«معرض بيروت العربي والدولي للكتاب» يخسر من رصيده ويبقى صامدا

«دار صادر» تحتفل بـ150 سنة و«دار الجديد» تطفئ الشمعة الـ100 للعلايلي

TT

للسنة الـ58 يشرع «معرض بيروت العربي والدولي للكتاب» أبوابه، أمام زواره، اليوم الجمعة، في ظروف أمنية واقتصادية لا تزال صعبة وعسيرة، منذ عدة أعوام. تعددت الأماكن التي يحط فيه «معرض الكتاب» في بيروت رحاله، تغيرت الظروف، ولا يزال «النادي الثقافي العربي» مواظبا على تقاليده التي بدأها منذ عام 1956. يوم أطلق: «المعرض العربي الأول للكتاب» ولم تكن المعارض شيئا مألوفا في المنطقة، لتصبح بيروت عاصمة «الطباعة والنشر»، عندما كانت لا تزال المطابع شحيحة، وأناقة الإخراج مطلبا عسيرا.

نمت المعارض وصار لكل بلد عربي احتفاليته، وبقي «معرض بيروت» صامدا، رغم الحرب الأهلية الطويلة والمديدة. في السلم والحرب بقي المعرض، ومع اندلاع الثورات بدا أنه يواجه أصعب أيامه، فالدول المحيطة بلبنان تشتعل والأوضاع الأمنية تتدحرج، مما يجعل مجرد انعقاد المعرض في السنوات الأخيرة، فرحة وكسبا للتحدي. لكن منال شمعون، مسؤولة التسويق والعلاقات العامة في «دار الساقي»، تتساءل: «إلى متى سنبقى نركن للوضع الأمني دون أن نحرك ساكنا، من أجل معرض بيروت، الذي يخسر من رصيده»؟ تتحدث شمعون عن انخفاض في عدد الزوار الذين كانوا يأتون من أجل الاحتفال بالكتاب. صار المعرض يقصده من يريد حضور حفلات التوقيع، أو شراء بعض الكتب. انخفضت القدرة الشرائية عند اللبناني، والكتاب ليس أولوية عنده. في نفس الوقت تلفت شمعون إلى «تحسن واضح في اهتمام المدارس باللغة العربية، وتناول المؤلفات بطريقة حديثة وأكثر تطورا، مما يعزز دور الكتاب العربي».

الطابع المحلي الذي بات يتسم به معرض بيروت، صار موضع انزعاج بالنسبة لناشرين كثيرين. لكن السؤال هل من الممكن إنقاذ الوضع، في لحظة يبدو فيها حتى حضور الضيوف من الخارج، أو حتى تمويل الاستضافة مسألة قد تكون عصية؟

صحيح أن «معرض بيروت» لم يعد الموسم الذي يدرّ على الناشرين اللبنانيين ذهبا، بعد أن انتقل مركز الثقل إلى الشارقة وأبوظبي والرياض، وأصبح الناشر يرى في هذه المعارض باب رزقه الأوفر، لكن معرض كتاب بيروت، لا تزال له رمزيته بالنسبة لهم ومذاقه الخاص، ففيه يقيمون مناسباتهم الأكثر حميمية، وله يخبئون شيئا من مفاجآتهم، وكثيرا من إصداراتهم.

«دار صادر» تحتفي هذه السنة بمرور 150 سنة على تأسيسها، وأصدرت كتابا يوثق مسار 5 أجيال تناوبت على الدار. في الثاني من الشهر الحالي، خلال المعرض تقام ندوة تناقش هذا التاريخ الذي يعتبر جزءا من تاريخ النشر في لبنان. ففي عام 1863. وقبل المطبعة الأميركية التي تأسست عام 1866 والكاثوليكية التي تأسست عام 1875، كانت مطبعة آل صادر قد بدأت العمل مصحوبة بدار نشر وافتتحت ما سموه يومها «المكتبة العمومية»، وعلى كتاب فرنسي - عربي يحمل اسم «مائة قصة قصيرة» ظهرت كلمة «ناشر» للمرة الأولى بالعربية بالمعنى الذي نفهمه اليوم. هذا ما يرويه نبيل صادر قائلا: «إن جدي سليم هو الذي استخدم اللفظة، وقد جلت في شارع المتنبي في بغداد ومكتبات سوريا، وغيرها أبحث عن هذه المنشورات الأولى لدار صادر حتى استطعت أن أجمع غالبيتها. فما مر على لبنان من حروب وتهجير، أفقد دار صادر جزءا من أرشيفها. الكتاب الذي يحتفي بـ150 سنة من حياة واحدة من أقدم دور النشر العربية واللبنانية أخذ في جزء منه عن أطروحة ناقشتها في فرنسا الدكتورة هلا البزري». ويشرح نبيل صادر «أن تاريخ التأسيس كان أمرا محسوما لكن رسالة الدكتورة البزري وثقت بشكل علمي، وأكدت أن الدار بقيت تعمل طوال قرن ونصف دون انقطاع لغاية اليوم، وهو الأمر المهم».

