وفود وزارية إلى فيينا مع بدء العد التنازلي للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران

كيري أطلع الأمير سعود الفيصل على المفاوضات.. وموسكو تكشف عن «توتر» في الأجواء.. والوكالة الدولية للطاقة الذرية غير راضية

وزير الخارجية الأميركي جون كيري (يمين) يمد يده لمصافحة نظيره الإيراني محمد جواد ظريف بينما تقف بينهما ممثلة السياسة الخارجية الأوروبية سابقاً كاثرين أشتون في فيينا أمس (رويترز)
TT

بعد مشاورات مكثفة في باريس مع الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي ولقائه مع وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، توجه وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى العاصمة النمساوية مساء أمس ليبذل جهودا شخصية في دفع مفاوضات الدول الست مع إيران.

ومع بدء العد التنازلي للتوصل إلى الاتفاق النووي بحلول 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، شدد كيري أمس على أن المفاوضات تتمحور حول «التوصل إلى اتفاق» وليس التفكير في «التمديد» للمفاوضات. وأفادت مصادر دبلوماسية غربية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أمس أن جميع الجهود منصبة على التوصل إلى الاتفاق الذي يسعى إلى ضمان سلمية البرنامج النووي الإيراني، إلا أن هناك توقعا بضرورة تمديد المفاوضات مجددا. وعلى الرغم من أن الجانب الأميركي لا يحبذ تمديد المفاوضات، خاصة خشية الضغوط الداخلية على الرئيس الأميركي باراك أوباما من الجمهوريين بعدم مواصلة المفاوضات من دون نتيجة، فإن الطرفين الأميركي والإيراني لا يريدان انهيار المفاوضات في حال فشلت الجهود في التوصل إلى اتفاق نهائي. ونقل مسؤولون قريبون من المحادثات بين القوى العالمية الست وإيران أن الموعد النهائي لحل النزاع المستمر منذ 12 عاما بشأن برنامج طهران النووي قد يمد من الاثنين المقبل حتى مارس (آذار) المقبل بسبب الخلافات الحادة بين الجانبين.

وفي ما تبدو أنها محاولة للضغط على الطرف الإيراني ودفعه لتقديم التنازلات التي تراها واشنطن ضرورية للتوصل إلى اتفاق نهائي قبل 24 نوفمبر الحالي، قال كيري للصحافيين الذين يرافقونه على الطائرة إنه «لا مناقشات حول تمديد المفاوضات، ونحن نتفاوض للتوصل إلى اتفاق». وبحسب الوزير الأميركي، فإن الأطراف «تعمل بجد» من أجل الاتفاق.

وكان كيري قد استهل اجتماعاته بلقاء الأمير سعود الفيصل في دارته بالعاصمة الفرنسية قبل أن ينتقل إلى الخارجية الفرنسية من أجل غداء عمل بدعوة من الوزير لوران فابيوس قالت المصادر الفرنسية إنه تركز بشكل أساسي على الملف النووي. ولفتت هذه المصادر إلى مغزى أن تكون آخر لقاءات كيري مع نظيريه السعودي والفرنسي وارتباط ذلك بالموقف الحذر الذي تلتزم به باريس والرياض من الملف النووي الإيراني. وذكرت هذه المصادر بما حصل في 9 نوفمبر من العام الماضي في جنيف عندما نسف فابيوس اتفاقا مرحليا بصيغة شبه نهائية بين المفاوضين الإيرانيين والأميركيين بتأكيده أنه «غير مرض». عقب ذلك، اضطرت الأطراف للعودة إلى طاولة المفاوضات. لذا، فإن مباحثات باريس أمس ارتدت طابعا مهما لأن «كيري كان يريد أن يتأكد مما هو مقبول ومما هو غير مقبول».

