ما الذي سيتغير في سياسة تونس الخارجية بعد الانتخابات الرئاسية؟

مراقبون يرون أن المرزوقي اتخذ قرارات أثرت على علاقات بلاده ببعض العواصم العربية والخليجية

TT

يجمع بعض المختصين في الشؤون السياسية والقانون الدستوري في تونس على أن المجالين الرئيسين اللذين قد يشملهما تغيير بعد الانتخابات الرئاسية التي تنظم اليوم هما السياسة الخارجية ودور المؤسسة العسكرية، باعتبار أن بقية الملفات الاقتصادية والسياسية والأمنية تدخل في اختصاصات رئيس الحكومة وفريقه والبرلمان.

وهنا يطرح سؤال جوهري: ما الذي سيتغير في سياسة تونس الخارجية في حال حصول تغيير على رأس الدولة ومغادرة الرئيس الحالي المنصف المرزوقي قصر قرطاج، بعد 3 أعوام اتخذ فيها قرارات مثيرة للجدل في علاقات تونس ببعض العواصم العربية كدمشق والقاهرة والجزائر وعواصم خليجية؟

وهناك سؤال آخر في حال التمديد للمرزوقي: هل سيحافظ على نفس السياسة الخارجية أم سيعمل على تعديلها بناء على موازين القوى الجديدة في البرلمان والبلاد؟

المرزوقي، وفي تعقيبه على الانتقادات الكثيرة التي وجهت إليه بخصوص قطع العلاقات مع دمشق منذ اندلاع «الربيع العربي»، قال بلهجة التحدي: «لو كان علي أن أنظر في الملف مجددا لاتخذت نفس القرار، أي قطع العلاقات مع النظام السوري بسبب حجم المجازر التي ارتكبها ضد معارضيه وآلاف المتظاهرين السلميين».

لكن غالبية المرشحين المستقلين والمتحزبين للرئاسة، وبينهم زعيم حزب نداء تونس الباجي قائد السبسي، وزعيم الحزب الجمهوري والوزير السابق للخارجية كمال مرجان، ركزوا في حملتهم الانتخابية على انتقاد هذا القرار، وقالوا إنه سبب إلحاق ضرر بمصالح جالية تونسية كبيرة في سوريا، واتهم المرشح المستقل للرئاسة حمودة بن سلامة، والزعيم اليساري القومي المعتدل أحمد نجيب الشابي، منافسهما المرزوقي بـ«الخلط بين صفته الحقوقية ومسؤولياته كرجل دولة»، كما تعهد غالبية المرشحين للرئاسة بأن «يكون إعادة فتح السفارة التونسية في سوريا أول قرار يتخذونه فور تسلمهم لمهامهم في حال الفوز».

ويقول بعض المراقبين إن الانتقادات الموجهة للرئيس المرزوقي في مجال السياسة الخارجية «تستهدف كذلك حكومتي حمادي الجبالي وعلي العريض، القياديين في حركة النهضة، باعتبار أن وزارة الخارجية كانت صاحبة القول الفصل في السياسة الخارجية، بخلاف ما سوف يصبح عليه الأمر وفق الدستور الجديد»، حسب تعبير الصادق بلعيد، الخبير القانوني وعميد كلية الحقوق السابق.

لكن الملف الأكثر دقة في السياسة الخارجية، والذي قد يتطور بسرعة إذا أفرزت الانتخابات رئيسا جديدا، هو العلاقة مع القاهرة وبعض العواصم الخليجية.

فقد مرت تلك العلاقات بمراحل فتور وتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي في أعقاب تصريحات صدرت عن الرئيس الحالي المنصف المرزوقي في الأمم المتحدة، وأخرى أمام البرلمان الأوروبي في بروكسل انتقد فيها «انتهاكات حقوق الإنسان في مصر ما بعد 3 يوليو (تموز) 2013» وطالب خلالها بالإفراج عن الرئيس المعزول محمد مرسي ورفاقه.

