انقسام في وسائل الإعلام الإيرانية حول تقييم مفاوضات «النووي»

خامنئي: الغرب لن يتمكن من «إركاع» إيران

خامنئي خلال لقائه مع رجال دين في طهران أمس (أ.ب)
TT

بينما انقسمت الأوساط الإيرانية أمس بشأن تمديد المفاوضات النووية مع الدول الكبرى، إذ اعتبره المحافظون «فشلا» والمعتدلون قرارا «واقعيا»، أكد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي الذي له الكلمة الفصل في الملف النووي، أمس، أن الغرب لن يتمكن من «إركاع» إيران في المفاوضات التي مددت حتى يوليو (تموز) المقبل، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية. وقال خامنئي في تغريدة على حسابه الرسمي على تويتر «إن أميركا والدول الأوروبية الاستعمارية حاولت في الموضوع النووي أن تبذل كل ما بوسعها لإركاع الجمهورية الإسلامية الإيرانية لكنها لم ولن تقدر علي ذلك». وذلك في أول رد فعل له على قرار الدول الكبرى وإيران تمديد المفاوضات لـ7 أشهر لعدم توصلهما إلى اتفاق.

وعنونت صحيفة «وطن أمروز» المحافظة «لا شيء» وفق نصف صفحة بيضاء ترمز إلى نتيجة أسبوع من المفاوضات الحثيثة في فيينا بين الإيرانيين ومجموعة 5 زائد 1 (الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين وألمانيا). وأضافت الصحيفة أن تمديد المناقشات حتى يوليو (تموز) 2015 تسمح بتغطية «فشل المناقشات بسبب المطالب الأميركية المفرطة».

وترى الصحافة المحافظة أن الولايات المتحدة، العدو اللدود للجمهورية الإسلامية، هي المسؤولة الأولى على الوضع الراهن وكتبت صحيفة «سياسة روز» أن «استراتيجيتهم هي عدم التوصل إلى اتفاق (كي) يتم تحميل إيران المسؤولية»، وأن طهران «وافقت» على هذا التمديد الذي لم تكن ترغب فيه «كي لا تعطي ذرائع» لواشنطن.

وأعربت صحيفة كيهان المحافظة عن امتعاضها من أن إيران لم تحصل على شيء في فيينا بشأن حقوقها النووية ورفع العقوبات الغربية، بينماسخرت صحيفة «جوان» القريبة من حرس الثورة من تمديد المفاوضات الذي يمنح «الدبلوماسية النووية 7 أشهر للتنفس صناعيا».

ولكن اعتبرت صحيفة «شرق» أن تغييرا كبيرا طرأ وتمثل في «انتصار الواقعية والبرغماتية»، وقالت إن إيران «ليست محور الشر كما يتصوره الأميركيون وأميركا ليس لها نزاع لا حل له (مع إيران) كما كان يظنه الإيرانيون».

وفي واشنطن، بدا أعضاء الكونغرس الأميركي الذي يسيطر عليه الجمهوريون يحضرون لفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران مع انعقاد الجلسات الرسمية للكونغرس الجديد بداية العام المقبل. وسار الجدل في أروقة الدوائر السياسية بين آراء ترى أن تمديد المفاوضات للتوصل إلى اتفاق نهائي «جيد» هو أمر مقبول بدلا من إبرام اتفاق سيء، وآراء ترى أن فرض عقوبات جديدة سيدفع إيران إلى الخضوع والتوصل لحل دبلوماسي لبرنامجها النووي وآراء أخرى ترى أن استمرار العقوبات على إيران وفرض عقوبات جديدة قد يصعب من الحوار ويجعله محفوفا بالمخاطر في ظل الخلافات العميقة التي ظهرت خلال المفاوضات.

المؤكد أن الفترة القادمة ستشهد مواجهة ساخنة ما بين الكونغرس والبيت الأبيض حول فرض عقوبات جديدة على إيران مع تحذيرات الجمهوريين أن تمديد المفاوضات يعطي إيران مزيدا من الوقت للتوصل إلى تصنيع سلاح نووي. وقد أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض جوش أرنست أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تعارض تماما فكرة تشريع جديد لفرض عقوبات جديدة على إيران، مشيرا إلى أن فرض عقوبات جديدة قد يؤدي إلى نتائج عكسية وقال: «أي تلويح بفرض عقوبات إضافية قد يترك لدى شركائنا الانطباع أن نظام العقوبات هو أسلوب عقابي وقد يسبب بعض الشقوق في التنسيق الدولي».