هذا الجانب برز بوضوح في تصريحات كيري وفابيوس عقب لقائهما؛ إذ قال الأول إن «فرنسا والولايات المتحدة متفقتان» حول الملف الإيراني، فيما أردف فابيوس أنهما «تتمنيان التوصل إلى اتفاق، الذي يعني بشكل أساسي: نعم للطاقة النووية المدنية، ولا للقنبلة النووية». لكن فابيوس نبه إلى أن مواقف الطرفين ما زالت متباعدة؛ إذ «ثمة نقاط اختلاف مهمة ما زالت قائمة ونأمل أن يتم التغلب عليها». ورمى فابيوس الكرة في الملعب الإيراني عندما أكد أن التوصل إلى اتفاق من عدمه «مرهون إلى حد بعيد بالموقف الإيراني».

وقال كيري للصحافيين في باريس: «نحن لا نناقش التمديد، نحن نناقش للتوصل إلى اتفاق»، بينما لفت فابيوس إلى أن «نقاط الخلاف الرئيسية لاتزال قائمة». من هذا المنظور، يتعين فهم رسالة الوزير كيري «المطمئنة» الموجهة إلى باريس والرياض بقوله: «نعم، نحن نريد اتفاقا، ولكن ليس أي اتفاق»، مضيفا أن الدول الست «متحدة» في مواقفها. ولفتت المصادر الفرنسية إلى أن جملة كيري «تكرار حرفي» لما قاله فابيوس قبل يومين.

وحتى مساء أمس، رفضت الخارجية الفرنسية تأكيد إذا ما كان فابيوس سيلتحق بنظيريه الإيراني والأميركي في فيينا. وربطت مصادر دبلوماسية بين سفر فابيوس إلى النمسا وتحقيق اختراق يقرب من الاتفاق النهائي. وفي السياق عينه، تعتبر المصادر نفسها أن «لا إمكانية ولا معنى» لتمديد أجل المفاوضات إن لم يحدث مثل هذا الاختراق.

وهكذا، فإن كيري حط في العاصمة النمساوية ولديه رؤية أوضح لما يمكن التساهل فيه أو ما يتعين عليه رفض أي تنازل بشأنه بعد أن تشاور مع عدد كبير من نظرائه الغربيين والعرب.

وبعد مشاورات كيري مع فابيوس ونظيرهما البريطاني فيليب هاموند في لندن قبل يومين، أفادت مصادر في فيينا أن الوزيرين الأوروبيين سيتوجهان إلى فيينا اليوم، بعد أن وصل إليها كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف أمس. وأفادت مصادر أوروبية أنه كان من المرتقب أن يلتقي كيري مع المبعوثة الأوروبية للمفاوضات كاثرين آشتون وظريف مساء أمس.

وكان وزير الخارجية البريطاني أعلن مساء أول من أمس أنه ليس «متفائلا بإمكانية التوصل إلى حل بحلول الاثنين»، مشددا على ضرورة أن تبدي إيران «قدرا أكبر بكثير من المرونة». وشرحت الناطقة باسم وزارة الخارجية البريطانية فرح دخل الله لـ«الشرق الأوسط»: «بينما شدد كيري في جميع تصريحاته على أن هناك جهودا جدية لدفع المفاوضات، فإن المفاوض الروسي سيرغي ريابكوف أعلن أمس أنه في الوضع الحالي، وما لم يحصل دفع جديد، سيكون من الصعب جدا التوصل إلى اتفاق».

وتواصلت أمس المفاوضات التي افتتحت الثلاثاء برعاية ممثلة الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، بصيغ مختلفة، أبرزها مفاوضات ثنائية بين الوفدين الإيراني والروسي. وأكدت روسيا أخيرا أن إنجاح المفاوضات بين يدي واشنطن.

وبعد 12 عاما من الجدل والتوعد بالحرب تلتها أشهر من المفاوضات الحثيثة، يتفاوض الطرفان منذ الثلاثاء الماضي في العاصمة النمساوية، في محادثات يفترض أن تصل إلى نتيجة في مهلة تنتهي يوم الاثنين. ولكن بحسب تصريحات ريابكوف التي نقلتها وكالة «ريا نوفوستي»، فإن «المفاوضات تجري في أجواء توتر شديد». وأضاف: «الوقت يمر.. وتتواصل اللقاءات بجميع الصيغ بلا انقطاع. قد يتطلب التوصل إلى حلول للمشكلات التي تبرز مع تقدم النقاشات وتلقي الوفود تعليمات إضافية، أخذ الأجواء بعين الاعتبار».

