مناطق «داعش» في العراق.. دور «حرب» و«سلام».. وتعايش مع الحكومة

السلطات تعتمد ختم الرسم الجمركي للتنظيم.. وتتعامل مع «ولاياته» إداريا

TT

ما إن يتيسر لك دخول مدينة الفلوجة التي تبدو من الخارج كأنها مدينة أشباح، حتى تكتشف أن للمدينة حياتها الخاصة التي باتت تتعامل معها بطريقة تبدو روتينية وهي تحت سيطرة تنظيم داعش الذي أعلنها ولاية من ولاياته المنتشرة في معظم المحافظات والمدن الغربية من العراق.

الولاية الوحيدة التي سقطت حتى الآن هي «ولاية جرف الصخر»، بينما لا يزال الموقف غامضا حيال ولايات أخرى تتأرجح بين نفوذين؛ لـ«داعش»، وللحكومة العراقية، معا.

الفلوجة هي المدينة الأولى التي سيطر عليها «داعش» أوائل العام الحالي. وطبقا للاستراتيجية العسكرية للحكومة العراقية، فإنها ربما ستكون المدينة الأخيرة التي يمكن أن يجري تحريرها. لكن مع ذلك، وطبقا لما أفاد به «الشرق الأوسط» أحد سكان المدينة ويكنى «أبو همام»، وهو ممن لم يخرجوا منها رغم عمليات النزوح الجماعي، فإن «أقل ما يمكننا قوله إن هناك نوعا من تقاسم السلطة بين تنظيم داعش والحكومة العراقية التي بدت مضطرة للتعامل القسري مع التنظيم». ويضرب «أبو همام» في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أمثلة لهذا النوع من التعايش الصعب من خلال «إدامة العمل ببعض الدوائر الخدمية مثل المستشفيات والمستوصفات؛ إذ إن هناك نوعا من التفاهم غير المعلن بين الطرفين، حيث يباشر الأطباء والصيادلة عملهم في مشافي المدينة من دون مضايقة من أحد ويتسلمون مرتباتهم من الحكومة، وهو ما ينطبق على بعض الدوائر الخدمية الأخرى مثل دوائر الكهرباء، بينما تبدو الشرطة خطا أحمر؛ إذ لا وجود لها، بل إن (داعش) أحرق مراكزها وقتل من استطاع أسره من العاملين فيها».

ليس هذا فقط، بل إن الرائد تحسين المشرف، وهو أحد الضباط العاملين في نقاط التفتيش قرب الفلوجة، أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك نوعا من التعايش الطريف بين تنظيم داعش والسلطات الحكومية، ويتمثل في ختم «داعش» الذي يشير إلى أن سائق الشاحنة دفع مبلغ الجمرك الذي يفرضه التنظيم»، مشيرا إلى أن «لتنظيم داعش نقاطا بعد منفذ طريبيل على الحدود مع الأردن، تقوم بفرض هذا الرسم الجمركي على سائقي الشاحنات الذي يتراوح بين 50 دولارا و300 دولار حسب نوعية البضاعة والجهة المقصودة»، مضيفا أن «عدم دفع الرسم الجمركي يثير الشكوك في إمكانية تعاون السائق مع تنظيم داعش». ويقول المشرف إن «المحافظات الوسطى والجنوبية هي الأخرى مضطرة للتعامل مع (داعش) كواقع حال؛ إذ إنها ترفض دخول أي شاحنة إلى تلك المحافظات لا تحمل ختم التنظيم».

