رفيف الظل: سَيِّدٌ في عربة الجحيم

TT

ليس على أرضٍ ولا في سماء. يتوجبُ مساءلةَ الفيزياء المتحذلقةَ وهي ترعى تحولاتِنا، كأننا طبيعةٌ ثانية. فليس ذنبي أنَّ للشكل سلطةً على أحوالي. حاولتُ أن أفهمَ معنى أن تكونَ من الرعيّة، تحتَ وطأة رعاةٍ لا يتورعونَ ولا يرحمون.

الرحمةُ وريدٌ لا يستوعب معنى الخنجر، فمَنْ يُطلبُ منه أن يهدي الدمَ إلى القلب المطعون، كمَنْ يقتادُ جمرَهُ إلى شتاءٍ باطل. والغريبُ أنَّ ذلك يحدثُ في منتصف الحيرة، حين تكتشفُ أن الكراسي تصيرُ جالسيها.

اجلسْ،

اجلسْ،

يسمّونكَ العطرَ لوردةٍ يقتلونها في واضحةِ الليل. ويتقمصون شمساً لفجرٍ يجرحُ الغجر.

اجلسْ،

بينكما جسرٌ من الفهود، والغجرُ يتقرّون مواقعَ أحلامك، لئلا تقع في فقه ضباع الجمارك. لا يدركون العطرَ ولا الجسرُ يعرفك، ولا أحدَ يصدّ الفهودَ عن أحلامك.

قيامٌ جلوس،

قيامٌ جلوس،

هكذا علّمني المدرسُ بالعصا.

دعْ للمدرس أنْ يكون كسولا،

كادَ المدرسُ أنْ يكون جهولا.

من هذا الذي يجلسُ على كرسي العدل وهو مظلومٌ في شوقِ عدله، محرومٌ من النظر إلى العصافير؟ ومن هذا الذي رفسَ القعود ولم يرضَ إلا بتحريك المجرة؟

قال الأنبياءُ لا للملك وهو إلى زوال، لكنهم حكموا القلوبَ بالترنيم وأسمعوا الزمانَ صدى مزاميرهم.

ها هي الرعيّةُ ترعى في عشبها تحتَ ظل المنابر. طوالَ الوقتِ كانوا من رعيته. ها هو الراعيُ ينطقُ بمزمار ويغوي الغزالةَ إلى حضنه. لا تصدق مزامير الرعاة، فالغزالات تقع في الشراك، دائما تقع. فليس مثل غواية أناشيدِ الضباع حين تتظاهرُ بالملوك.

فرائسُ في صولجان، وطرائدُ في مهرجان.

قال لي: هل تسمّي هذا سفرجلاً؟ إنه ضربٌ من القنافذ. وكان يشيرُ إلى حريرِ رأسه، وكنا نفهرسُ الطبيعةَ عشيّةَ الغرق. وابتدعناه من الخفة.

نعم، كان الغرقُ أجملَ خدائعنا في فهرس الليل الوشيك.

قال، كمن ينهر ولدًا: كفّ عن الوجع، هذه القذيفةُ ليستْ لك، لقد كنتُ أدرّبُ الأخطاءَ على صوابٍ نادر.

أوغلوا في ثوبِ نجمته السواد. انظروا إليه، ونحنُ بالكاد نسمعُ هسيسَ الليل، يقولُ لنا: الصمتَ، ثم يمدُّ لسانَه.

لقد بدأتُ في تأثيثِ السفر، رحيلاً نحو الأقاصي الأليفة. كلما انتبهتُ لكي أجعلَ السفر طازجاً، تأخرتُ عن النص. لكن السفرَ لا يحترق. شاركتُ الماءَ من أجل ذلك. إنه استدارةُ العافية. صار الماءُ زيتَ القناديل. ليسَ إلاَ السفر، يعتلي رعشةَ العرش، وماءَ الزيت. القلب فقط يمنحُ الطريقَ الموحشَ جنّةَ الأمل. وهذا كلسُ الكلام رميتُه فحماً للقطارات.

بدأ النصفُ الثاني من الليل هنا. ثمة أحلامٌ حرةٌ في انتظاركم، لا تتأخروا عنها.

يا جنةُ انتظري، ويا بابَ الخلاص لا تقفل.

قلتُ ذاتَ نص: تذهب لتأخذ المترو فيأخذك. أمّا إذا انتابكَ عصفُ الأحلامِ في غفلةٍ من النوم، فسوفَ يتولاكَ سفرٌ لا جنّةَ تضاهيه، فكنْ سيدَ الجالسين في عربة الجحيم، لا مخافة عليك.