البعيدة نسبيا لقاعدة الظفرة عن شمال العراق، فإن تمركز طائرات الميراج في الأردن سيخفض الكلفة بنسبة كبيرة؛ الأمر الذي تحتاجه وزارة الدفاع التي تجاوزت نفقاتها للعمليات العسكرية الخارجية عام 2014 ما يزيد على 600 مليون يورو. وبما أن كافة المصادر الرسمية والعسكرية تعتبر أن الحرب على «داعش» ستأخذ شهورا طويلة، فإن الجانب الاقتصادي يدخل في الاعتبار بسبب سياسة عصر النفقات التي يتوجب على حكومة الرئيس هولاند اتباعها لتتلاءم مع المعايير الاقتصادية الأوروبية مرعية الإجراء.

غير أن لقاء فابيوس ـ كيري لن ينحصر فقط في الجانب العملياتي، بل سيتناول، خصوصا، خطة التحالف في العراق وتطورات الوضع في سوريا. وقالت مصادر فرنسية رسمية لـ«الشرق الأوسط»، إن باريس تلحظ «نوعا من التخبط» في مراكز القرار الأميركي «حتى داخل الإدارة»، أو بين الوزارات والبيت الأبيض. وقد برز هذا الواقع أخيرا في تصريحات الوزير شاك هيغل ورئيس الأركان الجنرال ديمبسي من جهة، والرئيس أوباما من جهة أخرى، حول المسار الواجب سلوكه في العراق، فضلا عن التساؤلات حول «آثار» استهداف «داعش» واستفادة النظام السوري منه. وتأخذ باريس على واشنطن أن تركيز عملياتها في سوريا على استهداف مواقع «داعش»، فقط، في عين العرب (كوباني) أو في مواقع أخرى «يفيد النظام موضوعيا» الذي «لم يعد إسقاطه أولوية أميركية، بل هدف واشنطن الأول والرئيس اليوم هو (داعش) الذي تعتبره مصدر تهديد لأمنها ومصالحها ومصالح أصدقائها وحلفائها»، وبالمقابل، تقول باريس إن أهدافها في سوريا «لم تتغير» وهي إبراز أن «هناك بديلا عن النظام و(داعش)» متمثلا في المعارضة المعتدلة التي تسعى باريس لدعمها وإيقافها على قدميها، رغم انقساماتها والخسائر التي منيت بها على يد «داعش» و«النصرة». وتعتبر باريس أن من المهم تمكين المعارضة المعتدلة من المحافظة على «الجيوب» التي ما زالت تسيطر عليها، والتسريع في تدريب أفرادها وتسليحهم. وخلاصة باريس أن الإدارة الأميركية «لم تغير أهدافها لجهة أن النظام ليس جزءا من الحل، لكن الأولوية اليوم لـ(داعش)».

وأمس، تحولت ظنون باريس لجهة وجود جهادي ثان إلى جانب أبو عبد الله الفرنسي (ماكسيم هوشار) مشاركا في عملية ذبح الرهائن العسكريين السوريين الـ18، إلى يقين، بعد تحليل صور الفيديو التي بثها موقع «الفرقان» التابع لـ«داعش»، ومقارنتها بما تمتلكه الأجهزة الفرنسية من معلومات وأرشيف. وكما أبو عبد الله، فإن الفرنسي الثاني أبو عثمان (واسمه الأصلي ميكاييل دوس سانتوس، من أصل برتغالي) لا يزيد عمره على 22 عاما، وهو من مقاطعة مارن لا فاليه الواقعة شرق باريس، وأفاد رئيس الوزراء، مانويل فالس، أمس، أن دوس سانتوس «معروف بسلوكه الإرهابي في سوريا وتصرفاته العنيفة التي يتغنى بها على شبكات التواصل الاجتماعي». وتبين الصور المأخوذة عن فيديو «الفرقان» شابا أبيض البشرة، حليق الشاربين وكثيف اللحية. ومع تأكد ظهور «جون الإنجليزي» ثم الجهاديين الفرنسيين: أبو عبد الله، وأبو عثمان، ووجود ظنون في بروكسل حول ظهور مواطن بلجيكي على شريط الفيديو نفسه، فإن «داعش» أصبحت أقرب إلى «رابطة أمم إرهابية». وبحسب الرئيس الفرنسي الذي كان يتحدث في مؤتمر صحافي في سيدني بمناسبة انتهاء زيارته الرسمية لأوستراليا، فإن غرض «داعش» من وضع غربيين في المقدمة، هو تخويف الغرب، وإيصال رسالة مفادها: «انظروا ما يمكن أن يفعله مواطنوكم».

ولن يغيب ملف البرنامج النووي الإيراني عن محادثات جون كيري في باريس اليوم؛ إذ من المنتظر أن يثيره مع الوزير فابيوس من جهة، ومع وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، الموجود في العاصمة الفرنسية من جهة أخرى. وسبق لفابيوس أن أعلن بداية الأسبوع الحالي، أن بلاده «لا يمكن أن تقبل اتفاقا نوويا مع إيران لا يوفر كافة الضمانات لجهة سلمية برنامجها النووي». وقالت مصادر دبلوماسية فرنسية لـ«الشرق الأوسط»، إن باريس «تعتبر نفسها حارسة للهيكل»، معيدة للأذهان أن الوزير فابيوس أجهض العام الماضي اتفاقا أوليا مرحليا بين الدول الـ6 وإيران لأنه اعتبره «غير كاف»؛ مما ألزم الطرفين بجلسات مفاوضات إضافية للوصول إلى الاتفاق المرحلي الموقع في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وعلى أي حال، تعتبر هذه المصادر أن الرئيس الأميركي «لا يستطيع المغامرة اليوم» باتفاق لا يحظى بتصديق الكونغرس الجديد الذي يسيطر عليه الجمهوريون بمجلسيه (الشيوخ والنواب)، وبالتالي «لا خوف» من تساهل أميركي، رغم تمسك الإدارة الأميركية بالتوصل إلى تسوية سريعة مع إيران.