لكن بعض المرشحين البارزين، مثل زعيم نداء تونس الباجي قائد السبسي، وزعيم حزب «تيار المحبة» محمد الهاشمي الحامدي، ومترشحين مستقلين مثل حمودة بن سلامة ومحرز بوصيان، تعهدوا بـ«تطوير العلاقات مع كل دول الخليج العربي وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات».

إلا أن أكثر القضايا الخلافية في الدبلوماسية التونسية بعد بن علي، هي قضية العلاقة بين الرباط والجزائر بسبب الخلافات في الموقف من النزاع الصحراوي، حيث اندلعت «زوبعة سياسية» بين المرزوقي وعدد من ساسة الجزائر، بعد تصريحات أدلى بها الرئيس المؤقت وبعض مستشاريه، اعتبرتها أوساط رسمية جزائرية «منحازة للموقف المغربي» في الخلاف مع جبهة البوليساريو. لكن عماد الدايمي، الأمين العام لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي أسسه المرزوقي، نفى أن يكون «الرئيس الحالي تسبب في أي توتر في العلاقات التونسية الجزائرية».

وفي أعقاب الزيارة التي قام بها العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى تونس في الصيف الماضي والتي دامت 10 أيام كاملة، نفى الناطق الرسمي باسم حزب المرزوقي أن يكون «التقارب الكبير مع الرباط على حساب الجزائر».

وبعيدا عن المزايدات فإن إحداث توازن في العلاقات التونسية بين الجزائر والمغرب يبدو من أولويات المرحلة المقبلة، حسب غالبية المرشحين للرئاسة، بدءا من مرشح حزب نداء تونس قائد السبسي، الذي تربطه علاقات قديمة بأبرز المسؤولين في العواصم المغاربية. وقد أكد أحمد نجيب الشابي زعيم الحزب الجمهوري، والهاشمي الحامدي زعيم حزب تيار المحبة، على أولوية «تطوير العلاقات الاستراتيجية بين تونس والجزائر، بما في ذلك الجانب المرتبط بتنسيق المواقف من المستجدات الأمنية والسياسية في ليبيا».

وبخصوص الأزمة الليبية، يعتبر المرشح المستقل للرئاسة حمودة بن سلامة، الذي يرأس في الوقت نفسه المجلس الاقتصادي الاجتماعي التونسي الليبي، أن «ملف ليبيا ليس مجرد معطى في السياسة الخارجية التونسية، بل هو جزء من أولوياتها الوطنية». وتعهد بن سلامة وعدد من المرشحين للرئاسة بأن يكون تطوير العلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية مع ليبيا من أبرز أولوياتهم في قصر قرطاج إذا فازوا في الانتخابات، خاصة أن ليبيا تعد أول شريك اقتصادي عالمي لتونس بعد فرنسا، حسب الإحصائيات الرسمية.

وحسب المرشح المستقل حمودة بن سلامة فإن من أبرز أولويات الرئيس الجديد لتونس «تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية مع الدول المغاربية عامة، ومع ليبيا خاصة». وقد أكد الرئيس الحالي المرزوقي في هذا الصدد أنه يعتبر أنه «لا مستقبل لتونس من دون ليبيا، ولا مستقبل لليبيا من دون تونس»، وشدد على أن من أولوياته في حالة انتخابه المساهمة في معالجة الأزمة الداخلية بين الأطراف الليبية المتصارعة، التي تجمعها علاقات متميزة مع غالبية الساسة والفاعلين السياسيين المهمين في تونس.

لكن رغم تنوع البرامج والاختلاف حول الشؤون السياسية الداخلية، فإن مؤشرات كثيرة تؤكد أن كل المرشحين للرئاسيات التونسية مقتنعون تقريبا بضرورة تنويع علاقات تونس الخارجية، عربيا ودوليا، وألا تبقى موجهة بنسبة 80 في المائة على العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، مثلما كان عليه الأمر منذ عقود.