استمرار الخلاف بين أثينا والمانحين الدوليين

إضراب عام في اليونان يشل الحركة في البلاد

TT

شهدت اليونان أمس (الخميس) إضرابا عاما لمدة 24 ساعة، بتنظيم من اتحادات نقابات العمال والموظفين، احتجاجا على الإصلاحات الاقتصادية والتدابير التقشفية التي تفرضها الحكومة على الشعب بضغوط من الدائنين، ورفضا لضغوط خبراء «الترويكا» على الحكومة اليونانية بتخفيض المعاشات وتسريح الموظفين، ورفضا لمواصلة إجراءات التقشف التي يتضمنها مشروع قانون الموازنة العامة للعام المقبل 2015.

ودعت أكبر اتحادات نقابات القطاع العام والخاص في اليونان إلى تنظيم مسيرات احتجاجية تزامنا مع الإضراب، ظهر أمس، حيث تحركت المسيرات من ميادين أثينا المختلفة باتجاه البرلمان وسط العاصمة. وشارك في الإضراب القضاة وموظفو السجون والعاملون في الموانئ والسلطات الحكومية المحلية والبنوك والمعلمون وأساتذة الجامعات والعاملون في مصلحة الضرائب، وتوقفت القطارات والمترو عن العمل، فيما أغلقت المستشفيات وربطت السفن في الموانئ.

كما شاركت نقابة الصحافيين وعمال قطاع الصحافة والإعلام في الإضراب، وامتنعت القنوات التلفزيونية ومحطات الإذاعة عن بث نشرات الأخبار، وتوقفت وكالة اليونان الإخبارية في موقعها على الإنترنت عن بث الأخبار، كما توقفت الصحف عن الطباعة خلال الإضراب. وتم عزل البلاد عن العالم الخارجي بسبب مشاركة موظفي الحركة الجوية والموانئ في الإضراب، حيث توقفت الطائرات عن الهبوط أو الإقلاع في مطارات اليونان.

في غضون ذلك، ينبض الشارع اليوناني بخلاف الحكومة مع «الترويكا» (المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي) بشأن ميزانية البلاد لعام 2015 والتي قدمتها الحكومة للبرلمان من دون إدخال تعديلات طالبت بها «الترويكا» وتشمل بالخصوص اعتماد إجراءات تقشف إضافية.

وتسعي الحكومة حاليا للتخفيف من حدة الخلاف، حيث أجرى رئيس الوزراء أندونيس سامارانس اتصالات هاتفية مع عدد من نظرائه الأوروبيين لطمأنتهم على اقتصاد البلاد والتعبير لهم أن بلاده لن تقبل إجراءات تقشف جديدة نظرا لأن طاقة تحمل الشعب اليوناني قد نفدت.

وتحاول الحكومة التوصل إلى اتفاق مع «الترويكا» لكن ليس بأي ثمن، وبعث وزير المالية جيكاس هاردفيليس بلائحة توضيحات وبراهين لـ«الترويكا» في ما يتعلق بميزانية 2015 مع سلسلة من الإجراءات البديلة الكفيلة بالتخفيف من شكوك المانحين بخصوص اقتصاد البلاد وأدائه خلال العام المقبل.

وقد دخلت المباحثات بين الحكومة اليونانية وبين «الترويكا» في مجال التأمينات الاجتماعية في نفق مظلم، حيث أصبح من المستحيل إيجاد قاسم مشترك، خاصة بين الترويكا وحزب الباسوك الاشتراكي الشريك في الحكومة الائتلافية الحالية، والشيء الوحيد الذي وافق عليه حزب الباسوك وتم رفعه باسم الحكومة الائتلافية لـ«الترويكا» هو تجميد رواتب التقاعد خلال عامي 2016 و2017، علما بأن القانون الذي كان قد صوت عليه البرلمان قبل عامين والجاري تطبيقه الآن ينص على تجميد رواتب التقاعد حتى نهاية عام 2015، مما يعني أن الالتزام الحكومي بشأن زيادة رواتب التقاعد بواقع 3.5 في المائة خلال العام المقبل 2015 لن يتحقق جراء التطورات الجارية على أرض الواقع.

كما فاجأت «الترويكا» الحكومة الائتلافية بطلب رفع سن التقاعد لتصير عند بلوغ الثانية والستين بالنسبة للنساء والسابعة والستين للرجال، ووفقا للمصادر فإن مرتبات التقاعد في ظل الترتيبات التي تحاول «الترويكا» إجبار الحكومة على تبنيها وتنفيذها سوف تعني عمليا تراجع القوة الشرائية لرواتب التقاعد بنسبة تصل إلى 20 في المائة، وبالتالي انضمام مجموعات جديدة من المواطنين الذين عملوا لسنوات طويلة إلى قوافل الفقراء المتزايدة أعدادهم باطراد، علما بأن بيانات إدارة الإحصاء الأوروبي «يوروستات» تؤكد أن ثلث الشعب اليوناني قد أصبح بالفعل تحت خط الفقر.

ووفقا للمصادر فإن اليونان تسعى للتقليل من مخاوف «الترويكا» من كون ميزانية 2015 سوف تفضي إلى عجز يقترب من 2.5 مليار يورو، وبأنها لن تلجأ من جديد لأي اقتطاعات في الأجور ورواتب المتقاعدين، وإن «الترويكا» سترد على الحكومة لاحقا.

يذكر أن اليونان تسعى لتسريع إتمام برنامج إعادة تقويم اقتصادها من دون خبراء «الترويكا»، حتى تتمكن خلال هذه السنة من الخروج من نظام الحماية الأوروبية، وبالتالي يكون في وسعها جمع مبلغ 3.8 مليار يورو إضافية لتمويل اقتصادها، ثم مبلغ آخر بنحو 14 مليار يورو من صندوق النقد الدولي عامي 2015 و2016، وفي حال عدم إتمام برنامج التقويم فإن مخزون البلاد من الاحتياطي النقدي سينتهي في فبراير (شباط) المقبل من دون إمكانية اللجوء إلى الأسواق الدولية للاقتراض.