إلى جانب «دار صادر» تحتفل «دار الجديد» بفضل همّة صاحبتها الأديبة رشا الأمير بمرور 100 سنة على مولد الشيخ عبد الله العلايلي. ليس فقط أن الدار طبعت كتب هذا العلامة التقدمي المتنور، بأناقة ودقة متميزتين، ووفرتها للقراء، بعد أن كانت قد فقدت، لكنها سعت منذ أشهر، مستبقة المعرض، لتجعل مئوية العلايلي مناسبة للإضاءة على فكره كأحد نماذج التنوير الذين حجبوا عنوة وحوربوا. رشا الأمير تنتهزها فرصة لتضيء شمعة جديدة إلى عمر العلايلي، مصرة على أنه حان الوقت لنعطيه بعضا مما يستحق.

إضافة إلى ما تقيمه الدور نفسها فإن برنامجا يوميا، أعلنت عنه الجهة المنظمة يتضمن محاضرات، وحلقات نقاش، وندوات وأنشطة لتلامذة المدارس، هذا عدا معرض الفن التشكيلي السنوي بمشاركة عدد من الفنانين اللبنانيين والعرب والأوروبيين.

ثمة لقاءات لمناقشة كتب صادرة حديثا مثل كتاب: «الالتزام الحزبي في لبنان» لمؤلفتيه منى الباشا وبولا كلاس، وآخر حول كتاب «مقامات نون النسوة» لمؤلفته لطيفه الحاج قديح، وآخر حول كتاب «اللامركزية الشاملة الباب إلى الإنماء» لصاحبه زكريا حمودان. وهناك 4 ندوات إحداها حول «الشيعة في الخليج بين الوطن والجماعة» وثانية عن «الواقع الطائفي في لبنان ودور الإعلام فيه»، وثالثة حول كتاب «أنابيب حمراء، لماذا سوريا؟ لماذا الآن؟» لصاحبه أنطوان مرعب. وتخصص أمسية للاحتفال بمرور 50 عاما على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب، حيث تعقد ندوة يشارك فيها عبد الحسين شعبان، وزهيدة درويش جبور وسامي سويدان. ويشارك في تكريم الشاعر المركز الثقافي العراقي، واتحاد الكتاب العراقيين ووزارة الثقافة العراقية.

ويخص المعرض هذه السنة الشاعر الراحل سميح القاسم بتحية لمناسبة رحيلة، وكذلك العلامة التنويري هاني فحص، وتحية ثالثة لفنان هذه المرة هو صاحب الصوت الذهبي نصري شمس الدين.

ويستمر المعرض في «بيال» وسط بيروت، من يوم الجمعة 28 نوفمبر (تشرين الثاني) ولغاية 11 ديسمبر (كانون الأول)، وقد أعلنت دور النشر مسبقا عن إصداراتها الجديدة، ودعي القراء إلى حضور عشرات حفلات التوقيع ومن بين الموقعين هذه السنة أحلام مستغانمي وحنان الشيخ التي توقع روايتها الجديدة «عذارى لندنستان» وكذلك يمنى العيد «زمن المتاهة» و«برتقال مرّ» لبسمة الخطيب، ويوقع عباس بيضون «صلاة لبداية الصقيع»، و«داعش» حاضر في المعرض أيضا من خلال ندوة حول كتاب جديد صدر عن «الدار العربية للعلوم»، ستتم مناقشته في المعرض، وكتاب آخر يحمل اسم «داعش عودة الجهاديين» مترجم عن الإنجليزية لباتريك كوكبيرن، صادر عن «دار الساقي».

وسيشغل جناح «دار الساقي» في معرض بيروت نحو 14 حفل توقيع لكتب جديدة. من هذه المؤلفات «متعة القراءة» لدانيال بيناك وهو كتاب غير كلاسيكي عن القراءة، طريف وساخر، يكسر النمطية التي عهدناها في الكتابة عن هذا الموضوع. وهناك أيضا كتاب «الدولة الإسلامية» لعبد الباري عطوان و«ربيع الدم والأمل» لعرفان نظام الدين، و«مواطنة لا أنثى» لعزة شرارة بيضون، وعدد من الروايات الصادرة حديثا، منها: «نقل فؤادك» لحسن داود، و«ذاكرة صيف» للشابة التونسية رؤى الصغير، و«امرأة في الخمسين» لهيفاء بيطار.

تشارك في المعرض هذه السنة 167 دار نشر لبنانية و56 دار نشر عربية وثمة أجنحة لكل من المملكة العربية السعودية، الكويت، سلطنة عمان، فلسطين، لبنان والعراق، بالإضافة إلى اشتراك مؤسسات الأبحاث والجامعات اللبنانية والعربية.