وشن السيناتور الجمهوري مارك كيرك - وهو أحد الذين يؤيدون فرض مزيد من العقوبات على إيران منذ فترة طويلة - هجوما على الإدارة الأميركية، رافضا أن يتم السماح بتمديد المحادثات بما يعطي الإيرانيين الفرصة لمواصلة برنامجهم النووي. وأضاف: «لن يمنح الكونغرس مزيدا من القوت لإيران لامتلاك القنبلة النووية». ورفض السيناتور كيرك تخفيف العقوبات التي تسمح للنظام الإيراني بالحصول على 700 مليون دولار شهريا من الأرصدة المجمدة أي 23 مليون دولار يوميا وقال: «يحصل النظام الإيراني الدائم للإرهاب على هذه الأموال بينما تتقدم في تصنيع القنبلة النووية». وتشير تقارير إلى أن التخفيف محدود للعقوبات الأميركية على الأصعدة الإيرانية المجمدة خلال المفاوضات التي جرت بين إيران والقوى العالمية لم يكن له قيمة كبيرة لإيران كما توقع المسؤولون الأميركيون، حيث حصلت إيران على أموال سائلة من عائدات الصادرات غير النفطية في فترة الأشهر الستة الأولي من العام الحالي بلغت نحو ملياري دولار، وهو مبلغ أقل مما توقعته الإدارة الأميركية التي قدرت استفادة إيران ما بين 4.6 مليار إلى 7 مليارات من إجمالي مبلغ 400 مليار دولار المجمدة في ظل العقوبات الدولية، وفقا لما نقلته وكالة بلومبرج عن مسؤول أميركي.

ومن طرفها، قالت هيذر ويليمز، باحثة أكاديمية بالأمن الدولي في معهد «شاثام هاوس» بلندن، إنه على الرغم من خيبة الأمل في عدم التوصل إلى اتفاق بشأن برنامج إيران النووي، فإنه لا بد من العودة إلى الوراء وتذكر ما آلت إلية المفاوضات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي قبل 25 عاما بالعاصمة الآيسلندية «ريكيافيك»، التي شهدت القمة الأميركية - السوفياتية الوعرة، والتي شكلت فيما بعد نقطة تحول بارزة في المواجهة النووية بين القوتين، غيرت معها طريقة تعاطي الجانبين تجاه القضية ولعبت دورا مهما في تنمية روح الحوار وبناء الثقة.

وأضافت ويليمز لـ«الشرق الأوسط»: «أن وجهة النظر السائدة في هذا الوقت، كانت لا تتعدى وصف المفاوضات بالدخول في نفق مظلم، حيث تبنت الصحف نهجا بدا متشائما تجاه المفاوضات مستخدمة كلمة «الفشل» في الوصول لاتفاق في وصف نتائج المباحثات، إلا أننا يجب ألا نهمل الحادثة ونتعلم من الدرس السابق في الحفاظ على وتيرة النتائج الإيجابية وإعطاء الحوار أهمية أكبر طالما أن الفرصة لا تزال سانحة لمواصلة الحوار بين الجانبين».

وكانت إيران قد توصلت لاتفاق مع مجموعة «5+1» قبل عام، للعمل تحت خطة مشتركة تستهدف الحد من تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 5 في المائة وتحويل و«تمييع» مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة مقابل تخفيف العقوبات، وفي حينها تم تمديد الاتفاقية لمدة 6 أشهر إضافية، نظرا لعدم التوصل لاتفاق حاسم على أي من القضايا الرئيسية. بالأمس، تم تأجيل المفاوضات إلى مارس (آذار) القادم للتوصل لاتفاق سياسي، وإلى يوليو (تموز) للتوصل لاتفاق مفصل. وفي غضون ذلك، ما زالت شروط الاتفاقية سارية المفعول ومعمول بها، وهو ما يعني على أقل تقدير أن الجانبين سيواصلان الحديث.

من جهة أخرى، قالت إيلي جيرانمايا، وهي باحثة في الشأن الإيراني بمعهد «مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي»، إن تمديد المحادثات سيكون له تأثير محدود على الاقتصاد الإيراني. وأضافت أنه بموجب التمديد فإن الاتفاق يشمل إنهاء تجميد 5 مليارات دولار من الأصول الخاصة بها، وهو أقل بكثير مما سيكون الوضع علية في حال فرضت على إيران المزيد من العقوبات. وأضافت أنه بموجب الاتفاق فإن إيران ستحظى بتخفيف جزئي للعقوبات المفروضة عليها خلال الأشهر القادمة ومدة تمديد المفاوضات.