التونسيون يقترعون اليوم لاختيار رئيس الجمهورية الثالث

وسط إجراءات أمنية مشددة وتخوف من هجمات محتملة على مراكز التصويت

شرطي يحرس شاحنة محملة بصناديق جرى توزيعها على مراكز الاقتراع في مدينة باجة أمس (أ.ف.ب)
TT

يتوجه التونسيون اليوم لصناديق الاقتراع لاختيار رئيس جديد هو الثالث منذ الاستقلال. والتزم المرشحون في هذه الحملة الانتخابية الصمت الانتخابي أمس، قبل توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع اليوم للحسم في اختيار رئيس تونس لـ5 سنوات مقبلة.

ويتنافس في هذه الانتخابات 27 مرشحا، بينهم الرئيس المنتهية ولايته محمد منصف المرزوقي، ووزراء من عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، واليساري البارز حمة الهمامي، ورجل الأعمال الثري سليم رياحي، والقاضية كلثوم كنو المرأة الوحيدة المترشحة في الانتخابات. وقد تخلى 5 منهم عن السباق خلال الحملة، لكن أسماءهم ما زالت مدرجة على بطاقات الاقتراع.

واختتم مرشحو الانتخابات الرئاسية في تونس حملاتهم الانتخابية أول من أمس قبل يومين من بدء الاقتراع العام داخل تونس.

واختار حزب نداء تونس اختتام الحملة الانتخابية لمرشحه الباجي قائد السبسي في مدينة نابل، بينما أنهى الرئيس المؤقت الحالي المنصف المرزوقي حملته في مدينة حمام الأنف بالضاحية الجنوبية للعاصمة.

ويتصدر المرشحان استطلاعات الرأي في السباق الانتخابي، وسط منافسة متوقعة من مرشح «الجبهة الشعبية» حمة الهمامي، الذي توجه إلى جزيرة جربة في ختام جولته بين المحافظات التونسية، بينما اختار سليم الرياحي، مرشح حزب الاتحاد الوطني الحر، شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة لاختتام حملته الانتخابية، فيما قام مرشح حزب المبادرة كمال مرجان بزيارة إلى مدينة المنستير كآخر محطة في حملته الانتخابية.

ولم يقدم حزب النهضة، الذي حكم من نهاية 2011 إلى بداية 2014 وحل ثانيا في الانتخابات التشريعية بحصوله على 86 مقعدا من أصل 217 في البرلمان، أي مرشح، مؤكدا أنه سيترك حرية الخيار لأتباعه لانتخاب رئيس «يشكل ضمانة للديمقراطية». وللمرة الأولى، سيكون باستطاعة التونسيين التصويت بحرية لاختيار رئيس الدولة، فمنذ استقلال تونس عن فرنسا عام 1956 وحتى الثورة عرفت تونس رئيسين فقط، هما الحبيب بورقيبة «أبو الاستقلال» الذي خلعه رئيس وزرائه زين العابدين بن علي في نوفمبر (تشرين الثاني) 1987، والرئيس بن علي الذي حكم البلاد حتى 14 من يناير (كانون الثاني) 2011، تاريخ هروبه في أعقاب ثورة عارمة طالبت برحيله. وبينت استطلاعات للرأي أجريت في وقت سابق أن الباجي قائد السبسي هو الأوفر حظا للفوز بالانتخابات الرئاسية، على الرغم من تقدمه في السن. وقد ركز في حملته الانتخابية على «إعادة هيبة الدولة»، ولقي هذا الخطاب صدى لدى فئات عريضة من التونسيين الذين أنهكتهم حالة عدم الاستقرار التي تعيشها البلاد منذ 2011.

ويقول أنصار السبسي إنه الوحيد الذي تمكن من الوقوف بوجه الإسلاميين، لكن خصومه يتهمونه بالسعي إلى إعادة إنتاج النظام السابق، على اعتبار أن حزبه يضم منتمين سابقين إلى حزب «التجمع» الحاكم في عهد بن علي.

وسيسهل فوز قائد السبسي مهمة حزبه في تشكيل حكومة ائتلاف، إذ إن فوز «نداء تونس» في الاقتراع لا يكفيه لتشكيل أغلبية. كما أن الدستور لا يمنح سوى صلاحيات محدودة لرئيس الدولة، لكن الاقتراع العام يمنحه وزنا سياسيا كبيرا. كما يتمتع الرئيس بحق الحل والحسم إذا لم تتوصل الأغلبية السياسية إلى تشكيل أغلبية. من جهته، لم يتوقف المرزوقي خلال حملته عن طرح نفسه سدا منيعا ضد عودة «السابقين»، مناشدا التونسيين منحه أصواتهم لمواجهة «التهديدات» المحدقة، حسب رأيه، بالحريات التي حصلوا عليها بعد الثورة. وكان السبسي تقلد مسؤوليات في نظامي بورقيبة وبن علي. لكن المحللين يرون أن هذه النظرة لمرشح الثورة ضد النظام السابق تعود إلى الخطاب السياسي أكثر من الواقع. وبهذا الخصوص، قال المحلل المستقل سليم خراط إن «حزب نداء تونس ورئيسه الباجي قائد السبسي يشكلان في وقت واحد شكلا من أشكال الاستمرارية، على اعتبار أنهما يقولان إنهما من المدرسة الدستورية (عهد بورقيبة)، وشكلا من أشكال القطيعة بما أنهما تبنيا مبادئ الثورة». وأضاف بهذا الخصوص: «نحن في مرحلة حساسة جدا من البناء الديمقراطي، ولدينا اليوم شكل من التعددية داخل الساحة السياسية التونسية لن يسمح لهذا الحزب باحتلال أو احتكار كل الساحة السياسية».

وعلى الصعيد الأمني، تتحسب السلطات لأي هجمات لجهاديين خلال الاقتراع، لذلك لن تفتح مراكز الاقتراع الخمسين سوى 5 ساعات، بدلا من 10 ساعات، اليوم في مناطق قريبة من الجزائر، حيث تنشط الجماعات المسلحة. كما سيتم نشر عشرات الآلاف من الشرطيين والعسكريين في جميع أنحاء البلاد لضمان أمن الاقتراع والناخبين.