ومن الفلوجة (60 كلم غرب بغداد) إلى مدينة الموصل (400 كلم شمال العراق) ثاني أكبر مدينة عراقية، لا يبدو الأمر مختلفا كثيرا؛ فعلى الرغم من عمليات النزوح الواسعة النطاق، فإن هناك من آثر البقاء في هذه المدينة التي تشهد هي الأخرى نوعا من التعايش المفروض قسرا بين (داعش)؛ التنظيم المسلح الذي يريد فرض الشريعة بطريقته الخاصة، والسلطات العراقية التي لا تعترف بسيطرته على المدن والمحافظات العراقية المحتلة من قبله. وتجد الحكومة نفسها مضطرة إلى التعامل الإداري لا السياسي مع أبناء تلك المناطق رغم صعوبة التعامل، بل ربما استحالته في بعض الأحيان. وطبقا لما يقوله سنان إدريس، وهو فنان من المدينة، ويشاطره الرأي الشيخ مناف العلوان من قضاء الحويجة التابع لمحافظة كركوك، فإن «نفوذ (داعش)؛ بل حتى شعبيته، شهد أول الأمر في بعض المناطق تراجعا كثيرا بعد أن شعر الناس بأن الحياة ليست شرائع فقط، بل هي عمل وأنشطة وحياة دون قيود قسرية، وخدمات حياتية وإنسانية، تبدأ من السجائر الممنوعة بحكم الشرع إلى نوع الملابس سواء للرجال أحيانا أو للنساء في كل الحالات».

ويضيف سنان لـ«الشرق الأوسط» إن «الناس هنا (مدينة الموصل) بين المطرقة والسندان؛ فمن جهة هم تحت سيطرة الجماعة (طبقا لتوصيفه) بينما الحاجة قائمة إلى الحكومة المركزية التي تقوم بإرسال الرواتب بانتظام إلى الموظفين». وبشأن الخدمات الأخرى، أكد همام أن «الكهرباء لا وجود لها منذ يونيو (حزيران) الماضي، والحياة تعتمد على المولدات الأهلية التي يأتي الوقود إليها عن طريق سوريا»، مشيرا إلى أن «الحياة في منتهى الصعوبة، حيث إن قنينة غاز الطبخ تصل إلى 100 ألف دينار عراقي (نحو 80 دولارا أميركيا) بينما سعرها الرسمي (6000 آلاف دينار) أي في حدود 4 دولارات».

لكن في قضاء حويجة، وطبقا للشيخ مناف، فإن الأوضاع تبدو أكثر سهولة مما هي في الموصل. ويقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن «الكهرباء لم تنقطع عن الحويجة؛ إذ تأتي عن طريق كركوك».

وبينما تبدو السيطرة لتنظيم داعش في الموصل عبر خليط من «عرب وأجانب فضلا عن عراقيين متعاونين هم باتوا يحتلون بعض المناصب القيادية»، مثلما يرى سنان، فإن الأمر في الحويجة يختلف مثلما يرى الشيخ مناف الذي يقول إنه «لا يوجد عرب وأجانب في الحويجة.. هناك فقط عراقيون، وهم يتولون المسؤولية، ولا يبدو أنهم يضايقون الناس في حركتهم اليومية».

وبين هذا وذاك، تبدو مدينة كركوك عاصمة فيدرالية سواء للحكومة العراقية أو لـ«داعش».. فلدى سؤال سنان من الموصل والشيخ مناف من الحويجة والمواطن أحمد عبد الله من قضاء الدور التابع لمحافظة صلاح الدين والواقع تحت سيطرة «داعش» فإن «كل شيء يتم عبر كركوك.. الرواتب تأتي من كركوك، المعاملات الإدارية لمختلف الدوائر الخدمية تتم في كركوك».

وفي الختام، فإن الخبير الأمني المتخصص هشام الهاشمي يلخص الأمر لـ«الشرق الأوسط» بالطريقة التالية: «تنظيم داعش يقسم المناطق التي يسيطر عليها إلى 3 أنواع؛ فهناك (دار حرب) التي يتولاها القادة العسكريون وسكانها يوضعون في دائرة الشك والشبهات، ومن أمثالها الآن الحوز وهيت وحي البكر في الرمادي وسليمان بيك في صلاح الدين. وهناك (دار سلام وتمكين) ويديرها في الغالب سكان محليون عن طريق ما يسمى (الحسبة) مثل الموصل والبعاج. وهناك (الدار المختلطة) وهي المناطق التي لا يوجد لها مثيل في العراق، بل تنتشر في الشرق السوري».