وفيما لزم الوفد الإيراني صمتا مطبقا، عبر رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني عن بعض الاستياء في طهران. وصرح صباح أمس: «إننا نتعاون على الدوام (لكنهم) يصعدون نبرتهم». وأضاف: «نأمل أن يتخذ الطرف الآخر سلوكا منطقيا في المفاوضات، وألا يسلك طريقا سيئا».

وفي حال تم التوصل إلى اتفاق، سيؤدي ذلك إلى إحياء الاقتصاد الإيراني، لا سيما بعد رفع الحظر عن النفط الإيراني، وفتح طريق تطبيع العلاقات بين إيران والغرب، وإتاحة التعاون لا سيما في أزمتي العراق وسوريا. وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني في بيان إن الاتفاق «سيفتح فصلا جديدا في العلاقات بين إيران والمجموعة الدولية». ولكن الفشل في ذلك قد يشكل إلغاء لفرصة فعلية ويخدم صقور الطرفين، المعادين لأي تسوية. وأكد ريابكوف أن «فرصة مماثلة لما لدينا اليوم نادرة جدا». وأضاف: «إنها لحظة محورية سيشكل تفويتها خطأ فادحا تنتج عنه عواقب وخيمة». لكن إيران الراغبة في اتفاق يعيد التأكيد بقوة على حقها في «النووي المدني»، نسفت إمكانات التوصل إلى تسوية سريعة بالتأكيد أنها لن تتراجع في عدة نقاط تعتبرها القوى الكبرى أساسية نظرا لأبعادها العسكرية المحتملة.

وأعلن كبير المفاوضين الإيرانيين علي أكبر صالحي أن بلاده ترفض تقليص مخزونها من اليورانيوم المخصب، وإجراء تعديلات إضافية على مفاعلها النووي العامل بالمياه الثقيلة في آراك، وترغب في زيادة قدراتها في تخصيب اليورانيوم بمقدار 20 ضعفا.

وفيما تطالب القوى الكبرى إيران أولا بجهود للحد من قدراتها، يبدو أن المفاوضين الإيرانيين يركزون في المقابل على وتيرة رفع العقوبات في حال إبرام اتفاق.

وأكد ريابكوف أن «الاتفاق متعلق بإرادة وقدرة الولايات المتحدة على رفع العقوبات».

وزاد من حدة التوتر أمس تصريحات المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو، حيث قال إن إيران فشلت مرة أخرى في تقديم تفسيرات ردا على مزاعم عن إجراء أبحاث محتملة خاصة بالقنبلة الذرية. وأوضح أمانو أن الوكالة أبعد ما تكون عن الرضا، قائلا إن الوكالة ليست في وضع يسمح لها بتقديم «تأكيدات ذات مصداقية» بأن إيران لا تملك مواد نووية غير معلنة أو تقوم بأنشطة غير معلنة. ومن المفترض أن يضع الاتفاق حدودا لبرنامج إيران النووي مقابل رفع العقوبات الدولية. وقال أمانو خلال اجتماع لمجلس محافظي الوكالة الذي يضم 35 دولة: «إيران لم تقدم تفسيرات تمكن الوكالة من توضيح الإجراءات العملية المهمة». وكان يشير إلى خطوتين اتفقت إيران على تنفيذهما بحلول أواخر أغسطس (آب) الماضي بتقديم معلومات للوكالة بخصوص مزاعم عن إجراء اختبارات على متفجرات وأنشطة أخرى قد تستخدم لتطوير قنابل نووية. ودعا أمانو إيران إلى «زيادة تعاونها مع الوكالة، وإلى أن تسمح بالوصول في وقت مناسب لكل المعلومات ذات الصلة والوثائق والمواقع والمواد والأفراد».

من جهته، دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون المتفاوضين إلى «التحلي بالليونة والحكمة والتصميم الضروري لحمل المفاوضات إلى نتيجة ناجحة»، معتبرا أن اتفاقا حول القدرات النووية لإيران سيسهم في السلام والأمن العالميين.