المخرج أسود: السوريون يفشلون لأنهم دائما في رحلة بحث عن ممول

«فرقة الإباء المسرحية» السورية تعرض حكاية الثورة على الأتراك

صادق أسود - مشهد من إحدى مسرحيات الفرقة - ملصق مسرحية «بياع الأماني»
TT

تنشط «فرقة الإباء المسرحية» السورية، منذ 3 أشهر، في مدينة كلس (تلفظ بكسر الكاف) التركية، بأعضائها الذين تجمعوا ردا على ألم النزوح، ورغبة في كسر حاجز الصمت، بقيادة كاتبها ومخرجها الذي وصل أخيرا، من حلب، ويريد الخروج من حالة الجمود التي فرضتها أوضاع مأساوية يبدو أنها ستطول.

الفرقة التي تتكون من نحو 28 ممثلا غالبيتهم جاءوا من حلب، وهم اليوم نازحون وطلاب في كلس، قدموا العرض الأول لمسرحيتهم «بياع الأماني»، في «مسرح الأورتمان» في المدينة نفسها، فيما كان العرض الثاني في «المركز الثقافي» لمدينة كلس، قبل أن تطلب منهم جامعة المدينة، تقديم العرض الثالث في 27 الشهر المقبل، في حرمها.

تمت ترجمة النص العربي إلى التركية، ليتزود به الحضور التركي، ويتمكن من متابعة العمل الذي يستمر ساعتين إلا ربع الساعة، وهو عرض نقدي، هزلي، احتجاجي، ينكأ جراح الحاضر النازف.

النص الذي كتبه وأخرجه صادق أسود، يروي حكاية بائع جوال يعترض طريق سوريين ضلوا الوجهة، ويسأله كل منهم عن نصيحة. 6 أشخاص يتداولون على البائع، أحدهم مبتور اليد، وإحداهن مريضة، وهناك أيضا، ناشط إعلامي كاذب وتاجر إغاثة.

يعطي البائع نصائح تحاول أن تزرع الأمل وتقوم مسلك هؤلاء. فينصح شخصا بأن يزرع وردة، وآخر بأن يغرس شجرة، وثالث يطلب إليه أن يحفر ما يتمناه كلمات في الصخر.

الفرقة تحضر لمسرحية جديدة تحمل عنوان «أغيثونا ولا تذلونا»، قد تعرض في كلس وعنتاب، والتدريبات على قدم وساق. وهي تستوحي الذل الذي يتعرض له النازحون السوريون من قبل عالم تخلى عنهم.

ليس المهم في مسرحيات صادق أسود مستواها الفني ومدى حرفيتها، لأنها تعمل بما توفر، ومن دون تمويل أو مساندة. «المهم هو أنها الفرقة السورية الأولى في كلس التي استطاعت أن تقدم أعمالا مسرحية، يعاد عرضها على أكثر من مسرح في المدينة»، تشرح ياسمين إحدى ممثلات العمل التي تقوم بدور فتاة تستشهد أثناء إحدى المظاهرات، وتبقى روحها هائمة وتتكلم رافضة مسامحة تجار الحرب الذين أجهضوا الثورة. ياسمين ذات الـ18 ربيعا، طالبة في البكالوريا، نزحت من حلب إلى كلس منذ 3 أعوام، علمت بحاجة صالح أسود إلى ممثلين من خلال إعلان، وتقدمت للاختبار، وها هي عضو في فرقته، وترافقه في عروضه.

تقع مدينة كلس التركية الريفية، على بعد كيلومترين فقط من معبر «باب السلامة» الحدودي الشهير بين سوريا وتركيا. وهي مدينة كانت تابعة لولاية حلب أثناء الحكم العثماني، قبل أن تضم إلى تركيا إثر التقسيم. لا يزيد عدد سكان كلس الأصليين عن 70 ألفا يندر بينهم من لا يزالون يتكلمون العربية. لكن في المدينة اليوم، نحو 50 ألف نازح سوري، أي ما يوازي عدد السكان، حتى بات يطلق عليها اسم «كلسوري».

وروى المخرج صادق أسود، أنه كان ناشطا في المجال المسرحي في حلب قبل الثورة، وأنه قدم الكثير من الأعمال، مع فرقته التي كانت تحمل اسم فرقته الجديدة التي شكلها في تركيا. ومع بدء التحركات الاحتجاجية انضم إلى الثائرين. ويقول أسود: «لكنني سرعان ما اكتشف أن الذي يعمل في المجال الفني، يطلق عليه اسم علماني، ومن ثم يكفر. وصار تقديم أي مسرحية في حلب أمرا مستحيلا منذ عام 2011. وعندما تجرأت وجاءت فرقة من السويداء لتقدم عملا مسرحيا، لاقت صدا شديدا، كي لا نقول أكثر من ذلك»، معتبرا أن «الثورة اتخذت منحى لم يكن متوقعا، حيث سادت أفكار تريد أن تلغي الثقافة وتقضي على التعليم. ثمة أفكار خطرة للغاية، ولا يتناسب هذا مع ما طمح إليه السوريون الذين خرجوا مسالمين ومطالبين بتغيير النظام». وعلى الرغم من الضغوط التي مورست، «لم نهادن ولم نتوقف». يقول أسود. ويؤكد، لقد «أقمت 3 معارض للصور (لن أنسى 1)، الذي تنقل في 9 أماكن في حلب و(لن أنسى 2) الذي عرض في 3 أماكن». كما أن صادق أسود كان يعكف على إصدار منشور على أوراق عادية، مع شح الإمكانيات، كان بمثابة مجلة حملت اسم، «ثورة الكرامة»، وبقيت توزع حتى ضرب النظام مركز عملها ببراميل متفجرة.

قبل 3 أشهر، حين لم يعد أي شيء ممكنا في حلب، توجه صادق أسود إلى تركيا، وتحديدا إلى كلس، المدينة الأقرب إلى حلب، حيث قدم عملا مسرحيا بعنوان «اللاجئ» وبقي هناك. وقد وجد أن تقديم المزيد هو أمر ممكن جدا.

في كلس، يحاول بعض السوريين استعادة نشاطهم الثقافي. هناك فرقة إنشاد، وفرقة كورال غنائي، إلى جانب أسود الذي يحاول أن يدخل الأغنيات إلى مسرحياته.

يقول أسود: «مشكلة السوريين اليوم، أنه كلما أراد أحدهم عمل شيء بحث عن تمويل، وأخذ يجوب إسطنبول وعنتاب وأنقرة، فإما وجد ضالته أو بقي ساكنا بلا حركة». ويكمل أسود: «أما نحن فنعمل وفق إمكاناتنا ولا نطلب شيئا من أحد. وعندما تبرعت مدرسة السوريين الأولى لنا بصالة للتدريبات، كان هذا أمرا جيدا. وعندما قدمت لنا جهة أو أكثر مسرحا لعرض عملنا سررنا بالتسهيلات. نحن نعاني فقرا مدقعا، لكننا مع ذلك نقدر على العمل من دون أن ننتظر أحدا. فكل من ينتظر تمويلا يفشل، لأن للممول شروطه وأجندته، وليس من تمويل مجاني».

يؤكد أسود أنه فضل حين كان في حلب، أن يصدر مجلته «ثورة الكرامة» على أوراق صفحات صغيرة عادية «E4» ويبقى مستقلا، على أن تفرض عليه أي جهة، ما يقول وما يعمل. وهو مع فرقته المسرحية في تركيا، مصر على المضي في الدرب نفسه.